Monthly Archives: November 2010
قراءة في قصة زاهية بنت البحر( اقتله.. اقتله) للناقد يحيى هاشم
1العنوان :
نقطة إنارة
نقطة تتويه
العقدة
نقطة إنارة ثانية ( للمحترفين فقط )
النهاية
وإتضحت لنا خيوط الجريمة
اللغة ولتصوير
– الزمكان
– المكان
زاهية أحمد قتلتى صرصورك وأمتعتى القارىء فتحيتى .
قراءة في قصيدة زاهية يا دماءً عطَّـــرتْ وجــهَ الصَّبـــــي(الأستاذ ابن الأصيل عبدالله جدي)
0قراءة في قصيدة للشاعرة زاهية بنت البحر
يا دماءً عطَّـــرتْ وجــهَ الصَّبـــــي
بروعة شعر الموشحات الأندلسية .. وعلى لحنها المميز الرائع ..
ومحاكاة للموشح :
الشاعرة زاهية كأنها تربط ضياع ومأساة فردوس العرب الضائع ، (الأندلس )
بمأساة اليوم .. وما أشبه اليوم بالبارحة!!. ..
تابعوا ذلك الوصف المتسلسل وكأنها تصف مشهدا لطفل قتلته الصهاينة وهاهي
الدماء تملأ وجه هذا الملائكي فتتحول الى عطر ،وما أكثر هؤلاء الأطفال الذين يسقطون بنيران
العدو الذي لا يفرق بين أحد .. فبعد مجزرة قانا الأولى جاءت الثانية لتقول إسرائيل :
أنها لم تك على علم بوجود أطفال وقد يصدق بعض جهلاء الغرب وحتى بعض العرب ذلك ..
المهم هنا أن الشاعرة تصف المشهد في حزن .. حتى أن الطبيعة غضبت لترتمي شمس
الضحى في المغرب ، دلالة على أن ذلك الفعل الشنيع أغضب أيضا رب العباد ..
وحول قلوب الآمنين إلى غضب عكر صفو حياتهم .. فتحولت أنوار الشمس إلى دمع
يسيل من عيون كل مؤمن وحر أبي لا يقبل الذل والخنوع .
لا تلمْنــــي يا صغيري إنْ أكـــن * بالدِّمــا أبكــي هـــوانَ العــربِ
وككل أم ثكلى لهول الصدمة تخاطب ذلك الشهيد الصغير الملطخ في دمائه معتذرة له على
ما ترى .. ولم تجد سوى البكاء الحار الذي يقطر دما تعزية لنفسها ولهوان العرب .. الذين انطبق
عليهم قول الشاعر :
من يهن يسهل الهوان عليه * ما لجرح بميت آلام
ثم تواصل هذه الأم سرد المأساة التي لحقت بالإسلام والمسلمين فانتكست رايتهم ولم
تجد من يحملها من الأباة ، وراحت تتمنى أن تكون راية من رايات الإسلام التي فتح بها النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه المشرق والمغرب ..
رايـــــةُ الإسلامِ مـــــنْ يحملُهـــــا *رغـــــمَ كيــــــدِ الخــــادِعِ المغتصبِ؟
ليتنـــــــي ما كنــــتُ إلا رايـــــــةً * للعـــــلا أدعـــــو بعـــزمٍ للنَّبـــي
وبعد الثورة والانفعال هاهي تذكرنا بصرخات الأمهات الثكلى التي تسمع يوميا دون أن تلقى
صدى .. ولا معتصم يحاول اليوم توجيه جيشه لنجدة هذه الأم ، لأن المعتصم وقومه أظهروا
ذلهم وخنوعهم للأجنبي الذي صار يسيرنا كما شاء .. ويتدخل في كل شأن من شؤوننا ..
صرخـــةٌُ ضاقتْ بهــــا أسماعُنــا * بعـــــدَ ذلِّ القـــــومِ عنــد الأجنبـــي
هاهي الحقيقة المرة على لسان هذه الأم التي تخاطب الأرض التي عاث فيها الصهاينة
فسادا .. وتطلب من الأرض أن تسامحها على ما ستخاطبها به من كلمات مملؤة بدموع
الحرقة التي تتأجج كاللهب على هذه الأمة الثكلى التي تعاني حكم الظالم الوغد الغبي
الذي نشر الفسق والخراب ، مستخفا بوعي قومنا سواء كانوا من مؤيديه أو ضده ..
سامحيني يـا بلادي إنْ غـــــــدتْ * فــــي حروفـــــي دمعـــــةٌ مــن لهــبِ
أمَّتي الثَّكلى أراهـــــــا بالعنـــــــا * تحتَ حكــــمِ الظَّالـــمِ الوغـــدِ الغبـــي
قد أضاء الدَّربَ أنــــــواراً بهــــا * ناشرُ الفسق ِرديـــــــــــفُ المخلـــــبِ
يستخفُّ القومَ يلغي وعيَهـــــــم * طـَرِبَ السَّامــــــع ُأمْ لــــمْ يَطْــــــرَبِ
ثم ها هو السؤال المطروح اليوم .. هل يسمع حكامنا لطلبنا بمقارعة العداء ؟..
والجواب ، بالطبع لا ..!!!
من ترى في دربنا عونٌ لنـــــــا * إن طلبنــــا اليــــومَ نصــــــرَ العـــَربِ
سوف نلقى الرَّفضَ قولاً واحــداً * إنْ نسرْ نحوَ العدا في موكبِ
والنصيحة الأخيرة للأمة العربية والإسلامية هي أن تستفيق من ذل
هذه المرارة التي باتت تصاحبنا حتى في أكلنا وشربنا ..
فاستفِــقْ يا شعبُ من ذلِّ بــــــــهِ * علقــــــمٌ فـــي الأكــــل ِأو في المشرَبِ
وخير الختام دعوة إلى الله تعالى بكل تضرع أن ييسر لنا أيامنا التي ضاقت ، وأن ينقذنا
من وقوعنا في هذا الظلام الرهيب الذي نعيش فيه..
ربي دعوناك بقلب خائف لجلال عظمتك أن تبلغنا طلبنا ..
ربَّنــــا ضاقتْ بنـــــا أيَّامُنـــــــا * قــدْ وقعْنــــــا فــــي خطيــــرِ الغيْهـــبِ
قد دعونـــــاكَ بقلــــبٍ واجــــفٍ * أنْ أجبْنـــــا فـــــــي بلــــوغِ المَطلــــبِ
هذا محتوى القصيدة الذي لا يخلو من مأساة قدر لها أن تكون بسبب تخاذلنا ..
والعبرة من القصيدة ككل هي أنه لابد من العودة إلى ماضينا المشرق وأن نتمسك
بديننا .. وأن نتحد ..
والرسالة موجهة لكل عربي ومسلم حاكما ومحكوما
النخبة
http://www.nu5ba.net/vb/showthread.php?p=48267
جادك الغيث إذا الغيث هما * يا زمان الوصل بالأندلس
نسجت شاعرتنا زاهية بنت البحر قصيدتها هذه التي يلاحظ في بدايتها أنها كانت مهتمة
بالمحتوى والايقاع أكثر من البحث عن عنوان للقصيدة ، فجاء العنوان صدر البيت الأول :
يا دماء عطرت وجه الصبي .
يا دماءً عطَّـــرتْ وجــهَ الصَّبـــي * فارتمتْ شمسُ الضُّحى في المغـربِ
أوْدَعـــتْ أنـــوارَها فــــي دمعةٍ * فـــــوقَ جفنٍ مؤمـــنٍ حُــرٍّ أبــيّْ
قراءة في قصة زاهية بنت البحر (صياد وسمكة )للأستاذ طلعت سقيرق
7كأننا ما نزال نبحث في فن القصة القصيرة جدا بحث الذي يريد جوابا ولا يجد ..
هذا الفن غنيّ .. وألاحظ أننا بحاجة فعلية لمعرفة الكثير عن هذا الفن ..
تعالوا هنا ندرس هذا الفن بانفتاح ، على ان نثير مستقبلا نقاشا حيا يتناول هذا الفن ..
