Daily Archives: May 19, 2011
بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)44
0
جادت قريحة أم عادل بكلام جميل ملأته الحكمة وعطرته الآيات، فهي مازالت تحفظ ما تعلمته عند الخُجا من أجزاء القرآن الكريم، تتعبد بها الله صلاة وقراءة وتفكرا.
لم تقاطعها السيدة شيماء التي تجيد فن الاستماع كما تجيد فن الحديث. كانت عيناها تنظران في وجه درة بابتسامة صافية توافقها الرأي بهز رأسها في نقاط كثيرة، وتارة أخرى تنظر في وجه سراب المنبهرة بحديث حماتها ولباقتها في الكلام.
عندما انتهت درة من محاضرتها لفَّت شيماء نبريج النرجيلة حولها، وتابعت ارتشاف قهوتها بهدوء مالبثت بعده أن نهضت واستأذنتهما بالذهاب إلى بيتها بعد أن دعتهما لزيارتها يوم الثلاثاء القادم بعد صلاة العشاء.
عادت شيماء إلى بيتها وكلمات درة المعسولة ترن في أذنيها رنينَ الذهب، أعجبت بما قالته لها، لكنها حزنت كثيرا لعدم استطاعتها تلبية ما أرادت درة طلبه من خلال التلميح حينا، والتصريح حينا آخر دون أن تجعلها في قفص الاتهام، فهي أذكى من أن تشعرها بأنها مؤدبة لها وهي في ضيافتها.
شيماء الرابح عركتها الحياة، وعلمتها الكثير من خلال ما واجهته فيها من تحديات على صعد مختلفة، وعلمتها الهدوء والحكمة في اتخاذ القرار خاصة في أمور جوهرية، وهي قادرة على نصر الذات الواعية على الذات التي تلهو بها الحياة لكن بعد صبرٍ قد يطول أحيانا.
مرت في ذاكرتها صور كثيرة، استعادت من خلالها ما عاينته من أحداث خلال رحلة عمرها، وما تأثرت به من قصص محزنة عن أقارب ومعارف قضوا نحبهم بسبب إصابتهم بسرطان الرئة لإدمانهم التدخين، فودع البعض منهم الحياة في سن مبكرة، وآخرون أمضوا زمنا مؤلما في معاناتهم من هذا المرض الخبيث.
هي لم تخبر أحدا بأنها مريضة بالتهاب رئوي حاد مزمن لكنه لم يتعداه للسرطان، وهناك من يتحدث عن مرض أصيبت به دون معرفة حقيقته.
قبل ثلاثة أعوام سافرت إلى أمريكا، وهناك أدخلتها ابنتها مستشفى للأمراض الصدرية.. تمت معالجتها ولكن لم تشفَ نهائيا من المرض، وعندما عادت إلى الجزيرة لم تلتزم بالتعليمات التي أوصاها بها الأطباء هناك خاصة بالنسبة للتدخين فانتصرت عليها العادة على محاولة التعود.
رغم إعجابها بحديث درة فقد كانت تحس بضآلة نفسها أمام نفسها، وكيف تجرأت أم عادل وتحدثت حديثا ربما كانت هي المقصودة به، فتنفر منها ضمنيا، ولكن سرعان ما تجد صادات النفور تطرده خارج ذاتها الشفيفة فتبرِّئ درة من سوء ظنها بها.
المرآة لم تقل مايجرح الشعور بل أدلت بنصائح عامة تمنت من كل المدخنين هجر الدخان وطلب السلامة للصحة والجيب. ظلت شيماء في حوار مع نفسها بين سين وجيم، فكانت تدخل المطبخ وتستعرض النراجيل الكرستالية الغالية الأثمان، بألوانها المختلفة ونباريجها النادرة، وتملي عينيها من صناديق التنباك العجمي التي تملأ رفوف المطبخ.
تحس بحزن تجاهها وكأن هناك من سيعتدي عليها، ويسرق منها نرجيلتها وتنباكها، فقد كانت تقول:
– ليس للحياة طعم ولامعنى دون نفس النرجيلة والقهوة.
كيف ستعيش شيماء بلا طعم ومعنى للحياة إن هي استجابت لنصائح الأطباء واليوم لتلميحات أم عادل؟ لابد ستكون معاناتها كبيرة، قد تصل لدرجة معاناتها من آلام الصدر المزمنة إن هي أشاحت بوجهها عن التدخين مدى العمر.
بقلم
زاهية بنت البحر