Mryam M.Y

Just another WordPress.com weblog

Monthly Archives: May 2011

حنانُ أم( من العمر لحظة)

3

تسبقني عيونُ قلبي- التي رأتك قبل عيوني- بالبكاء، أحس بدمعها نارا في صدري، أهرب، أغرق نفسي في بحري، تتقاذفني أمواج الحنين إليك، أعود بصحبة دمعي، أضع يدي فوق رأسك.. أعيذك بالله من كل مايحزنك، خذ حياتي ولاتحزن، أنَّاتُ صدرك تشعل قلبي، تهدُّ كياني، أنظر إلى السماء.. أرفع يديَّ بالدعاء: اللهمَّ فرِّج همَّه، فأسمع صوتك الحبيب وعيناك تنظران في عيني ونداء أحبه: ماما.. اطمئن يابني، فإنَّ اللهَ سميعٌ مجيب.

 

بقلم
زاهية بنت البحر

 

 

 

 

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)40

0

 

جثَّة الغريب حرَّكت الآلام المُسَكَّنة بمشاغل الزَّمن.. هيَّجت الشجون الدَّفينة في الصدور، فتمرَّدت على سجَّانيها وتفجَّرت براكين دمع غسلت بها النسوة قبور الأحبَّة أباً.. أخاً.. زوجاً وولداً، وأمَّا الذين لم يؤتَ بجثثهم إلى الجزيرة فقد زار ذووهم قبور الغرباء ووضعوا فوقها الرياحين وقرأوا لأرواحهم القرآن.

استطاعت هذه الجثَّة المنتفخة أن تفجِّر طاقات  إبداعية في رواية القصص المحزنة عن أبطال من أهل الجزيرة غادروها وهم يبتسمون، في جيوب قلوبهم آمال وأحلام كثيرة تترنم ابتهاجا بغدٍ مشرق، وعادوا إليها في توابيت مغلقة لم يسمح لأهلهم برؤيتهم فيها ولو للحظات، أو من لم يعودوا كالغرباء الذين يرقدون في جزيرتهم بسلام، بينما قلوب أحبتهم في حزن وعذاب مرير، بعضهم ترك زوجته في شهرها الأول من الحمل ولم يعد ليرى فلذة كبده، ولا تمتع طفله بنداء بابا.

ومنهم من ذهب للعلم فقتل قبل أن يعود حاملا معه شهادات عالية لخدمة وطنه، صُفِّيَ لرفضه العمل في دول الأعداء.

وكان لأحمد صديق عادل نصيب من أحاديث الناس لقرب عهد رحيله، فبكته أمه وخطيبته  بِحَرِّ الدموع.

قالت سراب بعد سماعها بعض هذه القصص: عندما يصبح لي طفل، ويكبر لن أرسله للدراسة هناك، أريد لابني الحياة والسعادة في وطنه أيا كانت دراسته أو عمله.

في أثناء عاصفة الذكريات التي هبَّت على الجزيرة بوصول الغريق إليها، طلب عادل من أمه وزوجته زيارة أم صديقه أحمد وخطيبته فقد سمع بأن جراحهما قد نكأت عند سماعهما نبأ الغريق وما قيل فيه.

حاولت أم عادل تسكين حزنهما بذكر قصص كثيرة عن الصبر الذي به دواء القلوب، والثواب من الله الذي يوفي الصابرين أجورهم بغير حساب.

 نضخت العيون الدموع بصمت، وأنات خرجت من صدور أشعلَ الحزن حشاشتها، فالتهبت بها المشاعر طالبة من الله الرحمة للراحل والصبر والسلوان لأهله من بعده.

–        ليس الموت حدثًا عابرًا ويمضي يا ابنتي، بل هو دائم الوقوع بين الناس، سيرحل الإنسان عن هذه الدنيا، ولكن لا يدري متى ولا أين ولا كيف، ولا عبرة في التقدم بالسن أو الشباب، فهو لا يفرق بين صغير وكبير.

وتمر الأيام يطويها الزمن في سجله يوماً بعد يوم ويلقي بها في ملَّفات العمر المهملة، يثور خلالها البحر ويهدأ.. يثور ويهدأ، ويعلو بطن سراب ثم يبدأ بالهبوط، تحدد القابلة القانونية التي تقيم في الجزيرة موعد الولادة التي ستتم في البيت لعدم وجود مستشفى لأجل هذا الغرض.

لاشيء يستوجب القلق هكذا قالت القابلة.