كاتب الموضوع : طلعت سقيرق المنتدى : القصة القصيرة جداً
رد: تفعيل مفاهيم فن القصة القصيرة جدا
القصة : صياد وسمكة
الكاتبة : زاهية بنت البحر
——-
تنزل البحر كل يوم بحثًا عن صيد جديد، مازال طعم أول سمكة ظفرت بها قبل سنوات يشعرك بالجوع، سمكة ذهبية معشقة بالأخضر، ظننت يوم اصطيادها بأن البحر لن يجود بمثلها أبدا، ورغم ذلك بقيت تنتظر المعجزة. تزرع الشاطئ ذهابًا وإيابا وعيناك تجولان المكان بحذر شديد، تلتقط أنفاسك كلما تكسرت موجة فوق الصخور، وأزعج أذنيك أنينها فوق الرمال. أيقنت بعد كثير ترددك على الشاطئ بأن الموج يتألم، وله قلب كالذي ينبض في صدرك، يفرح ويحزن، يغضب ويهدأ، سألت نفسك كيف تشابهتما، لم تجد جوابًا يشعرك بالطمأنينة، ترفض أن تكون كالبحر فهو غدار، أنت تقر بهذا، أما أنت فغدار أيضًا، ولكنك تأبى الاعتراف بذلك رغم أنك مازلت تحس جوعًا منذ اقتناصك السمكة إياها قبل سنوات، أكلتها لحمًا ورميتها حسكا. تهرب من إلحاح فكرة الغدر عليك، تسرع الخطى فوق رمال الشاطئ ، السمكات يتماوجن فوق سطح البحر بما يسلبك الوعي، ترمي الصنارة،
تعلق بها إحداهنَّ،
تشد الخيط ،
تمسك بها،
تجفل،
تنظر في عينيها،
تنفر الدموع منهما،
تفرك عينيك بأصابعك المرتعشة،
الصيد ثمين.. ثمين جدا، جدا
تكاد تجن،
لاتصدق ماتراه،
تسأل نفسك برعب يفترس قلبك المتشوق للصيد:
كيف أصبحت ابنتك سمكة؟
——–
عندما نقرأ فن القصة القصيرة جدا علينا أن نتسلح بالكثير من التأني والتؤدة والتبصر والنظر إلى مسار القصة الذي يفترض ألا يتراخى في أي جانب من جوانبه .. وبالتأكيد يفترض أن ننظر إلى التكثيف ، الإيجاز ، الجملة الوامضة ، حركة الفعل ، توظيف العنوان ، الاختصار ، التقيد إلى أبعد حد بعدد الكلمات ، إعطاء المعنى أو المغزى من فن القصة القصيرة جدا .. فالترهل داء ينسف هذا الفن ويلغيه ، والترهل لا يعني التقيد بعدد المفردات القليلة فقط ، لكن بجعل الحدث والشخصية والفعل في حالة من التوتر المفيد .. وهناك أشياء أخرى سأوردها في مناقشتي لقصة ” صياد وسمكة ” للقاصة زاهية بنت البحر ..
حددت القاصة مفرداتها بحدود ” 178 مفردة ” أي أنها التزمت بعدد قليل من المفردات يفترض أن يكون للقصة القصيرة جدا .. فالخلل الطارئ والضار الذي يقع فيه أكثر الكتاب هو السرد المطول دون انتباه أو حذر متناسين أنهم يكتبون قصة قصيرة جدا ، لا قصة .. ونجد أن زاهية بنت البحر في قصتها هذه ، وفي مجال المفردات ، لم تخل بما هو مطلوب ، ولم تخل بما هو فني .. فقلة المفردات ساعدتها على الاختزال والتكثيف والجملة أو العبارة اللماحة وهذا شيء يجعل الفن عاليا مشغولا بإتقان وتميز ..
استهلت القاصة قصتها بالقول ” تنزل البحر كل يوم بحثًا عن صيد جديد” لتضع بسبع مفردات الكثير من الركائز اللازمة لبناء قصتها .. هناك الخطاب ، فالبطل شخصية موصوفة مخاطبة تقف بمواجهتنا من خلال عيني الراوي .. وهناك البحر الذي يحدد لنا جغرافية القصة وفضاءها ويعطينا ركائز الجوّ الذي يعمل فيه البطل .. ثم هناك التحديد لعمل أو توجه البطل حيث يسعى إلى الصيد .. ومفردتا ” يوم ” و” جديد ” محددتان نشطتان هامتان في هذا الاستهلال .. فهما يعطيان الديمومة في الصيد ، الاستمرار اليومي ، البحث عن المتغير والجديد في هذا الصيد .. واللفتة الهامة الذكية أنّ الصياد هنا ليس صيادا عاديا يسعى لرزقه ، بل هو يبحث عن شيء من المتعة ، عن الجدة والتغيير ….وبعد.. في هذه الأجواء التي قدمتها سبع مفردات ، ومن خلالها نخطو إلى الأمام في فهم القصة ..
الحدث التالي يقول ” ترمي الصنارة ” هذا هو الترتيب المنطقي .. لكن هل يجيء رمي الصنارة هكذا خبط عشواء ؟؟.. طبعا لا .. فأن نقول ” تنزل البحر كل يوم بحثا عن صيد جديد .. ترمي الصنارة ” لا نخرج عن الترتيب المنطقي للأحداث .. لكن أين جمال القصة ؟؟.. أين خلفية البطل ؟؟.. فهم نفسيته ؟؟.. شخصيته ؟؟.. المؤدى الذي يصل إليه ؟؟.. مقتل القصة أن نجتزئ هكذا .. وأوردتُ المثال لأشير لأخطاء قاتلة يقع فيها كتاب القصة القصيرة جدا الذين يستعجلون الكتابة من جهة ، ولا يعرفون قيمة هذا الفن من جهة ثانية ..
هناك فضاء غني جدا بين الاستهلال ورمي الصنارة ، هذا الفضاء يعني الكثير ويكاد يشكل اللحمة الحية والنفس الذي يعطي القصة هواءها الضروريّ .. بدون هذا الفضاء تصبح القصة ناقصة .. مبتورة .. وهذا غير ممكن بالنسبة لكاتبة منتبهة كل الانتباه لسير قصتها ، وسير بطلها .. ومنتبهة بالكثير من التميز لحركة الفعل واستفادته من الحالة النفسية .. فالفعل لا يأتي فعلا قاموسيا مجردا حين ينتقل إلى الإبداع .. وفي القصة القصيرة جدا يفترض أن يكون الفعل مسكونا بالكثير من الألوان وا]حاءات والصور والخلفيات ..وفعل ” ترمي ” هنا عائد إلى فضائه المشحون بالكثير .. إن جردناه من هذا الفضاء فهو فعل عاديٌ يمرّ أمام البصر والبصيرة دون كبير أثر ، لكنه بمحموله غني جدا .. كيف ؟؟..
تقول القاصة زاهية بنت البحر :” مازال طعم أول سمكة ظفرت بها قبل سنوات يشعرك بالجوع، سمكة ذهبية معشقة بالأخضر، ظننت يوم اصطيادها بأن البحر لن يجود بمثلها أبدا، ورغم ذلك بقيت تنتظر المعجزة. تزرع الشاطئ ذهابًا وإيابا وعيناك تجولان المكان بحذر شديد، تلتقط أنفاسك كلما تكسرت موجة فوق الصخور، وأزعج أذنيك أنينها فوق الرمال. أيقنت بعد كثير ترددك على الشاطئ بأن الموج يتألم، وله قلب كالذي ينبض في صدرك، يفرح ويحزن، يغضب ويهدأ، سألت نفسك كيف تشابهتما، لم تجد جوابًا يشعرك بالطمأنينة، ترفض أن تكون كالبحر فهو غدار، أنت تقر بهذا، أما أنت فغدار أيضًا، ولكنك تأبى الاعتراف بذلك رغم أنك مازلت تحس جوعًا منذ اقتناصك السمكة إياها قبل سنوات، أكلتها لحمًا ورميتها حسكا. تهرب من إلحاح فكرة الغدر عليك، تسرع الخطى فوق رمال الشاطئ ، السمكات يتماوجن فوق سطح البحر بما يسلبك الوعي… “..
انفتاح على الذاكرة .. انفتاح واسع كبير غير محدود .. انفتاح على الطباع .. انفتاح على النفس وتشكيلها الكلي من عادات ومحمول وصفات .. انفتاح على الملامح .. انفتاح على الحركات التي يتصف بها البطل ..
أيضا هناك صيد مفقود وحاضر يبحث عنه البطل .. سمكة مشتهاة بقيت عالقة في الزمن وكأنها تحث على التكرار .. الصياد يبحث عن الماضي في تكرار الحاضر .. يبحث عن سمكة ذهبية معشقة بالأخضر .. لندقق هنا بالوصف الثر الغنيّ ..
هناك مسافة من التمني .. مسافة من الظن .. مسافة من الأمل .. لماذا كل هذا الانتظار والبحث عن شبيه لسمكته التي صادها ذات يوم ؟؟.. لأنها عبأت فسحة الرغبة والعشق والتشهي .. ولأن السمكة تبدأ بالتحول كحالة نجد أن الكاتبة تؤنسن كل شيء ..لك ل أن تمضي مع القصة والقاصة ، وعلينا أن نسأل هل مازال فعل ترمي كما هو ؟؟.. هذا الفعل بؤرة كل شيء ، يلم بل يسحب ما قبله من مفردات لذلك يفترض أن ننتبه إلى الشكل الذي وصل إليه ..
الانتقال إلى التطابق بين الصياد والبحر ، هذا التطابق الذي يحرك المعنى نحو شيء تريد الكاتبة أن توصلنا إليه .. نجد البحر صيادا ، ونجد الصياد بحرا .. حتى في حالة الغدر وهو شيء نكرره كثيرا ” غدار يا بحر غدار ” نجد أن الصياد أيضا غدار على طريقته .. البحر جائع مهما أكل .. الصياد ما زال جائعا منذ أكل هذه السمكة ولم يجد شبيها لها .. لنلاحظ أيضا ” أيقنت بعد كثير ترددك على الشاطئ بأن الموج يتألم، وله قلب كالذي ينبض في صدرك، يفرح ويحزن، يغضب ويهدأ، سألت نفسك كيف تشابهتما” هنا الأنسنة نهائية ، والتشابه نهائي رغم محاولة الصياد لنكران ذلك أو التنكر له .. هناك رسالة يريد البحر أن يقولها .. هناك مأزق ما يريد الصياد أن يتنصل منه ..
طبعا كل هذا ، وهناك الكثير مما يمكن أن يدرس يجعل مفصل مفردة ” ترمي ” غني جدا ومحملا بالكثير من المعاني .. وعلينا دون شك أن ننتبه إلى نقلة في غاية الأهمية بعد “رمي الصنارة ” فالكاتبة تنقل السرد كله إلى حالة مغايرة تمام ، حالة بغاية الروعة كونها تحمل تسارعا وإيحاءات ومؤدى وتوترا وتصويرا وشيئا غير قليل من السيناريو السينمائي والحوار الخفي.. ومفتاح النقلة هنا جاء في الفقرة السابقة من خلال ” يسلبك الوعي “.. فهذا السلب للوعي نقل الصياد بل جعله حالة من التوتر المعبر عن مشهد سينمائي خالص ، وعن صفاء في الحالة النفسية لا مثيل لها .. لنقرأ :
تعلق بها إحداهنَّ،
تشد الخيط ،
تمسك بها،
تجفل،
تنظر في عينيها،
تنفر الدموع منهما،
تفرك عينيك بأصابعك المرتعشة،
الصيد ثمين.. ثمين جدا، جدا
تكاد تجن،
لا تصدق ما تراه،
تسأل نفسك برعب يفترس قلبك المتشوق للصيد:
كيف أصبحت ابنتك سمكة؟
****
أربعون مفردة .. أربعون تدفقا من الأعلى ..ثلاثة عشر فعلا كلها بصيغة المضارع ، لتعطي الحركة أوجها .. هنا لا مكان للفعل الماضي لأن الوصف في تسارع وغليان .. وعلينا الانتباه إلى أنّ كل فعل يؤدي وظيفته بإتقان شديد ..تعالوا نرتب الأفعال ” تعلق – تشد – تجفل – تمسك – تنظر- تنفر-تفرك-تكاد-تجن-تصدق-ترى-تسأل – يفترس “.. أفعال مبنية على الفعل ورد الفعل ، على التبادل في المشاعر ، على تحريك زمن التوتر .. كل هذا يحيل الصياد إلى حالة إنسانية مسكونة بالانفتاح على الانتظار .. وتكون الخاتمة المدهشة المحملة بسحرها الخاص والمشكلة لمصب حقيق لكل ما كان ” كيف أصبحت ابنتك سمكة ” ؟؟.. هذا الفعل ” أصبحت ” هو الوحيد الفعل الوحيد الذي جاء بصيغة الماضي ..لماذا ؟؟.. الجواب يحمله المضمون ، فليس من الممكن القول ” كيف تصبح ابنتك سمكة ” لأن التغير حدث من قبل ، ولم يحدث الآن .. فالتوتر الذي ساق الصياد والبحر والقارئ كان يقود إلى عاصفة حدثت .. والعاصفة هنا .. ويجب أن نعود إلى المفتاح الذي ذكرته ” يسلبك الوعي ” .. وبرأيي فهذه الخاتمة من أشد الخاتمات إبهارا ونجاحا في القصة القصيرة جدا ..
أحب هنا الإشارة إلى صيغة الراوي الواصف التي استعملتها الكاتبة ، وأحالت السرد إلى خطاب، وهذا شيء هام جدا في تقنية السرد التي اختارتها ..فلو أنها تحدثت بصيغة الراوي الحاضر ” الأنا ” لجعلت قصتها منقوصة باردة .. فهناك أشياء كثيرة ما كان للراوي الحاضر أن يصفها بكل هذه الدقة ، خاصة في المقطع الخير الذي نفترض انه تبادلي بين الصياد والبحر وحامل الفعل وردات الفعل ..
هذه القصة للكاتبة زاهية بنت البحر ، قصة ناجحة بامتياز ، استطاعت أن تستفيد من كل تقنيات هذا الفن ، إلى جانب استفادتها القصوى في اللغة من كونها شاعرة .. ولعمري فحين يكون الفن كذلك ، فهو يستحق الحياة والخلود والإشادة ..
****
هذه القصة للكاتبة زاهية بنت البحر ، قصة ناجحة بامتياز ، استطاعت أن تستفيد من كل تقنيات هذا الفن ، إلى جانب استفادتها القصوى في اللغة من كونها شاعرة .. ولعمري فحين يكون الفن كذلك ، فهو يستحق الحياة والخلود والإشادة ..
يتبع
القصة : صياد وسمكة
الكاتبة : زاهية بنت البحر
——-
تنزل البحر كل يوم بحثًا عن صيد جديد، مازال طعم أول سمكة ظفرت بها قبل سنوات يشعرك بالجوع، سمكة ذهبية معشقة بالأخضر، ظننت يوم اصطيادها بأن البحر لن يجود بمثلها أبدا، ورغم ذلك بقيت تنتظر المعجزة. تزرع الشاطئ ذهابًا وإيابا وعيناك تجولان المكان بحذر شديد، تلتقط أنفاسك كلما تكسرت موجة فوق الصخور، وأزعج أذنيك أنينها فوق الرمال. أيقنت بعد كثير ترددك على الشاطئ بأن الموج يتألم، وله قلب كالذي ينبض في صدرك، يفرح ويحزن، يغضب ويهدأ، سألت نفسك كيف تشابهتما، لم تجد جوابًا يشعرك بالطمأنينة، ترفض أن تكون كالبحر فهو غدار، أنت تقر بهذا، أما أنت فغدار أيضًا، ولكنك تأبى الاعتراف بذلك رغم أنك مازلت تحس جوعًا منذ اقتناصك السمكة إياها قبل سنوات، أكلتها لحمًا ورميتها حسكا. تهرب من إلحاح فكرة الغدر عليك، تسرع الخطى فوق رمال الشاطئ ، السمكات يتماوجن فوق سطح البحر بما يسلبك الوعي، ترمي الصنارة،
تعلق بها إحداهنَّ،
تشد الخيط ،
تمسك بها،
تجفل،
تنظر في عينيها،
تنفر الدموع منهما،
تفرك عينيك بأصابعك المرتعشة،
الصيد ثمين.. ثمين جدا، جدا
تكاد تجن،
لاتصدق ماتراه،
تسأل نفسك برعب يفترس قلبك المتشوق للصيد:
كيف أصبحت ابنتك سمكة؟
——–
عندما نقرأ فن القصة القصيرة جدا علينا أن نتسلح بالكثير من التأني والتؤدة والتبصر والنظر إلى مسار القصة الذي يفترض ألا يتراخى في أي جانب من جوانبه .. وبالتأكيد يفترض أن ننظر إلى التكثيف ، الإيجاز ، الجملة الوامضة ، حركة الفعل ، توظيف العنوان ، الاختصار ، التقيد إلى أبعد حد بعدد الكلمات ، إعطاء المعنى أو المغزى من فن القصة القصيرة جدا .. فالترهل داء ينسف هذا الفن ويلغيه ، والترهل لا يعني التقيد بعدد المفردات القليلة فقط ، لكن بجعل الحدث والشخصية والفعل في حالة من التوتر المفيد .. وهناك أشياء أخرى سأوردها في مناقشتي لقصة ” صياد وسمكة ” للقاصة زاهية بنت البحر ..
حددت القاصة مفرداتها بحدود ” 178 مفردة ” أي أنها التزمت بعدد قليل من المفردات يفترض أن يكون للقصة القصيرة جدا .. فالخلل الطارئ والضار الذي يقع فيه أكثر الكتاب هو السرد المطول دون انتباه أو حذر متناسين أنهم يكتبون قصة قصيرة جدا ، لا قصة .. ونجد أن زاهية بنت البحر في قصتها هذه ، وفي مجال المفردات ، لم تخل بما هو مطلوب ، ولم تخل بما هو فني .. فقلة المفردات ساعدتها على الاختزال والتكثيف والجملة أو العبارة اللماحة وهذا شيء يجعل الفن عاليا مشغولا بإتقان وتميز ..
استهلت القاصة قصتها بالقول ” تنزل البحر كل يوم بحثًا عن صيد جديد” لتضع بسبع مفردات الكثير من الركائز اللازمة لبناء قصتها .. هناك الخطاب ، فالبطل شخصية موصوفة مخاطبة تقف بمواجهتنا من خلال عيني الراوي .. وهناك البحر الذي يحدد لنا جغرافية القصة وفضاءها ويعطينا ركائز الجوّ الذي يعمل فيه البطل .. ثم هناك التحديد لعمل أو توجه البطل حيث يسعى إلى الصيد .. ومفردتا ” يوم ” و” جديد ” محددتان نشطتان هامتان في هذا الاستهلال .. فهما يعطيان الديمومة في الصيد ، الاستمرار اليومي ، البحث عن المتغير والجديد في هذا الصيد .. واللفتة الهامة الذكية أنّ الصياد هنا ليس صيادا عاديا يسعى لرزقه ، بل هو يبحث عن شيء من المتعة ، عن الجدة والتغيير ….وبعد.. في هذه الأجواء التي قدمتها سبع مفردات ، ومن خلالها نخطو إلى الأمام في فهم القصة ..
