Mryam M.Y

Just another WordPress.com weblog

Daily Archives: May 11, 2011

بانتظار الأمل(رواية لزاهية بنت البحر)34

0

ما الذي تسمعه أذناها؟!! كلام عميق بحاجة لانتباه بكل الحواس كي تدرك معناه وما خلف المعاني، درة الأنثى البسيطة، المتواضعة  التي لم تدخل مدرسة يوما والتي حفظت في الكتَّاب أجزاء متفرقة من القرآن الكريم، تصدح الآن بكلمات جميلة، منمقة، بديعة  يسكبها قلبها في حروف من عبير، تعطر أجواءها النفسية المبتهجة بهذه القامة السامقة التي تحمل فوق أكتاف عمرها الطويل الكثير من المعاناة خلال العشرات من الفصول الاربعة.

لله ما أعظم الفرح بعد الحزن وما أروع الأخذ بعد الحرمان. أمور بسيطة جدا قد لا تلفت انتباه أحد، بل قد يراها البعض غير ذات قيمة إن هم مروا بها أو سمعوا عنها، لكنها عند من تشكل لديهم قيمة غالية، سامية لابد أن تكون ذات صلة بأحاسيس ومشاعر سعدت بها يوما، فحفرت في أعماق ذواتهم فوق جدران الشرايين محبة اختلطت بنبضات القلوب، فعاشت مشتعلة الخفق تأبى الوأد حتى آخر نفس يعلو به الصدر ويهبط.

سراب تقرأ حماتها في هذه اللحظات الراقصة بالحبور، تقرأها صادقة النفس، متصالحة مع الزمن، تغمرها الطمأنينة بهدوء ذاتي يحركه بشير الأمل بهبات النسيم القادمة من حدائق المنى.

–        ما هذه الصرة يا امرأة عمي؟

تفرد الطبقة الأخيرة من القماش الملتف حول السِّرِّ.. الشمس مالت للغروب والوقتُ يجدل شعرها بقصاقيص ذهب.. بفضول محبب مدَّت رأسها من بعض ثقوب نافذة الغرفة المغلقة.. تصافح السِّرَّ بضيائها الهادئ.. تلمع خيوط القصب فوق صدر فستان طفل صغير يسلب بريقه لبَّ سراب.

–        ما هذا يا امرأة عمي؟

–        فستان عمك أبي عادل عندما ولدته أمه، طرزته بخيوط الفضة والقصب بيديها، أهدتنيه عندما ولد عادل، وطلبت مني أن يكون لابنه من بعده.

–        يا الله ما أبدعه..

–        لم ير النور منذ سكن الصندوق بعد أن أصبح عمر عادل أربعين يوما ولم يره أحد منذ ذلك اليوم.

حملته سراب بيديها، اقتربت به من النافذة حيث منبع ضوء الشمس، فتحت الشباك فاندلق منها نور برتقالي بديع أضفى على الفستان بهاء وروعة  انعكست ألوانها الخلابة على جدران الغرفة وعلى وجه أم عادل الباسم المشرق بالفرح.

ضمته سراب إلى صدرها ودارت به حول نفسها عدة دورات مغمضة العينين :

–        أراه جميلا، وهو يرتدي الفستان الطويل ..

–        بإذن الله نراه معا ياسراب ..

–        خبأت صورة ابني في قلبي وأنا ألبسه الفستان البديع .. لن أريه للناس أخاف عليه من عيونهم. 

–        سأقرأ المعوذتين وياسين وتبارك..

–        سأذهب بالفستان إلى غرفتي ليراه عادل.

–        انتفضت درة وكأن شيئًا مزعجا قد ألم بها:

–        لا لن يراه أحد قبل أن نلبسه للوليد.. هذا هو الوعد الذي قطعته لامرأة عمي ..

–        حسنا سأضعه في خزانتي بانتظار الولادة.

–        لا.. بل يبقى عندي في خزانتي، هيا اذهبي وحضري الطعام..

–        يبدو أن الفرحة أنستك  بأن الطعام جاهز للعشاء، أما تشمين رائحة الديك المحشي؟

–        يووووه.. نسيت والله.. ولكنه نسيان  مقبول وليس خرفا.

 

بقلم 

زاهية بنت البحر

أتيتُ إليك

0

بخفقةِ قلبي، ودمعةِ عيني، وحزن نفسي أتيتُ إليك.. وقفت ببابك أرتجي السماح منك.. أسألك العون لنبضٍ يتهجدُ حبًا بك.. لنفسٍ فرغت من آمال الدنيا الزائفة.. لعينٍ تطمع بالنظر إليك.. لكلمة شمخت بك،  وسعت في الدنيا لهفى إليك.. لعمرٍ رحلَ منه الزَّهر متبتّلا في محراب العبودية لك.. واهبًا بقاياهُ البيضاء لخيرٍ يرنو إليه بسكب قطراتِه في ضياءِ الدَّرب الموصلةِ إليك.. اللهمَّ يامجيبَ المضطر إذا دعاه اقبلني مع عبادك الصالحين، واجعلني وأهلي وأحباءك من السعداء في الدارين..

 

آمين اللهمَّ آمين

بقلم

زاهية بنت البحر

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)33

0

 
لم تستطع أم عادل تحمل رؤية دموع سراب فوق خديها، فأمسكت بيدها ومشت بها إلى غرفتها لمتابعة عملها في كشف المستور داخل جوف الصندوق الخشبي.
 تنهدت سراب بألم امتزجت به مشاعر الحزن والضيق معا، وها هي من جديد تعود لورطتها مع الصندوق التي ظنت بأنها قد تحررت من صيده بمغادرة إيوانه، لكنها تأكدت الآن يقينا بأن خيوط شباك حماتها من النايلون الممتاز الذي لا تستطيع أضخم الأسماك قطعها مهما كانت قوية الأسنان.
قررت سراب التحلي بالصبر في تحمل ما تبقى من وقت  في غرفة حماتها، قليل من التعب ثم ينتهي كل شيء، فلا هي تضررت جسدا ولا نفسا، ولاهي  جرحت مشاعر حماتها التي اصطفتها دون الجميع لشيء لا تعرف ماهيته لتطلعها عليه.
هذه المرة دخلت معها الغرفة بابتسامة عذبة المُحيَّا، مسحت بها عن وجهها آثار الحزن والدموع التي سفحتها قبل قليل تأثرا بحديث عَبَرَ سماء صفائهما ملبدَا الأجواء ببعض غيوم رمادية انقشعت بشيء من الدمع.
قد يكون التعاطف مع الآخرين عن سماحة نفس المتعاطف ورضاه، وما قطرة رحيق التي تنزفها زهرة إلا لتطهير الذات من حزن يلم بها وجعًا لفقد ما جمعته بكدها، ولكن لا بأس مادام القلب تعود صنع الرحيق، والله يعوضها خيرًا منه.
يا لهذه الحياة بكل ما فيها من خير وشر، فرح وحزن، فالعمر فيها لحظة لكنها لا تصفو إلا قليلا، وعند صفائها تتفجر براكين سعادة لا تهدأ إلا بخمود الفرح بنفخة حزن صاعقة تطفئ توهج الذات وتقص جناح التحليق.

 في الغرفة أمام معقل ذكرياتها التاريخي العريق، استعادت درة حيويتها ونشاطها الذي وئدِ بحضور وجيهة، فتابعت البحث عن شيء ما، ما لبثت بعد دقيقة من العمل أو أقل أن علت وجهها ابتسامة مضيئة حطت فوق وجهها المتغضن بريقَ سعادة عارمة، فانفرجت أساريرها غبطة وحبورا وهي تحمل صرة بيضاء صغيرة- بين يديها المجعدتي الجلد، المعرورقتين، المنمشتين – مالت للصفرة بتقادم الزمن عليها.. مشت بها باتجاه السرير وهي تتبختر وكأنها تسمع من بعيد صوت زفة فتكاد ترقص طربا.

دهشت سراب عندما رأت حماتها قد رقت، وشفت حتى كادت تطير مرفرفة في سماء الغرفة.. لابد أن ماتحمله بين يديها هو سر غالٍ عليها فهي لم ترها بهذه الحال من قبل.. تتجه به نحو السرير.. تضعه برفق وكأنه طفل صغير ولد للتو بعد مخاضٍ عسير.. تنظر إلى سراب.. تدعوها للاقتراب منها لترى كنزها الغالي الذي بخلت به على الجميع.. تتقدم منها خطوات.. تقترب أكثر.. تبدأ درة بفك الرباط الذي يحيط بالصرة.. طبقة.. ثنتان.. ثلاث.. مازالت الدهشة تحتل وجه سراب وحماتها في تقدم مستمر نحو الطبقات  الأعمق..

 ثبتت درة عينيها في عيني سراب وبريق جميل يلمع بين جفونها بدأ يتشكل دمعا دريا وهي تهمس بصوت رقيق:
–      كل تفاصيل الحدث الجميل تظل متقدة في الذاكرة مهما طالت قامة الوقت واتسعت مساحته.. ربما تهرب لحظة خجولة من حضن العمر، فتختبئ خلف عيون الذاكرة بإحساس طفلة بريئة المشاعر، تنتظر رفة رمش تعيدها إلى داخل الإطار، فتبدو أكثر وضوحا عندما تتبختر في طريق العودة.. هي كذلك فرحة اللقاء ياسراب بابتسام العمر من جديد.. لحظة سماع زغرودة في بيت أم، كانت تنظر فرح أولادها لحظة إثر لحظة..

 بقلم
زاهية بنت البحر
 

%d bloggers like this: