Mryam M.Y

Just another WordPress.com weblog

Daily Archives: May 30, 2011

بانتظار الأمل(رواية لزاهية بنت البحر)66

2

شعرت رضوى بقشعريرة تسري في جسدها.. ترعش أطرافها بخفق قلبها المتسرع.. أحست بتبدلات ما تحدث داخلها.. ربما  ماتشاهده أمامها  جعلها تفهم الحياة أكثر.. تعيد ترتيب أفكارها من جديد بوضوح على أرض الواقع.. كرهت الرمادي.. لن تخادع نفسها بعد اليوم.. هي تريد أن يكون لها طفل.. جاهدت في سبيل ذلك كثيرا.. تتمنى أن تجرب آلام المخاض ولو مرة واحدة في حياتها تحقق بها إحساسها بالأمومة هذا صحيح، لكنها بعد الليلة لم تعد تريد ذلك.. ولن تفكر به ثانية.. لن تحس بالحزن والألم لحرمانها من طفل يولد من رحمها يناديها “ماما”..

 حمدت ربها على أنها عقيم، وحمدته كثيرا أن منَّ عليها برزق طفلا لم تحمل به تسعة أشهر، ولا عانت قسوة الوحام، ولم تتعرض لآلام وضعه، فمن يدري أوليس من الممكن أنها كانت ستموت أثناء الولادة؟ هي بالذات فليست كل من تلد تموت، فأنقذها الله بالعقم من الموت.

 أقسمت رضوى أنها ستحب رزق  أكثر من أي وقت مضى، وستعمل المستحيل لإسعاده، فهو نعمة أكرمها الله به من حيث لا تدري، وقد تجد فيه قلبا حانيا يهتم بها عندما تتقدم بالسن ربما أكثر من ولد أنجبته قد يكون عاقا بها، فقد سمعت عن أبناء طردوا أمهاتهم من بيوتهم فلمَّهن أصحاب الخير، أو ملاجئ العجزة.

صمت شيماء الرابح كان معذبا لها.. صمت خارج عن إردتها.. أحست الليلة بالضعف.. بالعجز.. بالقهر.. كل شيء كان يبدو لها مؤلما.. حتى الصمت كان حارقا.. ليتها تستطيع أن تقدم مساعدة لهذه الغزالة التي تحتضر أمام عيون الجميع.. يرونها عن كثب لكن لا يمدون لها يد العون، لعجزهم أمام جبروت البحر.. ما أمرَّ طعم طعنة العجز في الخاصرة..

سراب تواجه الموت وحيدة رغم كل من حولها.. تُذكِّرُ أمَّ أحمد بموت ابنها وحيدا هناك خلف البحار في سفينة امتطى صهوتها لكسب الرزق الحلال، وسراب امتطت صهوة الحمل لإنجاب طفل الحياة.. دعت الله أن ينقذها لشبابها ولمحبيها.

كانت بين الحاضرات صبية حفر الموت في قلبها اسم أحمد بأظافر الحزن.. شوه صفاء الخفق برعشة الألم، ودفق الدم بملح الصبر.. لأول مرة تحضر لمى حالة ولادة.. مازال هذا يعتبر عيبا بالنسبة للبنات.. وجدت نفسها الليلة مجبرة على الحضور لظروف خالتها الصعبة خاصة وأنها المرة الأولى التي تخرج بها من البيت بعد وفاة ابنها، وما مجيئها إلا كرمى لابنها التي أحبت أن يشارك بها عادل بوجودها معهم..

عندما رآها عادل أحس بأن أحمد في هذه الليلة قريب منه وسعيد جدا.. هي الذكرى تتسرب من مخدعها برؤية محب لأصحابها.. تفور.. تندلق شلال عسلٍ أو بركان ألم.. ما أروع الجداول عندما تنساب على وقع ترانيم الفرح ولو اختلط الحلو فيها بالمر.. فهي برغم انشغال النفس بأمور أهم فإنها تظل مبعث إحساس داخلي مريح، تجعل القلب مطمئنا لشيء ما لا تميزه أثناء الانشعال بالأهم. وعندما تغدق المحاجر الدموع على الخدود فرحا، أو حزنا، يطيب للباكي مسحها بمنديل المحبين.

 قد يكون  في كثير من الأحيان للكلمة الطيبة تأثير فعال في شفاء مريض أكثر من أقوى دواء كيميائي يباع في الصيدليات، ماأحوجنا لصيدليات القلوب الطيبة، وما أقل وجودها في زمن النفايات النفسية المتزايدة انتشارا بين الناس.