الحدث التالي يقول ” ترمي الصنارة ” هذا هو الترتيب المنطقي .. لكن هل يجيء رمي الصنارة هكذا خبط عشواء ؟؟.. طبعا لا .. فأن نقول ” تنزل البحر كل يوم بحثا عن صيد جديد .. ترمي الصنارة ” لا نخرج عن الترتيب المنطقي للأحداث .. لكن أين جمال القصة ؟؟.. أين خلفية البطل ؟؟.. فهم نفسيته ؟؟.. شخصيته ؟؟.. المؤدى الذي يصل إليه ؟؟.. مقتل القصة أن نجتزئ هكذا .. وأوردتُ المثال لأشير لأخطاء قاتلة يقع فيها كتاب القصة القصيرة جدا الذين يستعجلون الكتابة من جهة ، ولا يعرفون قيمة هذا الفن من جهة ثانية ..
هناك فضاء غني جدا بين الاستهلال ورمي الصنارة ، هذا الفضاء يعني الكثير ويكاد يشكل اللحمة الحية والنفس الذي يعطي القصة هواءها الضروريّ .. بدون هذا الفضاء تصبح القصة ناقصة .. مبتورة .. وهذا غير ممكن بالنسبة لكاتبة منتبهة كل الانتباه لسير قصتها ، وسير بطلها .. ومنتبهة بالكثير من التميز لحركة الفعل واستفادته من الحالة النفسية .. فالفعل لا يأتي فعلا قاموسيا مجردا حين ينتقل إلى الإبداع .. وفي القصة القصيرة جدا يفترض أن يكون الفعل مسكونا بالكثير من الألوان وا]حاءات والصور والخلفيات ..وفعل ” ترمي ” هنا عائد إلى فضائه المشحون بالكثير .. إن جردناه من هذا الفضاء فهو فعل عاديٌ يمرّ أمام البصر والبصيرة دون كبير أثر ، لكنه بمحموله غني جدا .. كيف ؟؟..
تقول القاصة زاهية بنت البحر :” مازال طعم أول سمكة ظفرت بها قبل سنوات يشعرك بالجوع، سمكة ذهبية معشقة بالأخضر، ظننت يوم اصطيادها بأن البحر لن يجود بمثلها أبدا، ورغم ذلك بقيت تنتظر المعجزة. تزرع الشاطئ ذهابًا وإيابا وعيناك تجولان المكان بحذر شديد، تلتقط أنفاسك كلما تكسرت موجة فوق الصخور، وأزعج أذنيك أنينها فوق الرمال. أيقنت بعد كثير ترددك على الشاطئ بأن الموج يتألم، وله قلب كالذي ينبض في صدرك، يفرح ويحزن، يغضب ويهدأ، سألت نفسك كيف تشابهتما، لم تجد جوابًا يشعرك بالطمأنينة، ترفض أن تكون كالبحر فهو غدار، أنت تقر بهذا، أما أنت فغدار أيضًا، ولكنك تأبى الاعتراف بذلك رغم أنك مازلت تحس جوعًا منذ اقتناصك السمكة إياها قبل سنوات، أكلتها لحمًا ورميتها حسكا. تهرب من إلحاح فكرة الغدر عليك، تسرع الخطى فوق رمال الشاطئ ، السمكات يتماوجن فوق سطح البحر بما يسلبك الوعي… “..
انفتاح على الذاكرة .. انفتاح واسع كبير غير محدود .. انفتاح على الطباع .. انفتاح على النفس وتشكيلها الكلي من عادات ومحمول وصفات .. انفتاح على الملامح .. انفتاح على الحركات التي يتصف بها البطل ..
أيضا هناك صيد مفقود وحاضر يبحث عنه البطل .. سمكة مشتهاة بقيت عالقة في الزمن وكأنها تحث على التكرار .. الصياد يبحث عن الماضي في تكرار الحاضر .. يبحث عن سمكة ذهبية معشقة بالأخضر .. لندقق هنا بالوصف الثر الغنيّ ..
هناك مسافة من التمني .. مسافة من الظن .. مسافة من الأمل .. لماذا كل هذا الانتظار والبحث عن شبيه لسمكته التي صادها ذات يوم ؟؟.. لأنها عبأت فسحة الرغبة والعشق والتشهي .. ولأن السمكة تبدأ بالتحول كحالة نجد أن الكاتبة تؤنسن كل شيء ..لك ل أن تمضي مع القصة والقاصة ، وعلينا أن نسأل هل مازال فعل ترمي كما هو ؟؟.. هذا الفعل بؤرة كل شيء ، يلم بل يسحب ما قبله من مفردات لذلك يفترض أن ننتبه إلى الشكل الذي وصل إليه ..
الانتقال إلى التطابق بين الصياد والبحر ، هذا التطابق الذي يحرك المعنى نحو شيء تريد الكاتبة أن توصلنا إليه .. نجد البحر صيادا ، ونجد الصياد بحرا .. حتى في حالة الغدر وهو شيء نكرره كثيرا ” غدار يا بحر غدار ” نجد أن الصياد أيضا غدار على طريقته .. البحر جائع مهما أكل .. الصياد ما زال جائعا منذ أكل هذه السمكة ولم يجد شبيها لها .. لنلاحظ أيضا ” أيقنت بعد كثير ترددك على الشاطئ بأن الموج يتألم، وله قلب كالذي ينبض في صدرك، يفرح ويحزن، يغضب ويهدأ، سألت نفسك كيف تشابهتما” هنا الأنسنة نهائية ، والتشابه نهائي رغم محاولة الصياد لنكران ذلك أو التنكر له .. هناك رسالة يريد البحر أن يقولها .. هناك مأزق ما يريد الصياد أن يتنصل منه ..
طبعا كل هذا ، وهناك الكثير مما يمكن أن يدرس يجعل مفصل مفردة ” ترمي ” غني جدا ومحملا بالكثير من المعاني .. وعلينا دون شك أن ننتبه إلى نقلة في غاية الأهمية بعد “رمي الصنارة ” فالكاتبة تنقل السرد كله إلى حالة مغايرة تمام ، حالة بغاية الروعة كونها تحمل تسارعا وإيحاءات ومؤدى وتوترا وتصويرا وشيئا غير قليل من السيناريو السينمائي والحوار الخفي.. ومفتاح النقلة هنا جاء في الفقرة السابقة من خلال ” يسلبك الوعي “.. فهذا السلب للوعي نقل الصياد بل جعله حالة من التوتر المعبر عن مشهد سينمائي خالص ، وعن صفاء في الحالة النفسية لا مثيل لها .. لنقرأ :
تعلق بها إحداهنَّ،
تشد الخيط ،
تمسك بها،
تجفل،
تنظر في عينيها،
تنفر الدموع منهما،
تفرك عينيك بأصابعك المرتعشة،
الصيد ثمين.. ثمين جدا، جدا
تكاد تجن،
لا تصدق ما تراه،
تسأل نفسك برعب يفترس قلبك المتشوق للصيد:
كيف أصبحت ابنتك سمكة؟
****
أربعون مفردة .. أربعون تدفقا من الأعلى ..ثلاثة عشر فعلا كلها بصيغة المضارع ، لتعطي الحركة أوجها .. هنا لا مكان للفعل الماضي لأن الوصف في تسارع وغليان .. وعلينا الانتباه إلى أنّ كل فعل يؤدي وظيفته بإتقان شديد ..تعالوا نرتب الأفعال ” تعلق – تشد – تجفل – تمسك – تنظر- تنفر-تفرك-تكاد-تجن-تصدق-ترى-تسأل – يفترس “.. أفعال مبنية على الفعل ورد الفعل ، على التبادل في المشاعر ، على تحريك زمن التوتر .. كل هذا يحيل الصياد إلى حالة إنسانية مسكونة بالانفتاح على الانتظار .. وتكون الخاتمة المدهشة المحملة بسحرها الخاص والمشكلة لمصب حقيق لكل ما كان ” كيف أصبحت ابنتك سمكة ” ؟؟.. هذا الفعل ” أصبحت ” هو الوحيد الفعل الوحيد الذي جاء بصيغة الماضي ..لماذا ؟؟.. الجواب يحمله المضمون ، فليس من الممكن القول ” كيف تصبح ابنتك سمكة ” لأن التغير حدث من قبل ، ولم يحدث الآن .. فالتوتر الذي ساق الصياد والبحر والقارئ كان يقود إلى عاصفة حدثت .. والعاصفة هنا .. ويجب أن نعود إلى المفتاح الذي ذكرته ” يسلبك الوعي ” .. وبرأيي فهذه الخاتمة من أشد الخاتمات إبهارا ونجاحا في القصة القصيرة جدا ..