أم عادل وابنها وكنتها هم  الآن على شوق لإشراق الوعد.. ينسجونه من ضياء الحلم.. يخبِّئونه في العيون ويطبقون عليه الجفون.. يرعونه بالأماني، ويسقونه بالدموع عندما يحس عطشًا، ويظلون يرتقبون  ولادته في فجر يوم يحمل إليهم تباشير الهناء. يااااه ما أروعه من صباح ذاك الذي يشتاقونه بكل عواطفهم..بكل أمانيهم.. بكل أفراح الصغار..  بعبير الزهور.. بضياء الشمس، وفوق أهداب القمر.. 

بقلم

زاهية بنت البحر

بانتظارِ الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)39

0

ابتسامة درة  الليلة في وجه سراب لم تكن كما عهدتها منها سابقا، بدت العجوز أكبر سنا من عمرها الحقيقي، كانت كئيبة، حزينة، قلقة، وعيناها تنظران إلى سراب تسألانها بصمت عما أرَّقها حتى هذه الساعة المتأخرة من الليل.

 أومت لها برأسها أن اقتربي.. لبت نداء إيماءتها.. جلست بالقرب منها على الديوان والصمت ثالثهما.

تابعت درة ارتشاف اليانسون الساخن وسراب مطرقة رأسها .. نظرت إليها بإشفاق.. سألتها درة:

–        ماالذي أرقك .

–        الذي أرقك ياامرأة عمي..

–        تناولي كأسا من اليانسون علك تنعسين.

–        لماذا يقتل الناس بعضهم بعضا ياامرأة عمي؟

–        ليس الامر جديدا، القتل ياابنتي وجد مع الإنسان منذ عهد أبينا آدم وأنت أعلم بذلك مني، أم نسيت قصة قابيل وهابيل؟

–        لم أنسَ ذلك، ولكن حتى مَتى سيستمر القتل بين الناس؟

–         إلى أن  يرث الله الأرض، ويوم القيامة يُحاسب كل نفس بما كسبت، فللجنة ياابنتي أهلها وللنار أهلها.

–        مسكين هذا الغريق، كانت له أحلام ركب البحر معرضا نفسه للخطر كي يحققها.

–        كل إنسان له أحلام ياسراب كبرت أم صغرت، بعضهم يحققها وبعضهم يموت قبل أن يصل إليها.

–        شيء محزن ألا يعيش أحلامه على أرض الواقع، ربما كانت جميلة جاهد من أجلها كثيرا.

–        دائما ياابنتي يسرح بنا الخيال في عالم الأحلام كبارا وصغارا، نراها جميلة، براقة، تسحرنا .. نحار أيها نختار وكأننا في حديقة ملئت بأشجار وأزاهير خلابة.. نقطع أشواطا من العمر قبل أن نقطف منها شيئًا، وعندما نظفر بشيء منها نجد بساطَ العمر قد سحب منا.

–        أجل هذا يحصل كثيرا وقد سمعت قصصا أبطالها عاشوا وماتوا دون أن يقطفوا حلما ما.

–    كعمك أبي عادل فقط خطف منا خطفا.

–         رحمه الله ، أحس أحيانا بأن الحياة كلها وهم كما قلت لك ذات حديث بيننا.. أين هو الآن هذا الغريق من أهله، أحقا كان موجودا بينهم والآن هو تحت التراب في جزيرة نائية لم يخطر في باله أو بال أهله أو حتى في بال أهل الجزيرة أن يرقد فيها إلى الأبد؟!!

–        هذا قضاؤه وقدره وقد قال الله عزَّ وجل(وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت.)

–        صدق الله العظيم.. أحس ياامرأة عمي بالعجز والضعف والخوف معا.

–        كلنا نشعر بهذا ولكن من الحكمة ياابنتي ألا تستسلمي للعجز عندما تحسين به، بل كوني حكيمة، حليمة بنفسك لتري بعين البصيرة مالا يراه الآخرون. انهضي الآن وأحضري كأسا من مغلي اليانسون، فما زال في الدّلة شيء منه.

–        وأنت ألن تنامي؟

–        اقترب السَّحر، سأقوم للصلاة.

–        أيقظينا بعد الفجر إن تأخرنا بالنوم.

وقفت أم عادل خاشعة في صلاة الليل، سلمت فؤادها وأحاسيسها لربها ناسية الدنيا ومآسيها، وعيناها تسكبان الدمع طاهرا عَطِرَا في لحظة القرب من الربِّ العظيم.

العمر غريب بكل مافيه من أحداث ومشاعر، المحظوظ فقط من يقبض على لحظة هناء تملي عليه خفقاتِ قلبٍ تهدي حبيبتيه بعض زخات مطرٍ تطهره من لواصق لا تجلب له مسعدًا في قادم لامفرَّ منه، قد تسكن الأنسام أجسادًا، ولكن قد يظل الاتصال بينهما مفقودا إلى أن يشاء الله، فيكرم إحداها بلحظة وصلٍ يحملها الجسد ما بقيت الروح فيه سعادة تضيء حياته حتى الغروب بشعورٍ لايعرف ماهيته، هكذا كانت تلك اللحظة.

الانتصار على النفس بانسكاب دمعة شكر لخالقها، يجدِّدُ اليقين، ويعود بالنفس ألى النَّقاء، فتغسل بتلك الدمعة ماعلق فيها من قاطعات الصِّلة بالأصل، فيشرق بومضة الصَّحو ماغم بتراكم القشور وتضاء لكينونتها مسالك الهديِ بالسّلام.

بقلم

زاهية بنت البحر

قالوا في الزاهية( طائر الأشجان)

2

 الغريد طائر الأشجان إلى أخته في الله زاهية بنت البحر

وهذه القصيدة المبهرة.

يا من نكأتِ جراحـاً خِلتُهـا  اندَمَلـتْ”

“وأيقَظتْ بي شجونـاً كُـنّ فـي وَسَـنِ

ما بال دمعُـكِ لمـا سـالَ فـي  دِعَـةٍ”

“شَبّـت لواعِـجُ ذَيّـاك الفتـى الفَطِـنِ

ذَهبـتُ فـي غَيهـب الماضـي ولجّتِـهِ”

“فما وَجَدتُ سوى الأشلاء مـن  سُفُنـي

تَرنّحتْ فـوق سفـح المـوج قائلـةً  :”

“”زِدني من النّوح واسعِدني على حَزَنـي”

يـا غـارةُ الله مُـذ شَـطّ المِـزارُ  بِنـــــا”

“ما طابَ عَيـشٌ ولا شَـدوٌ علـى فَنَـنِ

أنعِـم بجيـرَةِ ذاك العهـد واسـقِ بهـم”

“ظمئى النفوسِ وكَـم سُقيـا بِـلا ثَمَـنِ

كانـوا وكُنــــــــا بِرَغـم البُعـدِ  كَوكَبَـةً”

“مـاذا أحَـدّثُ عـن أسلوبِهـا  المَـرِنِ

كيفَ استباحت ريـاح البَيـن  حُرمَتَهـا”

“وَهل قَضت سُنّةٌ مـن جُملـةِ السُّنَـنِ  !

سَل “ابنة البحر” كم  قيثـارةٍ عَزَفَـت”

“لحنَ الخلودِ وأشجَـتْ كـل ذي شَجَـنِ

وكَم علـى تِلكُـمُ الأوتـارِ ” زاهيــــةٌ “”

“تَرَنّمَتْ وسَـرَت بـي حيـث تأخُذُنـي

إلـى حدائـقَ غُلبـى لا مثـيـلَ لـهــــــــا”

“تكـادُ مـن سحرهـا الفتـان  تَقتُلنـي

هذي”دمشقُ”وذا إبـداعُ”زاهيـةٍ”:

“فاسمع صدى”طائرالأشجانِ”من”عَدَنِ

 

تحيات أخيكم/
طائر الاشجان

 

 

بانتظار الأمل( رواية بقلم زاهية بنت البحر)38

1

عندما وصل الرجلان إليه وشاهدا عن قرب ما رمته الأمواج فوق الصخور، هالهم المشهد وأربكهم لبعض وقت، لكن سرعان ما استأذن أحدهما بالذهاب لإحضار لوح خشبي كبير يساعدهم فيما هم مقدمون عليه.

 وعندما عاد كان معه عدة رجال ولفيف من الأطفال الذين لا يفوِّتون حدثا في الجزيرة إلا ويكون كل واحد منهم شاهد عيان يدلي بمعلومات عما رآه بعضها صحيح، وكثير منها مما أوحى به خياله بتفسيرات شخصية خاصة جدا مع رشَّات من التوابل.

تعاون الرجال على  إخراج الجثَّة المنتفخة التي حوصرت بين الصخور، وقد تسبب ارتطامها الشديد بتناثر أجزاء منها فوق المياه وعلى بعض الصخور القريبة منها.

لم يتعرَّف أحد على صاحبها شأن كلِّ جثَّة تحملها الأمواج عادة إلى شواطئ الجزيرة.
كانت لرجل أسود مجهول الهويَّة، مشوَّه الملامح، شبه عارٍ مقيَّد بحبال غرست في جسده الرخو المتآكل.
أخطر المخفر بشأنها، فأُمروا بدفنها في المقبرة قرب قبور الغرباء.