بقلم

زاهية بنت البحر

بانتظار الأمل(رواية لزاهية بنت البحر)65

1

يخترق هدير البحر عواء الريح.. تسمعه الآذان نحيبا.. صراخا ونعيقا..
تختبئ المنى في سراديب الفجر المرتبك قدومه بوحشة الطقس.. المنهك نوره بمشاهد الغضب الثائرة فوق الجزيرة بنفخ العاصفة.

تخيم على النفوس ظلال الردى قاتمة.. تطحن فسحة الضوء بعناد الهوج بحرا وجوا.. كالطفل كان عادل يبكي.. يداري دموعه عن حبيبته بالوقوف خارج الغرفة تحت المطر، يفكر في طريقة ينقذها بها من الموت.. عادل يريد حبيبته، يريد فلذته.. لكنه عاتب عليه.. يرجوه بومض الحنين، وبرق الشوق.. يرسل إليه عبر أحاسيس صامتة، يخيل إليه أنها تصله، فينتظر الجواب بالخروج إلى الدنيا:

–          ياوجه الخير لاتنهك قلبي بالتهام فم القهر فرحي.. لا تكسر ظهري بقلع عيون الضوء حولي.. دعني أراك أيا هاشم.. أغنيك أهزوجة حمى حرقت داخل درة بنار فراق جدك، فكنت أمنية البرد والسلام لقلبها المحترق شوقا إليك.

–          ينتظرعادل الجواب.. يطول انتظاره، ويطول، ولاجواب..

يسمعها تناديه:

–         عادل.. عادل

يفتح الباب.. يدخل إليها وعيون النسوة تنظر إليهما بحزن وألم.. يرد عليها

–        سراب أنا هنا.. لاتخافي ياأم هاشم.. اطمئني سيكون كل شيء على مايرام..

–        أتظن ذلك؟

–        أجل .. أجل

–        عادل.. سامحني.. لاتنسني ياعادل.. سامحني..

 يرن جرس الهاتف.. يهرع ودرة وعلية إلى غرفة المعيشة، يسبقهما إليه.. تقف المرأتان أمامه لمعرفة من المتكلم  من  وراء الأسلاك.. ربما كان الطبيب قد غير رأيه وسيساعد سراب.. ربما وربما وربما..

تمر لحظات حرجة يهز في نهايتها رأسه،  ويختم المحادثة بالشكر والدعاء.. يعطي السماعة لأم سراب.. يأتيها صوته من الجهة الأخرى متهدجا.. تخاف عليه من انتكاسة صحية إن هو علم بحال ابنته.. تطمئنه وتغلق السماعة بهدوء بينما يغادر عادل البيت على جناح السرعة بعد أن أخذ من الخزانة مبلغا من المال.
سترك يارب.. ضاقت الحيلة.. أحسَّ الجميع بأنَّهم حقيقة يعيشون في المنفى خلف الأمواج الغاضبة.. هاهو البحر يحاصرهم بقسوته المعتادة وجبروته الذي لا يرحم، بينما رحم سراب يحاصر الأمل بظلام اليأس رغم محاولة التحرر من قيده المطبق على عنقه.
آه منك أيتها الحبيبة.. جزيرة القسوة أنت والرَّحمة معاً.. الحب والكراهية.. الفقر والغنى.. أبداً تظلِّين بوجهين.. طاهرة كالبحر.. طاغية مثله.
السماء تمطر.. البحر يموج بالزَّبد متمردا على الصبر والهدوء.. وسراب تنزف بالوجع رمق الحياة، وجنين يُحتضر بحنان الرَّحم المشتق من الرحمة.
صرخت أم سراب والحسرة تلتهم قلبها خوفاً على ابنتها: ياناس، ياهو.. .. ياأنس.. ياجن ياسامعين الصوت.. يا أولاد الحلال أنقذوا ابنتي.. حرام عليكم.. افعلوا أي شيء.. أحضروا طائرة مروحيَّة تسعفها.. أرجوكم لا تدعوها تموت..
بالأمس في سهرة مع نساء الجزيرة، أطلقت علية نكتة ساذجة أضحكت الساهرات حتى هرت الدموع من عيونهن، عندما قالت بأنهم بحاجة لطائرة تحضر المعلمات والمعلمين، وتموِّن البلد بالطعام في الأحوال الجوية السيِّئة، واليوم أصبحت النكتة بحاجة للتطبيق في واقع مأساوي رهيب.

قالت لمى بحماس:

–           أجل نحن بحق بحاجة لطائرة حوامة تساعدنا وقت الشِّدة.. قد تنقذ طفلاً من موت.. تلتقط غريقاً.. تعيد فلوكة ضيَّعتها الريح  في البحر.. تسدُّ جوعاً عندما ننقطع عن البر..  تكون طائرة إسعاف في حالة ولادة عسيرة كتلك التي تواجهها اليوم سراب.

 

بقلم

زاهية بنت البحر

%d bloggers like this: