Daily Archives: May 24, 2011
الشجرة\ قصة أعجبتني للأستاذ محمد علي عاشور
0عندما وجد شجرة السنط تلك ملقاة على الطريق ذابلة ، يكاد يتسرب إليها الشلل ، أخذها وهو يقلبها في يديه لا يعرف ما هي ، توهم أنها شجرة فاكهة ، فأخذها ليزرعها قرب المقابر التي يقيم فيها وحده بين الأموات الذين وجد عندهم المأوى والمأكل ، فقد كان يأكل غالباً مما تخرجه النساء ” رحمة ونور ” على أمواتهن وكان لبسه دائماً من النذر .
بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)51
0
تعودت درة ألا تنام بعد صلاة الفجر.. تشغل وقتها بالعبادة حتى تطلع الشمس.. ساعات الصباح الأولى تسحرها فهي تحب أن تشهد مولد المضيئة كل يوم بلونها الذهبي البديع على أصوات شقشقة العصافير فوق أشجار دارها.
تحتسي قهوتها الصباحية.. تنهض لأعمال المنزل كعادتها كل يوم رغم محاولة عادل وسراب إقناعها بأنه لا ضرورة لكثرة العمل اليومي، فالبيت صغير وليس فيه ما يستدعي ما تقوم به يوميا عدا الجمعة حيث تأتي وجيهة وأولادها فيقوم البيت ولا يقعد.
في الآونة الأخيرة لم تعد تترك كنتها تساعدها في أشغالها خوفا عليها من إسقاط الجنين.. باقتراب وصوله بدت أكثر سعادة من قبل، وهي على أهبَّة الاستعداد لاستقباله بأحضان الشوق والحنان.
بناء غرفة رزق وتجهيزها بالمفروشات المناسبة لسنه أضاف لقلبها رشات سعادة ايضا.
في زيارة خاطفة اطمأنت عليه.. أخبرتها رضوى بأنها ستعمل على تسجيله في المدرسة في العام القادم، وحدثتها عن سعفان الذي يهددها بالإساءة إليها إذا لم ترسل له مبلغا كبيرا من المال، وسيدعي أنه تركها لأمور أخلاقية.
قالت لها مطمئنة:
– لاتعطيه شيئًا وليقل ما يشاء.. الجميع يعلم من هي رضوى ومن هو سعفان.
– لسانه سليط يا خالة.
– إن تكلم يقطعه القانون.
اطمأنت رضوى كما اطمأنت وجيهة.. لم يعد زوجها يفكر بالتعدد بعد اعتذار أهل الفتاة، وغدرهم به كما ادعى عندما قرروا تزويجها بابن خالتها (وافد الربيع) الذي كان غائبا لسنوات في الخليج وعاد منذ يومين، تقدم لخطبتها قبل السفر.. رفض أهلها لعدم رغبتهم في سفر ابنتهم إلى خارج الجزيرة، وقد انتهى المانع لديهم بعودته وهو أولى بها كما قالوا من رجل متزوج وله أولاد، وإن كانت قد تخطت الثلاثين من العمر. فرحت وجيهة بالخبر.. قالت لأمها :
– رجع عقله لرأسه ورمى بفكرة الزواج خارجه.
ضحكت سراب عندما أخبرتها حماتها بما قالته وجيهة.. سأتها:
– أحقا يذهب عقل الرجل إذا أراد التعدد؟
– كلام نسوان، الزوجة تقول طار عقله لأنه طار منها، والثانية تقول عنه رجل عاقل لأنها ستصبح عقيلته.
– أيهما على حق؟
– الحق يظل حقا، ولكن في هذه الحال كل منهما تعتبر الحق معها.. تندلع الحرائق بينهما.. تدخل الزوجة الثانية من باب، وتخرج السعادة وراحة البال من باب آخر.
– الحمد لله رجال الجزيرة لا يتزوجون على نسائهم.
– هنا نادرا ما يتزوجون، ولكن للبعض منهم زوجات خارج الجزيرة.
– المهم ألا ترى المرأة ضرتها.
– ولكنها تبقى ضرة رأتها أم لم ترها.. تشاركها الزوج والمال، باختصار الضرة مرة ولولا أن أحل الله التعدد ما رضيت به أنثى.
– صدقت، فالله سبحانه وتعالى أعلم منا بالناس وبظروفهم، وكل ما شرعه لنا هو في مصلحتنا، ولكن النفس الإنسانية ترفض بكبر الانصياع لأمر الخالق، إلا من رحم ربي.
– لا أخفيك سرا ، كنت سأزوج عادل قبل أن تحملي ..
– علمت بذلك.. تضايقت.. بكيت، ولكن الله لم يشأ له التعدد، وسيرزقه الولد مني.
سراب تحب عادل.. سعيدة بحياتها معه رغم بساطته وضيق أحواله المادية.. بعد حملها ازدادت سعادة لأنها ستحقق لزوجها ولنفسها ولحماتها الحلم بطفل يملأ البيت حياة.. وهاهو الحلم سيتجسد حقيقة خلال أيام..