بعد صلاة المغرب قام المصلون بأداء صلاة الغائب عليها، ودعوا له بالرحمة والصبر لأهله.
في المساء جلس عادل حزينا متعبا أمام التلفاز يشاهد نشرة الأخبار من إحدى المحطَّات الكثيرة التي يلتقطها الهوائى بسهولة في الجزيرة بعد أن أرهقته أسئلة الأهالي عن الغريق، فقد ظن الكثيرون منهم بأنه ربما يكون أحد أقربائهم، ولكن لون الجثة كان ينقذه من طول الأسئلة.
وعندما دعته أمه وزوجته للعشاء اعتذر بلباقة بحجَّة عدم شعوره بالجوع ولفقدان الشَّهيَّة. وبإلحاح من أمه تناول بضع لقيمات من الديك المحشي الذي كان متشوقا لالتهامه منذ الصباح، لكن منظر الجثة جعل نفسه تأنف من تناول الطعام، والاكتفاء بكأس من الشاي عاد بعده لمتابعة النشرة الجويَّة في التلفزيون المحلي، وقد نوى ضمنيا ألا يذوق بعد اليوم لحم ديك محشي.

سألته والدته وقد جلست بالقرب منه:

–        هل توصَّلوا لمعرفة صاحب الجثة؟
أجابها دون اكتراث:

–        من هم؟
–  رجال المخفر.
أجابها ببرود:

–       إنَّهم بضعة رجال وهم ليسوا محقِّقين.
فسألته: ومن سيتولَّى التَّحقيق إذن؟
–   لا تشغلي بالك يا أمّ عادل. هم يعرفون عملهم أكثر منا.
فسألته بحزن: وأهل الغريق ألن يسألوا عنه؟
–   حتماً هم يسألون، ولكن لا أحد يعرف عنهم شيئاً.
–  أهو من بلدنا؟
أجابها: لا يدل لونه على ذلك.. البحر واسع يا أمي والأمواج تقرب البعيد وتبعد القريب، والجثة متفسخة يعني مضى عليها في البحر وقت لا يمكننا تحديه.
اقتربت منه قليلاً وهمست في أذنه: هل في الأمر جريمة؟
أجابها بفتور: ربَّما، فالجثَّة وجدت مقيَّدة بالحبال.
سألته: ولِمَ قيَّدوه بالحبال؟
أجاب بضيق: لم أكن معهم عندما قيَّدوه.
فسألته: هل ألقي من إحدى السفن إلى البحر؟
أجابها وهو ينظر إلى زوجته: ربَّما يكون مات في السفينة فألقوه في البحر لأن البحر مقبرة أموات السفن كما تعرفين، أو قد يكون قُتِلَ فيها مقيَّداً ثمَّ ألقوه للتَّخلص من آثار الجريمة، ومثل هذه الحوادث تحصل في السفن التي تجوب  البحار فليس البحارة ملائكة، أو ربَّما قتل فوق اليابسة والقي في البحر، فحملته الأمواج إلينا أو قد يكون انتحر و..

–       وماذا ياعادل؟

–      البحر يحبنا ياأمي، يحبنا كثيرا، ويقدم لنا هداياه المدهشة..
فقالت وهي تنظر إلى سراب التي كانت تصغي إليهما بكثير من التأثر والدموع تلمع في مقلتيها:

–     من الأفضل أن تبقى صيَّاداً ولو شبعنا يوماً وجعنا سنة.

ظلت سراب قلقة حتى ساعة متأخرة من الليل بينما رقد عادل وأمه، واستسلما لنومٍ عميق.

أفكار شتى شغلت رأسها الصغيرة، حاولت الهرب منها، لكنها فشلت أمام أسئلة ملحة لم تجد لها جوابا، ترى كيف كانت حال  صاحب الجثة قبل الموت وما هي الاسباب التي أودت به إلى هذا المصير؟ من قتله؟ هل راى قاتله؟  ماالحوار الذي دار بينهما قبل القتل وهل قيد قبله  أم بعده؟ من أي بلد هو؟ هل له أم وزوجة وأولاد ينتظرون عودته سالما غانما كما كانت هي تنتظر عادل عندما كان مسافرا؟ هل كان سيجمع المال لشراء بيت لعائلته أم أنه كان  سيجهز بيتا لعروس؟

أتعبتها الأسئلة التي ظلت تمطر حزنا وخوفا في نفسها القلقة.. نهضت من سريرها.. خرجت من غرفتها إلى غرفة المعيشة، فوجدت حماتها تحتسي مغلي اليانسون.