أحب هنا الإشارة إلى صيغة الراوي الواصف التي استعملتها الكاتبة ، وأحالت السرد إلى خطاب، وهذا شيء هام جدا في تقنية السرد التي اختارتها ..فلو أنها تحدثت بصيغة الراوي الحاضر ” الأنا ” لجعلت قصتها منقوصة باردة .. فهناك أشياء كثيرة ما كان للراوي الحاضر أن يصفها بكل هذه الدقة ، خاصة في المقطع الخير الذي نفترض انه تبادلي بين الصياد والبحر وحامل الفعل وردات الفعل ..
هذه القصة للكاتبة زاهية بنت البحر ، قصة ناجحة بامتياز ، استطاعت أن تستفيد من كل تقنيات هذا الفن ، إلى جانب استفادتها القصوى في اللغة من كونها شاعرة .. ولعمري فحين يكون الفن كذلك ، فهو يستحق الحياة والخلود والإشادة ..
****
الكاتبة : زاهية بنت البحر
——-
تنزل البحر كل يوم بحثًا عن صيد جديد، مازال طعم أول سمكة ظفرت بها قبل سنوات يشعرك بالجوع، سمكة ذهبية معشقة بالأخضر، ظننت يوم اصطيادها بأن البحر لن يجود بمثلها أبدا، ورغم ذلك بقيت تنتظر المعجزة. تزرع الشاطئ ذهابًا وإيابا وعيناك تجولان المكان بحذر شديد، تلتقط أنفاسك كلما تكسرت موجة فوق الصخور، وأزعج أذنيك أنينها فوق الرمال. أيقنت بعد كثير ترددك على الشاطئ بأن الموج يتألم، وله قلب كالذي ينبض في صدرك، يفرح ويحزن، يغضب ويهدأ، سألت نفسك كيف تشابهتما، لم تجد جوابًا يشعرك بالطمأنينة، ترفض أن تكون كالبحر فهو غدار، أنت تقر بهذا، أما أنت فغدار أيضًا، ولكنك تأبى الاعتراف بذلك رغم أنك مازلت تحس جوعًا منذ اقتناصك السمكة إياها قبل سنوات، أكلتها لحمًا ورميتها حسكا. تهرب من إلحاح فكرة الغدر عليك، تسرع الخطى فوق رمال الشاطئ ، السمكات يتماوجن فوق سطح البحر بما يسلبك الوعي، ترمي الصنارة،
تعلق بها إحداهنَّ،
تشد الخيط ،
تمسك بها،
تجفل،
تنظر في عينيها،
تنفر الدموع منهما،
تفرك عينيك بأصابعك المرتعشة،
الصيد ثمين.. ثمين جدا، جدا
تكاد تجن،
لاتصدق ماتراه،
تسأل نفسك برعب يفترس قلبك المتشوق للصيد:
كيف أصبحت ابنتك سمكة؟
——–
عندما نقرأ فن القصة القصيرة جدا علينا أن نتسلح بالكثير من التأني والتؤدة والتبصر والنظر إلى مسار القصة الذي يفترض ألا يتراخى في أي جانب من جوانبه .. وبالتأكيد يفترض أن ننظر إلى التكثيف ، الإيجاز ، الجملة الوامضة ، حركة الفعل ، توظيف العنوان ، الاختصار ، التقيد إلى أبعد حد بعدد الكلمات ، إعطاء المعنى أو المغزى من فن القصة القصيرة جدا .. فالترهل داء ينسف هذا الفن ويلغيه ، والترهل لا يعني التقيد بعدد المفردات القليلة فقط ، لكن بجعل الحدث والشخصية والفعل في حالة من التوتر المفيد .. وهناك أشياء أخرى سأوردها في مناقشتي لقصة ” صياد وسمكة ” للقاصة زاهية بنت البحر ..
حددت القاصة مفرداتها بحدود ” 178 مفردة ” أي أنها التزمت بعدد قليل من المفردات يفترض أن يكون للقصة القصيرة جدا .. فالخلل الطارئ والضار الذي يقع فيه أكثر الكتاب هو السرد المطول دون انتباه أو حذر متناسين أنهم يكتبون قصة قصيرة جدا ، لا قصة .. ونجد أن زاهية بنت البحر في قصتها هذه ، وفي مجال المفردات ، لم تخل بما هو مطلوب ، ولم تخل بما هو فني .. فقلة المفردات ساعدتها على الاختزال والتكثيف والجملة أو العبارة اللماحة وهذا شيء يجعل الفن عاليا مشغولا بإتقان وتميز ..
استهلت القاصة قصتها بالقول ” تنزل البحر كل يوم بحثًا عن صيد جديد” لتضع بسبع مفردات الكثير من الركائز اللازمة لبناء قصتها .. هناك الخطاب ، فالبطل شخصية موصوفة مخاطبة تقف بمواجهتنا من خلال عيني الراوي .. وهناك البحر الذي يحدد لنا جغرافية القصة وفضاءها ويعطينا ركائز الجوّ الذي يعمل فيه البطل .. ثم هناك التحديد لعمل أو توجه البطل حيث يسعى إلى الصيد .. ومفردتا ” يوم ” و” جديد ” محددتان نشطتان هامتان في هذا الاستهلال .. فهما يعطيان الديمومة في الصيد ، الاستمرار اليومي ، البحث عن المتغير والجديد في هذا الصيد .. واللفتة الهامة الذكية أنّ الصياد هنا ليس صيادا عاديا يسعى لرزقه ، بل هو يبحث عن شيء من المتعة ، عن الجدة والتغيير ….وبعد.. في هذه الأجواء التي قدمتها سبع مفردات ، ومن خلالها نخطو إلى الأمام في فهم القصة ..
الحدث التالي يقول ” ترمي الصنارة ” هذا هو الترتيب المنطقي .. لكن هل يجيء رمي الصنارة هكذا خبط عشواء ؟؟.. طبعا لا .. فأن نقول ” تنزل البحر كل يوم بحثا عن صيد جديد .. ترمي الصنارة ” لا نخرج عن الترتيب المنطقي للأحداث .. لكن أين جمال القصة ؟؟.. أين خلفية البطل ؟؟.. فهم نفسيته ؟؟.. شخصيته ؟؟.. المؤدى الذي يصل إليه ؟؟.. مقتل القصة أن نجتزئ هكذا .. وأوردتُ المثال لأشير لأخطاء قاتلة يقع فيها كتاب القصة القصيرة جدا الذين يستعجلون الكتابة من جهة ، ولا يعرفون قيمة هذا الفن من جهة ثانية ..
هناك فضاء غني جدا بين الاستهلال ورمي الصنارة ، هذا الفضاء يعني الكثير ويكاد يشكل اللحمة الحية والنفس الذي يعطي القصة هواءها الضروريّ .. بدون هذا الفضاء تصبح القصة ناقصة .. مبتورة .. وهذا غير ممكن بالنسبة لكاتبة منتبهة كل الانتباه لسير قصتها ، وسير بطلها .. ومنتبهة بالكثير من التميز لحركة الفعل واستفادته من الحالة النفسية .. فالفعل لا يأتي فعلا قاموسيا مجردا حين ينتقل إلى الإبداع .. وفي القصة القصيرة جدا يفترض أن يكون الفعل مسكونا بالكثير من الألوان وا]حاءات والصور والخلفيات ..وفعل ” ترمي ” هنا عائد إلى فضائه المشحون بالكثير .. إن جردناه من هذا الفضاء فهو فعل عاديٌ يمرّ أمام البصر والبصيرة دون كبير أثر ، لكنه بمحموله غني جدا .. كيف ؟؟..
تقول القاصة زاهية بنت البحر :” مازال طعم أول سمكة ظفرت بها قبل سنوات يشعرك بالجوع، سمكة ذهبية معشقة بالأخضر، ظننت يوم اصطيادها بأن البحر لن يجود بمثلها أبدا، ورغم ذلك بقيت تنتظر المعجزة. تزرع الشاطئ ذهابًا وإيابا وعيناك تجولان المكان بحذر شديد، تلتقط أنفاسك كلما تكسرت موجة فوق الصخور، وأزعج أذنيك أنينها فوق الرمال. أيقنت بعد كثير ترددك على الشاطئ بأن الموج يتألم، وله قلب كالذي ينبض في صدرك، يفرح ويحزن، يغضب ويهدأ، سألت نفسك كيف تشابهتما، لم تجد جوابًا يشعرك بالطمأنينة، ترفض أن تكون كالبحر فهو غدار، أنت تقر بهذا، أما أنت فغدار أيضًا، ولكنك تأبى الاعتراف بذلك رغم أنك مازلت تحس جوعًا منذ اقتناصك السمكة إياها قبل سنوات، أكلتها لحمًا ورميتها حسكا. تهرب من إلحاح فكرة الغدر عليك، تسرع الخطى فوق رمال الشاطئ ، السمكات يتماوجن فوق سطح البحر بما يسلبك الوعي… “..
انفتاح على الذاكرة .. انفتاح واسع كبير غير محدود .. انفتاح على الطباع .. انفتاح على النفس وتشكيلها الكلي من عادات ومحمول وصفات .. انفتاح على الملامح .. انفتاح على الحركات التي يتصف بها البطل ..
