Mryam M.Y

Just another WordPress.com weblog

Monthly Archives: May 2011

علمتني الحياة( من العمر لحظة)

4

احلى كلام عن الحياة

– علَّمتني الحياة أن الجدال بلا فائدة هو قلة خبرة في الحياة، يدني من قيمة المجادل أمام الناس الذين يفهمون.
– علَّمتني الحياة أن العناد عن وعي بهدف البناء شيء رائع ومطلوب، وأن العناد عن جهل شيء مكروه وصاحبه غير محبوب.
– وعلَّمتني أن الصمود في طريق الحق بطولة وإباء، وأنَّ المكابرة في طريق غير الحق ضعف ومهانة.
– علَمتني الحياة أن الشَّرف صفة عملية تلازم الإنسان في كل اتجاهاته، وفي كل مكان يوجد فيه بين أحبائه وأعدائه ،وفي كل حالاته النفسية والاجتماعية، فلاينقصها غضب أو بلاء أو حرب مع الذات، أو الأعداء، ولايخبو لمعانها بتقادم الزمن..
– علمتني الحياة أن السعادة التي نعيشها في زمن ما، تنحتنا فوق جدران فؤادها إمضاءً تصحبه معها عندما ترحل عنا بانتهاء مدة الإقامة فينا، مودعة في نفوسنا حزن الفقد لأنها لاتعود إلينا ثانية، ولكنها دائما ترسل إلينا ومضات حنين عبر منحوتِ الفؤاد فيشغلنا بعض وقت بانتظار سعادة أخرى ربما كانت أعظم من الراحلة، ولكننا لانستطيع وقف شوقنا إليها عندما نشعر برفرفاتها تداعب شغاف القلب، والعين تندلق دمعًا..
– علمتني الحياة أن الوقت يمضي غير مكترث بشيء، يقطع جموعَ المارين به سعادة أو تعاسة، فمن يفهم لعبة الوقت يكسب منه كثيرًا، فكل شيء محتمل في دنيا غريبة عجيبة نفسر الظاهر منها حسب المعطيات التي تصلنا، فنقف عندها، ويظل المجهول أبعد من أن يطاله فكر أو حسابات بأي حال.

– علمتني الحياة التأملَ في جمال خلقِ الله عزَّ وجل، فلا أمر به مرورا عابرًا دون التزود منه بما يزيدني علما وحكمة، فما خلق الله الكون وما فيه عبثا وإنما لكل شيء فيه حكمة والسعيد من يعيها ويعمل بما تدلُ إليه.

بقلم
زاهية بنت البحر

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)58

0

ظل عادل مشغول الفكر بالرجل المجهول الذي استدان من أحمد المال، لم يكن في السفينة من يحتاج للمال ليصرفه في البحر، فليس معهم مقامرون، فمن يكون المقترض هذا؟

لم يهدأ انشغال باله  بهذا الأمر، فراح يستعرض الأحداث التي مرت بهما منذ أن صعدا السفينة إلى لحظة أن توفاه الله.

حار في أمره فهو لم يتركه لحظة خارج السفينة.. نزلا معا إلى السوق هناك في الميناء الذي اشترى منه الفستان الأخضر لسراب، واشترى أحمد الجاكيت للمى، هنا فقط  افترقا لوقت ليس طويلا، ثم التقيا في الكافيتيريا، وعادا معا إلى السفينة ولم يغادراها إلى أي ميناء آخر..  

أوشك أن يصل إلى طريق مسدود في معرفة مقترض المبلغ لولا أن تذكر أن هناك من طلب منه شخصيا المال، ورفض إقراضه لأنه سيعطيه لصديقته الأجنبية هناك لتدخل به ابنها إلى المدرسة.. أجل هو بعينه، ولكن ربما خجل أحمد من إخباره بالأمر بعد أن رأى غضبه وثورته العارمة ضده.

أحس بشيء من الراحة وكثير من الغضب.. حسنا سيعرف كيف يعيد المبلغ من الساكت على الدين بعد التحاق صاحبه بالرفيق الأعلى..

لم تسأل سراب حماتها أين ذهبت مع عادل كي لا تحرجها بالجواب، فخرجت معه لتتمشى كالعادة حول الجزيرة، لكنها هذه المرة لم تستطع متابعة المشي، فقد كان الجو باردا ورياح غربية بدأت تهب على الجزيرة، فعادت إلى البيت واستلقت في سريرها بينما ذهب عادل إلى المقهى بعد أن استدعاه أحد أصدقائه، فأخبر والدته بأنه لن يتأخر كثيرا.

بعد أن اطمأنت أم عادل على سراب خرجت من البيت بزيارة خاطفة لشيماء الرابح  التي رحبت بها كثيرا، وسألتها إن هي أوصلت المبلغ لأم أحمد.

فرحت شيماء بما سمعت، ودعت لعادل بالخير، واتفقتا على أن تقوما بمثل هذا العمل الخير مع كل من هن بحاجة لمساعدة مادية  تقف عفة أنفسهن وشآمتهن  مانعا بوجه مساعدتهن، وسوف تكون المساعدة لهن كل حسب الطريقة التي تناسبها بتقديم المال..

استأذنتها بالذهاب..  طلبت منها المكوث بعض وقت لكنها اعتذرت فقد اشتد هبوب العاصفة، وبدأت الأمطار بالهطول، وسراب وحيدة بالبيت، وهي متعبة.