كان الجو الليلة هادئا عندما خرجت مع زوجها للمشي.. كانت تحس بالتعب فآثرت الرجوع إلى المنزل.. في طريق العودة عرَّجت على بيت أبيها للاطمئنان عليه، فالهاتف يظل قاصرا عن الإيفاء براحتها النفسيه تجاهه.. أسعدته زيارتها.. أبدى لها تشوقه لرؤية حفيده الأول.. همس في أذنها عندما انفرد بها :
– لهاشم هدية مني ستذهل الجميع.
بقلم
زاهية بنت البحر
بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)50
0
ليلة عاصفة انتزعت النعاس من عيني سراب بينما لاذ عادل وأمه بدفء لحافهما وغطَّا في نوم عميق.. نهضت من سريرها.. مشت إلى فناء الدار.. كانت الأشجار تهتز فوق رأسها بجنون وأوراقها تتساقط على الأرض التي ملأتها الغبار..
اقتربت من النافذة المطلة على البحر.. فتحتها بهدوء.. نظرت إلى الأجواء خارج البيت.. كان الظلام يخيم على ما وصل إليه نظرها بينما ظهرت الصخور الضخمة- الرابضة حول أطراف الجزيرة منذ زمن عتيق لا يعلم مداه إلا الله- كأنها أشباح تختبئ خلف ملاءات الظلام.. اتسعت عيناها باتساع الفضول في البحث عن شيء قد يهدِّئ من استفحال أرقها.. عواء الريح جعلها تحس بارتعاشة يديها اللتين سكنتهما البرودة طلبا للدفء من حرارة جسم الحامل.
ارتدت إلى الوراء بضيق أحسته في صدرها.. أغلقت النافذة.. مشت إلى المطبخ.. حضَّرت كأسا من مغلي اليانسون الذي وصفته له درة للنوم رغبة باسترضاء النعاس الهارب منها بصوت العاصفة.
وهي ترتشف ماصنعته ساخنا، سمعت صوت حبات المطر تنهمر بهدوء بديع، ما لبثت أن ازدادت شدة انهمارها وهي تقطع الطريق إلى غرفتها، تفوح منها رائحة الشجر والأتربة التي أنعشت نفسها، فراحت تستنشقها بملء رئتيها.
أحست بشيء من الراحة، وكثير من النشاط ناسية كل ماكانت به قبل قليل من خوف وارتعاش، فوقفت بباب الغرفة تنعم النظر بخيوط هطول المطر وصوت انسيابه الساحر تقابله دقات قلبها بسعادة عارمة تملأ صدر طفلة بجسد امرأة، بينما كان القمرالذي لم يكتمل بعد مختبئا خلف ستار سميك من الغيوم الداكنة عن عيونها المتطلعة إليه برجاء الظهور ولو لبعض وقت.
سمعت صوتا من خلفها
– ماذا تفعلين هنا؟
التفتت إلى الوار مبسملة بخوف:
– ماالذي أيقظك أنت الآن؟
– افتقدتك في السرير فقمت أبحث عنك.
– أنظر ياعادل إنها تمطر.
– مابك، كأنك ترين المطر لأول مرة؟!!
– فعلا، هذا إحساسي الآن، قبل قليل كنت خائفة لكن انهمار المطر أطفأ جذوة خوفي.
– الحمد لله الذي أطفأها قبل أن تحرقنا جميعا.. عودي إلى سريرك فالبرد يؤذيك ويؤذي الجنين.
– عادل لماذا يختبئ القمر خلف الغيوم ؟
– سؤال غريب، أحقا لا تعرفين لماذا؟
– بل أعرف، ولكن ألا يحق له الظهور رغم الاحتجاب؟
– أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ماالذي أصابك ياسراب؟
– لم يصبني شيء، أسئلة تخطر ببالي .. هل السؤال حرام؟
– لا.. لم أقل ذلك
– أجبني إذا؟
– حسنا.. عودي إلى النوم، وغدا تسألين وأجيبك.
عادت إلى سريرها والأسئلة تلح عليها، هي تعرف الإجابة لكنها رفضتها، وراحت تبحث عن إجابات جديدة لم تعثر عليها، فاعتقلها النوم، وألقى بها فريسة بين فكيه حتى الصباح.
كان منظر حماتها وهي تنظف بهو الدار صباحا من أوراق الأشجار والأتربة التي سقطت معها بحبات المطر، يوحي لها بنشاطها وقوتها التي تحتفظ بها حتى الآن، فكبَّرت بسرِّها وحصنتها بالله.
سألتها درة دون أن تنظر إليها
– كيف كانت الليلة؟
– حاصرني الخوف فيها ثم حررني المطر.
– تنطقين جواهر..
– تعلمت منك.
– تعلمي أيضا ألا تخافي ، فإن خفتِ ولم تمطر قضى الخوف عليك.
– أخفتني ياامرأة عمي..
– لن يقضي خوفك عليك الآن، لأن كلامي مطر خير لن ينالك به سوء بإذن الله.
بقلم
زاهية بنت البحر