أيضا هناك صيد مفقود وحاضر يبحث عنه البطل .. سمكة مشتهاة بقيت عالقة في الزمن وكأنها تحث على التكرار .. الصياد يبحث عن الماضي في تكرار الحاضر .. يبحث عن سمكة ذهبية معشقة بالأخضر .. لندقق هنا بالوصف الثر الغنيّ ..
هناك مسافة من التمني .. مسافة من الظن .. مسافة من الأمل .. لماذا كل هذا الانتظار والبحث عن شبيه لسمكته التي صادها ذات يوم ؟؟.. لأنها عبأت فسحة الرغبة والعشق والتشهي .. ولأن السمكة تبدأ بالتحول كحالة نجد أن الكاتبة تؤنسن كل شيء ..لك ل أن تمضي مع القصة والقاصة ، وعلينا أن نسأل هل مازال فعل ترمي كما هو ؟؟.. هذا الفعل بؤرة كل شيء ، يلم بل يسحب ما قبله من مفردات لذلك يفترض أن ننتبه إلى الشكل الذي وصل إليه ..
الانتقال إلى التطابق بين الصياد والبحر ، هذا التطابق الذي يحرك المعنى نحو شيء تريد الكاتبة أن توصلنا إليه .. نجد البحر صيادا ، ونجد الصياد بحرا .. حتى في حالة الغدر وهو شيء نكرره كثيرا ” غدار يا بحر غدار ” نجد أن الصياد أيضا غدار على طريقته .. البحر جائع مهما أكل .. الصياد ما زال جائعا منذ أكل هذه السمكة ولم يجد شبيها لها .. لنلاحظ أيضا ” أيقنت بعد كثير ترددك على الشاطئ بأن الموج يتألم، وله قلب كالذي ينبض في صدرك، يفرح ويحزن، يغضب ويهدأ، سألت نفسك كيف تشابهتما” هنا الأنسنة نهائية ، والتشابه نهائي رغم محاولة الصياد لنكران ذلك أو التنكر له .. هناك رسالة يريد البحر أن يقولها .. هناك مأزق ما يريد الصياد أن يتنصل منه ..
طبعا كل هذا ، وهناك الكثير مما يمكن أن يدرس يجعل مفصل مفردة ” ترمي ” غني جدا ومحملا بالكثير من المعاني .. وعلينا دون شك أن ننتبه إلى نقلة في غاية الأهمية بعد “رمي الصنارة ” فالكاتبة تنقل السرد كله إلى حالة مغايرة تمام ، حالة بغاية الروعة كونها تحمل تسارعا وإيحاءات ومؤدى وتوترا وتصويرا وشيئا غير قليل من السيناريو السينمائي والحوار الخفي.. ومفتاح النقلة هنا جاء في الفقرة السابقة من خلال ” يسلبك الوعي “.. فهذا السلب للوعي نقل الصياد بل جعله حالة من التوتر المعبر عن مشهد سينمائي خالص ، وعن صفاء في الحالة النفسية لا مثيل لها .. لنقرأ :
تعلق بها إحداهنَّ،
تشد الخيط ،
تمسك بها،
تجفل،
تنظر في عينيها،
تنفر الدموع منهما،
تفرك عينيك بأصابعك المرتعشة،
الصيد ثمين.. ثمين جدا، جدا
تكاد تجن،
لا تصدق ما تراه،
تسأل نفسك برعب يفترس قلبك المتشوق للصيد:
كيف أصبحت ابنتك سمكة؟
****
أربعون مفردة .. أربعون تدفقا من الأعلى ..ثلاثة عشر فعلا كلها بصيغة المضارع ، لتعطي الحركة أوجها .. هنا لا مكان للفعل الماضي لأن الوصف في تسارع وغليان .. وعلينا الانتباه إلى أنّ كل فعل يؤدي وظيفته بإتقان شديد ..تعالوا نرتب الأفعال ” تعلق – تشد – تجفل – تمسك – تنظر- تنفر-تفرك-تكاد-تجن-تصدق-ترى-تسأل – يفترس “.. أفعال مبنية على الفعل ورد الفعل ، على التبادل في المشاعر ، على تحريك زمن التوتر .. كل هذا يحيل الصياد إلى حالة إنسانية مسكونة بالانفتاح على الانتظار .. وتكون الخاتمة المدهشة المحملة بسحرها الخاص والمشكلة لمصب حقيق لكل ما كان ” كيف أصبحت ابنتك سمكة ” ؟؟.. هذا الفعل ” أصبحت ” هو الوحيد الفعل الوحيد الذي جاء بصيغة الماضي ..لماذا ؟؟.. الجواب يحمله المضمون ، فليس من الممكن القول ” كيف تصبح ابنتك سمكة ” لأن التغير حدث من قبل ، ولم يحدث الآن .. فالتوتر الذي ساق الصياد والبحر والقارئ كان يقود إلى عاصفة حدثت .. والعاصفة هنا .. ويجب أن نعود إلى المفتاح الذي ذكرته ” يسلبك الوعي ” .. وبرأيي فهذه الخاتمة من أشد الخاتمات إبهارا ونجاحا في القصة القصيرة جدا ..
أحب هنا الإشارة إلى صيغة الراوي الواصف التي استعملتها الكاتبة ، وأحالت السرد إلى خطاب، وهذا شيء هام جدا في تقنية السرد التي اختارتها ..فلو أنها تحدثت بصيغة الراوي الحاضر ” الأنا ” لجعلت قصتها منقوصة باردة .. فهناك أشياء كثيرة ما كان للراوي الحاضر أن يصفها بكل هذه الدقة ، خاصة في المقطع الخير الذي نفترض انه تبادلي بين الصياد والبحر وحامل الفعل وردات الفعل ..
هذه القصة للكاتبة زاهية بنت البحر ، قصة ناجحة بامتياز ، استطاعت أن تستفيد من كل تقنيات هذا الفن ، إلى جانب استفادتها القصوى في اللغة من كونها شاعرة .. ولعمري فحين يكون الفن كذلك ، فهو يستحق الحياة والخلود والإشادة ..
****
أقدم قصة الشاعرة القاصة زاهية بنت البحر وهي بعنوان ” صياد وسمكة ” للدراسة .. راجيا أن نجد في دراستها شيئا مما نبحث عنه ..
النص : صياد و سمكة
القاصة : زاهية بنت البحر
تنزل البحر كل يوم بحثًا عن صيد جديد، مازال طعم أول سمكة ظفرت بها قبل سنوات يشعرك بالجوع، سمكة ذهبية معشقة بالأخضر، ظننت يوم اصطيادها بأن البحر لن يجود بمثلها أبدا، ورغم ذلك بقيت تنتظر المعجزة. تذرع الشاطئ ذهابًا وإيابا وعيناك تجولان المكان بحذر شديد، تلتقط أنفاسك كلما تكسرت موجة فوق الصخور، وأزعج أذنيك أنينها فوق الرمال. أيقنت بعد كثير ترددك على الشاطئ بأن الموج يتألم، وله قلب كالذي ينبض في صدرك، يفرح ويحزن، يغضب ويهدأ، سألت نفسك كيف تشابهتما، لم تجد جوابًا يشعرك بالطمأنينة، ترفض أن تكون كالبحر فهو غدار، أنت تقر بهذا، أما أنت فغدار أيضًا، ولكنك تأبى الاعتراف بذلك رغم أنك مازلت تحس جوعًا منذ اقتناصك السمكة إياها قبل سنوات، أكلتها لحمًا ورميتها حسكا. تهرب من إلحاح فكرة الغدر عليك، تسرع الخطى فوق رمال الشاطئ ، السمكات يتماوجن فوق سطح البحر بما يسلبك الوعي، ترمي الصنارة،
تعلق بها إحداهنَّ،
تشد الخيط ،
تمسك بها،
تجفل،
تنظر في عينيها،
تنفر الدموع منهما،
تفرك عينيك بأصابعك المرتعشة،
الصيد ثمين.. ثمين جدا، جدا
تكاد تجن،
لاتصدق ماتراه،
تسأل نفسك برعب يفترس قلبك المتشوق للصيد:
كيف أصبحت ابنتك
إعلان عن المسابقة الشعرية ( محمد – صلى الله عليه وسلم – نبي الرحمة والإنسانية )
0
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى : –
” وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا
وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ”
الآية 27 من سورة الحج .