بقلم

زاهية بنت البحر

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر) 37

0

أيقن عادل أنه في مأزق حرج للغاية، وحدته الآن زادت من شعوره بالرهبة، تمنى لو انه امتطي صهوة صخرته ومضت به في طريقه  فوق الأمواج دون أن يحظى بصيد تقشعر له الأبدان، حصانه الصخري بدا عاجزا عن حمله والهروب به عن دائرة موقعه ولو إلى جبهة القتال مع عدو ماهم من يكون.

 انتفض من بوتقة الخوف الذي كاد أن يخذله رافعا رأسه إلى السماء، ونادى” يارب  لاتتخلى عني، ساعدني فأنا بحاجة لك”. أتراه استشعر عن بعد نداء سراب فاتحد النداءان وصعدا شفعا إلى الله عزَّ وجل؟

استجمع قواه لاهثاً فهو رجل، والخوف ليس من شيم الرجال.. نظر إلى بيوت الجزيرة المجاورة للبحر وأزقَّتها النحيلة المؤدية إليه علَّه يجد من يساعده في انتشال ما لفظته الأمواج خارج فمها المخيف.

ثمة رجلان كانا فوق أحد السطوح في عمل ما إثر هبوب العاصفة، سمعا صوته يستنجد بهما فأسرعا بالنزول إليه. لم يعد الآن وحيدا في خلوته مع البحر الهائج بطيش أرعن، سيصل الرجلان ليقذفاه خارج جوف وحدته التي كرهها كره العماء، تمنى للحظات لو أنه لم يغادر المنزل، ولم يختلف مع والدته بأمور حسبها تافهة أمام ماهو فيه الآن.

ربما عبرت ذهنه وهو صيد مفاجأة الرهبة مئاتُ الفكر، وآلاف الصور مما رآها أو سمع عنها أو تخيَّلها، ولكن ليس كمثل هذه المفاجأة شيء آخر.

هو يؤمن بالغيب، وبأنه معرض لأي شي يمكن أن يحدث له، ولكنه وجد نفسه الآن ضعيفا لاحيلة له ولاحول، فاستمسك بإيمانه، قوَّى عزيمته، والتجأ بكله إلى الله يستعجله وصول الرجلين قبل أن تسحقه المفاجأة، فشهامته تأبى عليه الهروب وغض الطرف عن أمر يستوجب الرجولة في مثل هذا الموقف، والمسؤولية أمام الله والقانون.

الرجولة الحقة تحلق بحاملها فوق الخوف والتعاسة وضوابط المعقول، واللامعقول، تجعله سيدا لايخشى شيئًا سوى الله، يتخلى عن الأنا في سبيل عمل خير يثمر رحمة للآخرين، تحركه طاقة جبارة أكبر من حجم الوصف والكلمات.. يتراءى أمامه المستقبل ناصعا، والليل مضاء بقناديل الحق التي لا يحترق زيتها مدى الحياة.

ابتسم في سره عندما وجد نفسه واقفا فوق منصة عالية يلقي خطابا أخلاقيا في صالة واسعة خلت إلا منه، فأوشك أن يصفق لنفسه لكنه توقف خشية اتهامه بالجنون إن هما شاهداه وهما قادمان بهذه الحال الغريبة مهما كانت الأسباب التي جعلته يخرج عن المألوف في تصرف الرجال المحترمين، وهو يشهد لنفسه بأنه رجل محترم لم يصدر عنه فعل مشين يجعله في دائرة الشبهات، بل جميع من يعرفه يشهد له من غير زور بشهادة الحق هذه، وأول الشاهدين والدته وزوجته سراب التي مازالت تنتظره على أحر من الجمر، تلهو بقلبها الوساوس من جراء تأخره عن الحضور إلى البيت حتى الآن.

أجل سيظل قويا كما عهده الجميع واثقا من نفسه عملا بما علمته والدته فحفظه وعمل به، فخيل إليه أنه يسمعها تردد على مسمعه مقولتها:

“عندما تشعر بالعجز لاتستسلم له، وعندما تكون حليمًا فإنَّك ترى بعين البصيرة مالايراه الآخرون.”

كل يوم تزداد مكانة أمه المرموقة في نفسه ارتفاعا، فرأيها ذو قيمة  يعتز به ويفخر أمام الجميع لعميق فكره وسمو حكمه عن التملق وصف الكلام بلا فائدة.

