في طريقها إلى بيت رضوى حاولت درة التغلب على مشاعر القلق تجاه ابنتها.. ما أخبرتها به وجيهة ليس بالأمر البسيط.. حاولت تقليبه من مختلف الجوانب الاجتماعية والمادية والعائلية، فوجدته صعبا.. تأكدت بأن ثمة آثار سلبية ستلقي بثقلها على كاهل جميع أفراد الأسرة.
أحست بوخز خفيف في صدرها شمالا.. تابعت السير ويدها ممسكة بيد رزق، وحبات عرق تنفر من جبينها رغم برودة الجو حولها.
وصلت بيت والد رزق.. نقرت على الباب عدة نقرات.. سمعت رضوى تسأل: من الطارق؟
ردت درة- أم عادل..
لحظات قليلة تمر كلمح البصر.. يفتح الباب.. رضوى تقف أمام أم عادل بدهشة كبيرة كأنها لاتصدق ماترى عيناها.. تبتسم لدرة تدعوها لدخول البيت.. ترفض درة قبل أن تعدها بتحقيق ماجاءت من أجله.. تتمنع رضوى بأعذارٍ شتى ترفضها أم عادل.. تطلب منها ثانية دخول البيت.. تعيد شروطها.. تحس رضوى بالخجل من العجوز التي تحترمها .. تقبل على مضض.. تدخل أم عادل البيت.. تلقي نظرة على المكان الذي يبات فيه رزق.. تهمي من عينيها الدموع، تحس رضوى بالخجل.. تدعوها إلى غرفة الجلوس.. تجلس أم عادل على ديوان في صدر الغرفة وهي تمسح دموعها بمنديل أخرجته من جيبها.. يجلس رزق على البساط المفروش فوق الأرض وهو يرتعش ورضوى تنظر إليه بغضب.
– كفى يارضوى، أنت تغضبين الله بقسوتك على رزق.
– هذا قدره ياخالة، ليس الأمر بيدي.
– بل بيدك، فظلم الناس للناس لم يأمر به رب العالمين بل نهانا عنه، فكيف إن كان ظلما لليتامى خاصة إن كانوا صغارا كرزق؟
– إنه يشكل عبأ علي لا أستطيع تحمله.
– لايحق لك أن تقولي هذا، فالبيت لوالده وكما أعرف نصفه لأم رزق سجلته باسم زوجها قبل موتها بأشهر لأنهما كانا ينويان بيعه وشراء دار أكثر اتساعا منه، ولكنها ماتت قبل بيع البيت.
– لايهمني لمن كان سابقا، المهم أنه الآن بيتي أنا، وليس لرزق فيه شيء.
– تذكري يارضوى كرم والده معك عندما سجل البيت باسمك.
– لم أنسَ ذلك، رحمه الله..
– بل نسيت، وسجنت ابنه في مكان يأنف منه الحيوان، أهذا هو رد الجميل لمن أكرمك؟
– لم أطرده عندما رفضت خالته وخاله حضانته.
– أكملي إذا عمل الخير واكفلي اليتيم كما يريد الله.
– لاأستطيع.. زوجي يرفض أن ينام في البيت ورضي به في الحوش على مضض.
– ليس البيت بيته كي يرضى أو لا، أيقبل لأولاده العيش كما يقبله لرزق؟
– لكنه زوجي وإن خالفته قد يحدث بيننا طلاق، فهو يصر على ألا يدخل البيت.
– لن يصل الأمر بينكما للطلاق .
– بل قد يصل سعفان صعب جدا ومتشدد بهذا الأمر.
– لن يحصل هذا وإن حصل لاقدَّر الله فألف من يتمناك ويكرمك ويقبل برزق.
– ولكن…
– اسمعي، عندي حل لهذه المشكلة.
– هاتي ماعندك ياخالة، فقد تشوشت أفكاري.
– تبنين له غرفة صغيرة في الحوش تليق بسكن إنسان، وتفرشينها له يريحه فترتاحي ويرتاح، مارأيك؟
– أبني له غرفة؟!! من أين لي المال ياخالة؟ وإن توفر المال هل سيقبل سعفان بهذا الحل؟
– لاعليك، سأجمع له المال من أهل الخير في الجزيرة فهم كثر، أما سعفان فسأجد من يكلمه إن رضيت باقتراحي، وإن رفض سيُجبر على ذلك دون أن تتاثر حياتكما الزوجة بما يعكر الصفو بينكما.
– كلام معقول ، لكن..
– مادمت اقتنعت بالأمر فدعي الباقي لي.
– إن تم هذا الموضوع سارسل رزق إلى المدرسة ولن أقيده مرة أخرى.
– بارك الله فيك يارضوى، أصلك الطيب يردك لعمل الخير، تأكدي ياابنتي أن الله لا يضيع لإنسان أجر عمل صالح، وقد يرزقك بطفل عما قريب.
فرحت رضوى بما بشرتها به أم عادل وهي تشير لرزق أن يحضر لهما القهوة.من قلب اليأس قد يولد الأمل، ومن دموع الحزن قد ينبت الفرح، ومن المستحيل قد يشرق الممكن بلحظة رضا من الرحمن الرحيم، فيبدلنامن عسرٍ يسرا. تشققت شفاه الدوح شوقا لرشفة قطرٍ من ندى الورد في صباح مشرق بالرضا، وفراشات الروض ترسم بالضوء فوق الأثيروجوه الأمنيات باسمة لأطفال الحياة.