|
|
|
|
|
|
|
|
|
بمناسبة موسم الحج للسنة الهجرية 1431
تتشرف الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب
تحت الرعاية السامية لإدارة الوقع الأدبي
نور الأدب
بتنظيم المسابقة الشعرية
( محمد – صلى الله عليه و سلم – نبي الرحمة و الإنسانية )
يشرف على المسابقة
الأستاذ الناقد
عبد الحافظ بخيت متولي
——-
آليات المشاركة فى المسابقة
1- موضوع المسابقة يشمل ما يلي : –
– الحج
– الكعبة الشريفة
– المسجد النبوى الشريف
– شخصية الرسول – صلى الله عليه و سلم –
– مدح الرسول – صلى الله عليه و سلم –
– الرسوم المسيئة للرسول – صلى الله عليه و سلم –
– الدفاع عن الرسول – صلى الله عليه و سلم – ضد الكافرين والحاقدين
1- موضوع المسابقة يشمل ما يلي : –
– الكعبة الشريفة
– المسجد النبوى الشريف
– شخصية الرسول – صلى الله عليه و سلم –
– مدح الرسول – صلى الله عليه و سلم –
– الرسوم المسيئة للرسول – صلى الله عليه و سلم –
– الدفاع عن الرسول – صلى الله عليه و سلم – ضد الكافرين والحاقدين
للمزيد من المعلومات يمكنكم الاطلاع من خلال الرابط التالي
http://www.nooreladab.com/vb/showthread.php?t=17789
الزاهية(د. جمال مرسي)
2الزاهية
شعر: د. جمال مرسي
مهداة للشاعرة العربية زاهية بنت البحر
|
بَكَى الشِّعرُ و التَاعَـت القَافِيَـةْو أَضحَـت مَنازِلُـهُ خَـاوِيَـةْ |
أَرَى الرَّوضَ أَزهَارَهُ في ذُبُولٍو أَغصَـانَ أَشجَـارِهِ بَاكِـيَـة |
تُسَائِلُ حَـرفَ القَصِيـدةِ عَنهَـاعَنِ الطُّهرِ فِـي حُلَّـةٍ زَاهِيَـة |
عَنِ الصِّدقِ حِينَ يَفِيضُ المِـدادُكَنَهـرٍ مِـنَ الفِضَّـةِ الجَارِيَـة |
عَنِ البَحرِ يَا ابنَتَـهُ إِذ تَهَـادَتلِعَينَيـكِ أَمـوَاجُـهُ العَاتِـيَـة |
عَنِ القَلَـمِ السَّيـفِ حِيـنَ أَرَاهُيُسَـدِّدُ ضَربَـتَـهُ القَاضِـيَـة |
و ما كَانَ فِي الحَقِّ يَخشَى مَلاماًو لَـم يُثـنِ هِمَّتَـهُ طَاغِـيَـة |
يُميطُ اللِّثَامَ عَنِ الزَّيـفِ شِعـراًو فِـي النَّثـرِ رَايَتُـهُ عَالِيَـة |
و يُلقِـي بكُـلِّ عُتُـلٍّ زَنِـيـمٍسَبَـاهُ الغُـرُورُ إِلَـى الهَاوِيَـة |
و مَا كَانَ يَرضَى سِوَى بِالجَمَالِو يَربَـأُ عَـن كِلْمَـةٍ نَابـيَـة |
حَنَانَيكِ يا ” زَهْوُ ” إنَّا عِطَـاشٌلِسَلسَـلِ أَشعَـارِكِ الصَّافِـيَـة |
حَنَانَيكِ يا أُخـتَ كُـلِّ جَرِيـحٍتُضَـمِّـدُهُ كَـفُّـكِ الحَانِـيَـة |
كأنَّـكِ خَنسَـاءَ هـذا الزَّمَـانِتُـرَقِّـعُ أَسمَـالَـهُ البَـالِـيَـة |
تَحِيـكُ لَـهُ حُلَّـةً مِـن وَقَـارٍو تَبـذُلُ مُهجَتَـهَـا الغَالِـيَـة |
و تَصبِرُ إِن دَاهَمَتهَا الخُطُـوبُعلى الجُرحِ شَامِخَـةً رَاضِيَـة |
حَنَانَيكِ يـا فَخـرَ كُـلِّ أَدِيـبٍصَدٍ كُنـتِ فـي أُفْقِـهِ غَادِيَـة |
تُرَوِّينَـهُ لَـو يَضِـنُّ الغَـمَـامُفَتَـروَى الحَوَاضِـرُ و البَادِيَـة |
و مِن فَيضِ جُودِ الكِـرَامِ أَرَاكِإِلَـى كُـلِّ مَكرُمَـةٍ سَاعِـيـة |
تُوَاسِينَ هَذا ، و تُرضِيـنَ هَـذاو تَسطَعُ شَمسُكِ فـي الدَّاجِيَـة |
عَرَفنَاكِ نَجمَـةَ هـذا الفَضَـاءِو رَجـعَ بَلابِـلِـهِ الشَّـادِيَـة |
فَكَم شِدتِ بالحُبِّ صَرحاً منِيفـاًقَـوَاعِـدُهُ بالـوَفَـا رَاسِـيَـة |
يُشِيـرُ إلَيـكِ الـوَرَى بالبَنَـانِفَما كُنـتِ عَـن مُلتَقَـىً نَائِيَـة |
تُرِيقينَ كَالشَّهدِ شِعـراً مُصَفَّـىًتَتُـوقُ لَـهُ الأنفُـسُ الصَّادِيَـة |
رِسالَـةَ مُسلِمَـةٍ قَـد حَمَلـتِفَكُنـتِ الأَدِيـبَـةَ و الدَّاعِـيَـة |
حَنَانَيكِ ، هـل آَنَ أَنْ تَستَرِيـحَخُيُولُـكِ مِـن رِحلَـةٍ قَاسِيَـة |
و لَم تَضَعِ الحَـربُ أَوزارَهـاذِئابُهُـمُ لَـم تَـزَل ضَـارِيَـة |
و مَن لِلذِّئـابِ إِذَا المُخلِصُـونَتَخَلَّوْا عَنِ السَّيـفِ يـا زَاهِيَـة |
|
البعد القصصي عند الزاهية بنت البحر\الأستاذ محمد داني
2\\
\\
قصة( اقتله…اقتله)، نص يدفعنا إلى قراءته قراءة متأنية لكشف مخزونه الفني والجمالي والقصصي، وانقرائيته، والتي من خلالها نتعرف على بنياتها الظاهرة والخفية، وتحديد عملية التداول فيها، من حيث علاقة مستوى المعنى الخطي بمستوى الدلالة الشكلية، والوظيفية كما يقول رولان بارث( تدريسية النصوص، جماعة من الباحثين، إشراف محمد الدريج، ص: 8). وهذه القراءة نجعل منها تشييدا للنص،حيث نعبر من مرحلة القراءة الاستكشافية فيه إلى مرحلة القراءة الاسترجاعية( سعيد يقطين، انفتاح النص الروائي: النص والسياق، المركز الثقافي العربي، ط2، 2001). وقصة( اقتله…اقتله) موضوع جديد، كتب برمزية شديدة، حرصت المبدعة الزاهية بنت البحر على اعتماد الرمز للتعبير عن واقع مر تعيشه المنطقة العربية عامة، والعراق خاصة. إنها نظرة واعية للأحداث و الأسباب التي أدت إلى حرب الخليج الثانية. فهي استطاعت أن تحول السياسي إلى الاجتماعي بفنية كبيرة. فالكل متألب ضد هذا الفارس الغبي، الذي حركاته ودوراته ولفاته تقلق الجميع. الكل ينادي بموته، وإيقافه عند حده. وفي النهاية يقرر الراصد القوي قتله. إن الأحداث التي عاشتها منطقة الخليج عموما ، والعراق خاصة ، توافق أحداث هذه القصة، والتي زادها الرمز قوة، وإيحائية، وتكثيفا، وبلاغة وتأثيرا. إنها كمثقفة لا تباشر المباشرية، بل تلجا إلى التعبيرية الفنية الرامزة. وتركز على تيمة الصراع والآخر، والعربي والآخر، والعصبية والتحالفات. وكلها ضمنتها قصتها بفنية واحترافية. والجميل ، هو أن هذه القصة ليست قصة حدث متنام أفقيا، ولا قصة الشخصية/ البطل. بل يظهر فيها الموقف والرمز بطولة مطلقة، ولو أن الكاتبة كبطلة تختفي وراءها، وتتكامل معها في سبيل الكشف عن هدفية الموضوع، والكاتبة/ الساردة. وهذا يمكن تسميته ب( تكنيك الدوامة)، حيث يكتشف الهدف في الأقصوصة مع دوران الأحداث والشخصيات. وقد ترتب عن هذا عدم بروز عنصر التنامي، والامتداد في الزمن. فالكاتبة تختزل الشخوص، في مقابل اهتمامها بالحدث والموقف. وبالتالي اتجه البناء الفني للحدث القصصي صوب إعطاء العلة ن والتبرير اللازم الذي أدى إلى تألب الكل والاتفاق على القضاء على الفارس الغبي، ومنه نشتم موقف الكاتبة من الأحداث التي مست المنطقة العربية ن ورأيها فيها. إنها تدين المتذمرين والمتألبين، والمتفقين، مثيرة إلى خطإ سلوكهم، وتصرفهم وموقفهم من خلال الإيحاء يذلك عن طريق الرمز والتكثيف، والاختزال، والإزاحة، من خلال سياق البنية السيميائية المنبعثة من واقع تطور الحدث القصصي. والجملة الأخيرة في نهاية القصة: ( خطا خطوتين، كان حذاؤه في الثالثة فوق ال ص ر ص و ر)، تنبهنا إلى المغزى الذي يلمح إليه التصوير القصصي الذي أسلفناه. عن المغزى العام الذي نخرج به من هذه القصة عند