بقلم

زاهية بنت البحر

نشوة الزهر

1

 الزهـــرُ يامقبولـــــةَ الخيـرِ انتشى”=”زهوًا بسحـرِ الشعـرِ والأوزانِ
من أيِّ شهدٍ قـــد قطفتِ  رحيقَـــــهُ”=”حتى تدفَّقَ مـن  رواءِ  جَنـانِ؟
صبَّحتِني بالخيرِ ياوجـهَ  الضِّيــا”=”فلتسلمـي للأهـلِ والأوطـانِ
وليرعكِ المولـى الرحيـمُ بحبِّــــــهِ”=”ياأختَ قلبي في هـدى الديـانِ
وليسلمِ الشعرُ البديعُ إذا اعتلــــــى”=”قِممَ الشوامـخِ زاهـيَ الأوزانِ
مترنِّمَ الخفقاتِ عبـرَ صدوحِــــــــهِ”=”بمكارمِ الأخلاقِ فـي النسـوانِ
كلُّ المروجِ  جميلـةٌ  بعطورِهــــــــا”=”وعطورُ عابدةٍ شـذى  الإيمـانِ
من غيرِ قربٍ نستشفُّ  عبيـــــرَهـا”=”بحروفِ داعيـةٍ إلـى  الرحمـنِ
تلقى بها الأرواحُ نــــــــــورَ مخلُّـصٍ”=”من ظلمةِ العصيانِ في  الإنسـانِ
من لايحبُّ المِسْكَ في  بنتِ  التقـــى”=”باعَ الصلاحَ،  وباءَ  بالخسـرانِ
ماأفلح الشيطانُ في كسبِ  النهـى”=”إلا بدربِ  الفسـقِ  والطغيـانِ
ربَّوا البناتِ على العفافِ وبالهدى”=”كونوا لهنَّ  بقـدوة  الإحسـانِ
ياياسرَ الأشعارِ ياحـرفَ النقــــــــا”=”فليجزِكَ الرحمنُ  خلـدَ  جِنـانِ

شعر
زاهية بنت البحر

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)36

0

 

كانت سراب متخذة بحديث  حماتها فقالت لها:

–        صدقت يا امرأة عمي لكن لا ينسحب هذا على الجميع.

–        طبعا، فلو خليت لخربت. هناك أناس لا تعلم يدهم الشمال ماذا قدمت يدهم اليمين.

–        كالحاج مصطفى وكثير غيره..

–        أجل.. المهم أن يطلب الإنسان المتصدق رضا ربه لا السمعة بين الناس التي تحبط عمله في الدنيا والآخرة. وتلوك سمعته الألسن.

–        المهم أن يكون إنسانا حقيقيا في السر والعلن، ولايهم إن كان الآخرون غيرذلك، فالمعاملة هي أولا وأخير مع الله، ومن أحسنها معه أحسنها مع عباده.

–        قل الصادقون وكثر المزيفون، حتى كدنا لانميز بينهما من غلبة النفاق.

–        لكن الطيبين سيماههم في وجوههم، يرشدنا إليهم تواضعهم ولينهم في معاملة الناس.

–         قد يجر اللين في المعاملة على صاحبه في أحيان كثيرة ما يتعبه في الوسط الذي هو فيه، فكم من بشوش طيب القلب، مسالم، صدوق جر عليه حسن خلقه – مع من لايستحق تلك المعاملة-  من آلام لو أنه وقف في بدء نشوئها موقفًا صارمًا، دون جرحٍ أو تجريح، لكفاه ذلك ما وجد نفسه فيه من مشقة.

–        ورغم  هذا فلا يزداد إلا تواضعا في نفسه، وعلوا بين الناس.

–        سبحان الله من تواضع لله رفعه ياابنتي.

أرأيت يا امرأة عمي كيف يأخذنا الحديث – عندما نفترش بساطه- من فكرة إلى فكرة دون أن نشعر بمرور الوقت؟

–         وكثيرا ماننسى النقطة التي بدأنا بها لتولد نقاط كثيرة ماتلبث هي أيضا أن تتشعب لأخرى.

وترحل بهما الكلمات أنى طاب لها السُّرى، لكن في قلبيهما انشغال على من  سكنهما حبيبا تترقبان قدومه بصمت فتخفي كل منهما عن الأخرى مايختلج في صدرها من قلق عليه. سألتها أم عادل:

–        هل أنت بخير؟

–        ليس كثيرًا. احس اختناقا.

–        مما؟

–        تأخر عادل.

–        سيعود بإذن الله لاتقلقي. ذكرتني بأختي وهيبة رحمها الله.