قراءتها، هو إدانة الكاتبة وباحترافية: الخنوع والانهزامية التي أصبح عليها مجتمعنا العربي. كما نجد فيها إدانة إلى العنصرية ن والإقليمية، والعصبية التي مازالت سائدة مجتمعاتنا. فالاختلاف في الفكر والمذهب يجعل من المختلفين اعداء. إن القصة شعور امراة بالظلم، وبالقوة التي لا تستعمل في محلها. معتمدة- كما أسلفنا- على الترميز. وهذا يبين عناية القاصة بالصورة الرمزية، وتوزيعها في ثنايا القصة. إنها تريد ان تجعل منها معادلا فنيا لفعل تجاذبته كثير من الانفعالات، والسلوكات، والآراء، بدون طائل. لكن الصورة الموظفة تحمل في طياتها نوعا من الدونية، والاحتقار والاستصغار. كيف يكون هذا الفارس الغبي صرصورا. لا يحسب حركاته، ولا يبالي بمن يؤلب عليه الجو. إن هذه الصورة اسهمت في تعميق الموقف، ووالجرح ، وإنزافه، وتطوير عقدته، حين اكسب الموقف بعده الإنساني في ظل بعده الرمزي. إلا ان الكاتبة في طرحها للقصةن وتسييرها للحكي. وقعت في نوع من التقريرية، والقفز على دور الساردة، فأصبحت اكبر منها، عالمة بكل الأمور، كقولها العارض: << كثرة اللف والدوران قد تورث فارسها الخطر في أحيان كثيرة ما لم يلتزم الحذر، ويخطط لتلافي الوقوع في المحظور بوعي وتبصر>>. والذي تريد منه تبرير فعل الشخوص، وتعليل النتيجة. وهذه خطابية مباشرة زائدة. إن تفصيلها الأبعاد الرمزية للقصة، تريد إثبات رأي معين، بل تطمح أن يستنتج القارئ ما يوحي به النص، ويكتشف ما يفصح عنه. وبالتالي هي تدفع بالمتلقي/ القارئ إلى تلمس الوحدة الفكرية التي تشكل بؤرة النص. ورغم ما قلنا، لا يفوتنا أن نؤكد أن المبدعة الزاهية قد نجحت في تقديم قصة متماسكة، تقدم أحداثا واقعية محملة إياها، ملامح تعبيرية رمزية، تجاوزت بها المالوف، معتمدة على الفعل الإقناعي، ومتلفظه التعليلي، والتبريري. مبينة القصدية من ذلك حتى يتخذ القارئ/ المتلقي موقفا من الحدث ، ومضمونه. إنها تطرح فكرا إقناعيا، وتأويليا. وهذا بالتالي، يجعلنا نقف على ميزة أسلوبية، وسيميائية في قصة الزاهية بنت البحر، وهو الإقناعية، والحجاج . و << يشكل الحجاج أحد العوامل التي تحظى بامتياز لضمان التماسك الخطابي. وهو يفترض بالفعل عملا معقدا هادفا، وسلسلة من الحجج المترابطة في إطار استراتيجية شاملة تسعى إلى دمج المستمع في نطاق الأطروحة التي يدافع عليها المتلفظ. ويعد كذلك نوها من التفاعل اللفظي الموجه إلى إحداث تغيرات في معتقدات الذات. وما ينفرد به الحجاج، انه لا يؤثر مباشرة في الآخر. وإنما في التنظيم الخطابي نفسه ، الذي ينبغي له أن يتوفر في ذاته على أثر إقناعي: فالمتلفظ المشارك، بوصفه قادرا على الخضوع للنشاط العقلي، وذلك بتطويقه داخل شبكة من الاقتراحات التي لا يمكن أن يتخلص منها>>( د.محمد الداهي، سيميائية الكلام الروائي، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، ط1، 2005، ص: 125). ويشمل الحجاج في القصة( اقتله.. اقتله) ثلاثة مجالات متباينة في وظائفها: 1- البرهنة. 2- إقامة الحجة. 3- الإقناع. وقد اعتمدت الرمز للتواصل والإقناع، وحفز المتلقي على قبول الحدث كله، وتصديقه، والاقتناع به… إن المبدعة الزاهية بنت البحر ، كاتبة متمكنة من حكيها، جميلة في سردها.. وهذا يجعل منها كاتبة متميزة دائما..//..
ترجمة تشوه لزاهية\ إلى الفرنسية\ أ. أمال بابيه
1
إلى زاهية الخير مع سلام مقرون بالتقدير لكل حرف قرأناه لها وترك في أذهاننا أثر انتفاع..نص الخاطرة:أخترقُ يُبْسَ رأسِكِ..
|
آفاق فوق المحسوس
1\\
\\
لايوقد فانوس الحق إلا الزَّيت الطاهر، الزيت الغالي النقي الخالي من الغشِّ والشوائب، وليس هناك أغلى من الروح في حياة الإنسان، كثيرون هم من ضحوا بأوقاتهم وسعادتهم وأرواحهم كي نسعد و نعيش أحراراً، فخذلناهم بالجحود، يالتعاسة الخونة ويالسعد الأوفياء.

عندما يحاول البعض حجب النور عنك لاتحزن لأن الله يفتح لك نافذه نورٍ في قلبك لايحسُ بها سواك. أرأيت كم أنت قريبٌ من الله، وكم هم في بعدهم يعمهون؟!!

ليتها كلمة لم تنتهِ، فظلَّت تحلق بنا في فضاءات وجدانية رائعة الضوء والليل والنسيم.. هناك فوق المحسوس من المعنى آفاق بعيدة يطيب لمن يجيد التوغل فيها اختراق المستحيل للوصول إليها.. ليس كل الكلام يحمل من ديم العذوبة مايمطر علينا فرحًا معانقًا روعة البهجة في مجرات البهاء عندما تتحرر الروح من قيود المشهود من الواقع والمحسوس منه، فتنفلت حرة في ملكوت آخر لايصله إلا قلة أرجو أن نكون منهم..

من أتعس اللحظات عند المؤمن ربما كانت تلك التي يحس فيها بأنه أساء إلى أحد، فأغضب الله عزَّ وجل، ومن أسعد اللحظات تلك التي يحس فيها بأنه قام بعمل خير يرضى الله به عنه..
سأظل روحًا وثابة أنهب الدرب نهبًا باتجاه النور حيث شغفي بالنقاء، والمتميز من الشعور الذي لايحسه إلا من أحبَّهم صاحبُ الأمر، فلنكن منهم دون السقوط في براثن كيد الطريد من جنَّات الخلد.


![]() |
بقلم
زاهية بنت البحر
انظر إلى السماء ويداك تبتهلان للمولى وقل: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت .
آمين
مياااووو، مياااوووو
0\\
\\
صراخ حزين لكنه لايسمعها.. غاب إلى الأبد بانطفاء شعلة الحياة في صدره بحادث مؤلم.. حزن الحيوان محزنٌ كحزن الإنسان، وربما أشد حزنًا لأنه لايستطيع حيلة أمام الكوارث، ميااااو، ميااااووو من يسمعها وقد فقدت أنيسها، وإن سمعوها فإنهم لايحسون بها، وهكذا صرنا اليوم في عصر الحزن الأعجم ..
بقلم
زاهىة بنت البحر
|
![]() |
أماهُ طال النوى
1تميل الشمس إلى الغروب .. رويدًا.. رويدًا.. يتنفس الشفق في صدر الرؤى نار الحمَّى التي تغلي في أفق المعاني… يلتهب كعب برزخ البعد بوهج تدفق الآه في صدر المُلقى على باب الأمل.. ينفث بزفيرٍ رجاءَ اخضرار اللحظة قبل اقتحام الليل آفاق العين، فتغمض وبين جفنيها دمعة
حرَّى..
في حدائقِ الرُّوحِ النقيةِ لاتذبلُ الزُّهورُ على مدارِ الفصولِ حيثُ تعبقُ الحياة بعطرِ الجمالِ، وتضاء بنور اليقين، فتحرسها البصيرةُ بسيفِ الحق الذي لايغمدُ أبدًا .. هناك حيثُ الدِّفءُ بالقربِ من الذاتِ , والطمأنينة والسلام، أحببتُ أن أستريحَ من همومٍ وأوجاعٍ أرهقتني زمنًا طويلا..
عندما أحسُّ اختناقًا يحاول اقتلاعي من أعماق الصبر في حياة صعبة المراس، أجدني برئة الأمل أتنفس، وبحضنه أتدفأ، فمن يحرم هذا الحضن يسلب السعادة… سبحان من جعل لكلِّ داءٍ دواءً، ودواء اليأس الأملُ بكلِّ نوافذه، وحدائقهِ، وعيونه الخضراء، وصدق اليقين..
ماأحوجني إليك اليوم أريد أن أبكي ولكن كيف.. كيف ياأمي، والبيتُ قد خلا منكِ؟
بقلم
زاهية بنت البحر
نبض الذاكرة
1\\
\\
\\http://arabswata.net/forums/showthread.php?t=2601