–        رحمة الله عليها، كيف ذكرتك بها؟

–        ذات يوم كنا في سيران على البر والجميع سعداء إلا أنا، وأجبتها عندما سألتني عما بي بأنني أحس اختناقا، فقالت لي رحمة الله عليها:

” عندما تحسين اختناقًا، وأنت في روضٍ جميل، تزقزق طيوره بهجة، وتفوح أزاهيره شذا، والنهر يتدفق رقراقًا، والنسيم العليل يغازل أوراق الشجر وأهداب الورود، فأعلمي أنك في محنة حقيقية، وأنك بحاجة لطبيب يخرجك من أزمة الاختناق المتكمشة بشغاف قلبك، وعندما يفشل الطبيب بفك أسرك من قيدٍ فتاك ثقيل الوطء على النفس والقلب بل والروح أيضًا، انظري حولك وتفكري بروعة ماترين، وأن من خلق هذا الجمال وأبدعه، هو الطبيب الشافي، فناديه يارب.

ابتسمت سراب وهي تنادي:

–         يارب، يارب، يارب. سبحان الله أحسست بالراحة الآن بل بالفرح حقيقة..

–        ياابنتي، عندما يولد الفرح بغفلة منا، تسرقنا الدهشة من أنفسنا بعض وقت، ننسى خلالها كيف تبدل الحزن فرحًا بطريقة تجعلنا بغياب تام عما نغصَّ حياتنا في وقت مضى، سبحانك ربي (فإنَّ مع العسر يسرا) وتُؤكِّدُ ذلك( إن مع العسر يسرا)


بقلم
زاهية بنت البحر

خلف الأجفان

3

 

خلفَ أجفان الحروف لمحتك بسمة نور تتوهج بين أحضان الأمل، تعلقتُ بها.. ركضت خلف نظراتي اللهفى أتلمس حرير الخطوة فوق حرِّ الأثير، وعندما وقفت أمام بوابة اللقاء، أغلق الرحيلُ عينيك، وغاب عن عيني بريق الأمل.

 

أختك

زاهية بنت البحر

 

 

الحبُّ الحقيقي

6

الحب الحقيقي أمر لايحظى به الجميع، هناك أوهام حب تطيح بالإنسان، وتلعب به أنى شاء له الهوى، فالحب الحقيقي أسمى من كل شيء، لايعكر نقاءه البقاء أو الرحيل، ولا يترك في قلوب مكابديه كرها، ولا حقدا، ولاردود فعل انتقامية مقيتة. الحب يولد بين قلبين ولاينتهي إلى يوم الدين، وقلَّما تجد هذا في زمن الغش، والخداع، ونصب الشباك لغايات أخرى.

 

بقلم
زاهية بنت البحر

 

 

 

 

قطوف دانية( من حدائق العمر لحظة)

2

 

قيل: الحياة وهم.

 ترى هل حياتنا فعلا هي مجرد وهم؟!!

جعلتني هذه الجملة أفكر كثيرًا، أحس بأن الدنيا من حولي فعلا مجرد وهم ينتهي بمجرد لفظ الروح، وما العظماء الذين سبقونا إلا كلمات وقصص في روايات أو في كتب التاريخ، يمكننا أن نكتب اسم أعظمهم على أي قبر شئنا لعدم استطاعتنا مطابقة الاسم على المقبور، أوهام، خيال هي الدنيا إذن وكل مايحدث فيها.
يااه كم هو مزعج هذا الأمر، أنا لاأحب أن تكون حياتي مجرد وهم، وليس عدلا أن تكون كذلك، ولكن ألم يخبرنا الله عزَّ وجلَّ أن النوم هو الموت الأصغر، وأن صعود الروح إلى بارئها هو الموت الأكبر؟ بلى، كما أُخبرنا أيضًا بأننا في حياتنا هذه نعيش في حلم ينتهي عندما نستيقظ منه بالموت، فتكون الحقيقة، هنا نجد تفسيرًا لقول إن حياتنا هي أوهام، أي خيال، ولكننا بهذه الأوهام نكتب مستقبل القادم من خيرٍ أو شر، من سعادة الجنة أو عذاب الجحيم، إذًا فحياتنا هي واقع وليست أوهاما..

بقلم
زاهية بنت البحر

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)35

0

وكما تهب ثورة الفرح عارمة تعمي عيون القلب عن كل ماعدا الحدث المفرح، فإنها تهدأ رويدا رويدا، ومع مرور الوقت تخمد تحت طبقة  رقيقة من التناسي، أو سميكة  بحسب أهميتها للنفس الحاضنة لها، بانتظار ما يثيرها مجددا من رياح محببة تذروها ملء القلب والأجواء، كذلك عادت سراب إلى طبيعتها خارج أي مؤثرات تبعدها عن التفكير بتأخر عادل خارج البيت.

في غرفتها، وهي ممددة فوق سريرها راحت تستعرض بصورة لاإرادية أحداث اليوم بكل ما حمل لها في جعبته من إرهاقٍ وإشراق.. تبتسم حينا، وتقطب حينا آخر.

 في إحدى محطات الذاكرة استوقفتها نقطة تفتيش بدأت تتوضح هويتها شيئًا فشيئًا.

نهضت من سريرها.. مشت في الغرفة الصغيرة ذهابا وإيابا في محاولة للإجابة على أسئلة طرحت عليها في خضم تصارع أفكارها المنهالة فوق دماغها في لحظة طلبت فيها الراحة، فأغرقتها بوابل من التساؤلات المشروعة، وإن كانت بصورة مزعجة على أية حال.

“لماذا تفتح أم عادل الصندوق اليوم مستبقة مولد الطفل، وتريها الفستان مخالفة بتسرعها هذا وصية حماتها؟” هي تعرف جيدا من خلال الزمن الذي عاشته معها بأنها امرأة صادقة إذا عاهدت صدقت العهد، وإن وعدت أوفت به، لكنها اليوم….. تدور رأسها بها، وعيناها تجولان في الغرفة أنى اتفق مبحرة في خضم هائج من الهواجس المخيفة.

لقد  عادت  اليوم من الخارج مرهقة، متعبة سقتها مغلي الكمون، وأحضرت لها طشت المياه الساخنة.. هي مريضة بلا شك، ولكنها تحدت أوجاعها التي لم تفصح عنها بما فيه الكفاية، ونهضت تنبش في الصندوق بعزم من حديد.. ترى أيمكن أن تكون …

لم تستطع إكمال الفكرة التي هاجمتها بغتة، استعاذت بالله من وساوس الشيطان، وخرجت من الغرفة لتكون بالقرب منها فقد تحتاجها بشيء ما، أو تستطيع تقديم أي مساعدة في حال وجدتها بحاجة لها، أو حتى لو لم تكن بها فيجب عليها ملازمتها طوال الوقت مادام عادل غائبا.

ابتسمت درة في وجه سراب عندما تلاقت عيونهما.. دعتها للجلوس بالقرب منها. استجابت للابتسامة، ولكن القلق الذي احتلت جيوشه كيانها لم يستجب لوقف  حدة المخاوف بهدنة قدمتها درة لسراب على صحن من بشاشة. نهضت العجوز من مجلسها.. همت بالخروج من الغرفة.. سألتها سراب:

–        إلى أين؟

–        لإحضار القهوة.

–        استريحي.. أنا أجهزها.

–        بل أنا.. اطمئني لست متعبة، أشعر بتحسن كبير عما كنت عليه عندما عدت إلى البيت.

–        الحمد لله.

–        دائما له الحمد والشكر.. احضري لي الشباك ريثما أعود، أريد تكملة حياكتها فقد تأخرت بتسليمها للريس عجران.

–        لاداعي للعمل بها اليوم، غدا أو بعده تتابعين الحياكة.

–        لاعليك، أحضريها واتركي الأمر لي.

 

وهما تحتسيان القهوة كانت أم عادل تجلس فوق البساط مادة رجليها وقد علقت رأس الشبكة بإبهام قدمها الأيمن، وأمسكت بيدها اليسرى بعضا منها وباليد اليمنى  القصبة التي تحيك بها الشبكة.

سألتها سراب:

–        ألا تتعبين من هذا العمل ياامرأة عمي؟

–        بلى، ولكن حياكة الشباك أصبحت جزءا من حياتي بعد وفاة عمك أبو عادل، فقد أمنت لي دخلا ماديا ساعدني كثيرا في تربية َولدَيّ دون أن أحتاج لأحد غير الله.

–        العمل عبادة، يحفظ كرامة الإنسان، ويرفع من مستوى حياته المعيشية.

–        أجل يا ابنتي، خاصة للتي فقدت زوجها وهي قادرة على العمل، فلا تنتظر شفقة الناس والمحسنين الذين يقدمون  الصدقات وعيونهم ماتزال معلقة بها.

–        صدقت.

–        وهناك من يتباهى بها أمام الناس دون أدنى مراعاة لمشاعر الفقراء والمحتاجين واليتامى وخاصة الأرامل، يعني يعطونهم اللقمة بمنة وأذى.

 

بقلم

زاهية بنت البحر