عاد عادل إلى البيت مخطوف اللون.. مبلل الثياب. هرعت إليه درة  تستفسر عما فعل به ذلك.. تنهد بحرقة وهو يخبرها :

–  فلوكة صارم السناري قد ضيّعت في البحر عندما خطفتها الأمواج، وهو قادم بها إلى الجزيرة.. وبجهد جهيد استطاع بمساعدة بعض مراكب الصيد الكبيرة إعادة الفلوكة إلى الصقالة، وعندما وصلت رمتها الأمواج نحو الصخور، وكادت تحطمها لولا أن تعاون كل الموجودين على شاطئ البحر وفي المقاهي المجاورة فشحَّطوها إلى البرِّ..

قالت درة بأسف:

–          مسكين صارم السناري فقير منتوف، عنده ُّأولاد، الكبار بنات، والصغار صبيان، لامعين له غير رب العالمين.

–         – والله ياأم عادل كان منظره ّيقطِّع قلب الصخر إن كان له قلبا.. مشحَّر، معتَّر لو تحطمت فلوكته بالصخور لشحد اللقمة.

–          قدر الله ولطف، ماأخبار فلوكتك؟

–         الحمد لله ما فيها شي.. لكن الأمواج  تضرب بها كما تشاء، دعواتك يا أم عادل.. هي الحيلة والفتيلة.

بقلم

زاهية بنت البحر

بانتظار الأمل(رواية بقلم زاهية بنت البحر)57

0

 

استقبلتهما لمى خطيبة أحمد ريثما دخلت إليهما خالتها.. لم تكن تحسب حسابا لزيارة أحد لها قبل أذان المغرب، فقد تعودت أن تنام بعد صلاة العصر لقلة من يزورها.. تهرب بالنوم من التفكير بابنها.. مازال جرحها نازفا حتى الثمالة، بينما تجلس لمى في البيت وحيدة تتسلى في بعض الأحيان بمشاهدة التلفزيون وأحيانا أخرى بالتطريز اليدوي، فتصنع لوحات فنية جميلة إحداها صورة خطيبها الراحل .. حبها له جعلها ترفض العودة إلى بيت أهلها كي لا تترك خالتها وحيدة بين فكي حزنها الحارق..  في هذا البيت الذي ولد فيه أحمد وشبَّ ومنه رحل تحس لمى بوجوده بأي شيء تقوم به بخدمة خالتها.

خرجت الفتاة من الغرفة لتحضير القهوة فاستغل عادل فترة غيابها في الخارج، وبدأ الحديث مع أم أحمد التي استغربت هذه الزيارة المفاجئة منهما خاصة منه بالذات..

بعد أن دعا لأحمد بالرحمة والمغفرة وذكر الكثير من حسناته، قص على أمه بعض الذكريات معه التي يحتفظ بها في قلبه، وأخبرها بأنه كان قد استدان منه مبلغا من المال ووعده بإعادته إليه عندما يتيسر له ذلك، ولكن القدر سبقه إليه قبل أن يرجع المال، وخلال الفترة الماضية التي أعقبت وفاته لم يستطع إيفاء الدين لأمه لعسر كان يمر به، فآثر الصمت ريثما يتوفر له المبلغ، والآن قد فرَّج الله عنه، وها هو قد جاء لإعادة المبلغ كاملا للسيدة والدته، وطلب منها مسامحته على كتمان الأمر، والتأخر بالسداد، ورجاها أن تعتبره كابنها أحمد، وهو في خدمتها متى شاءت.

بداية دهشت أم أحمد مما سمعت، ثم انهمرت دموعها لأكثر من سبب.. لم تخف عليهما أنها لم تصدق ذلك عندما سمعته، ولكنها تذكرت بأنه ذكر لها في أحد الأيام عندما هاتفها في سفره الذي قضى فيه نحبه، بأن أحد معارفه قد استدان منه مبلغا من المال ووعده بإرجاعه له قريبا، ولم يذكر لها اسمه.

أصاب عادل الذهول عندما سمع ما تفوهت به الثكلى.. خاف حقيقة أن تكون قد صدقت بأنه هو من استدان المبلغ الذي أخبرها عنه ابنها، فصمت ولم يسألها عن قيمته خشية أن يفتضح سرّ ما جاء لتأديته إن كانت قيمة المبلغ هي ما أخبرها عنه ابنها أو غير ذلك، وظل فكره مشغولا بالمجهول الذي اقترض المال منه، ولم يُعده لأمه.

استلمت المبلغ من أحمد بينما كانت لمى تقدم القهوة لهم، وعلامات الدهشة بادية على وجهها  مما رأت، واستغربت كيف تقبل خالتها مالا من الناس وهي التي ترفض الصدقة.

ابتسمت أم أحمد عندما قبضت المال.. نظرت إليه مليا.. أخذت منه قليلا ثم أعادته لعادل، وطلبت منه أن يضعه في عمل ما يدر عليها ربحا يكفيها لقمة العيش.. فأخبرها بأنه كان سيقترح عليها هذا الموضوع، وسوف يضع المال في مكان أمين.

احتسوا القهوة.. وهي تضع الفنجان فارغا فوق الترابيزة قالت أم عادل للمى:

–         نشربها بفرحك يا ابنتي

انتفضت لمى كمن لدغتها أفعى.. قالت وقد انصبغ لونها بالجوري الأحمر:

–         بعد أحمد لن أتزوج.

سألها وعيناه مطرقتان نحو الأرض:

–         لماذا يا أختاه؟ هذا لايجوز شرعا، ولا يرضي أحمد رحمه الله.

–         يحتاج الجرح لعمري كله كي يبرأ مما أصابه، ولن.

–         من يدري قد يبرأ قبل ذلك إن رزقك الله بابن الحلال الطيب.

–         لن يستطيع أي رجل تحمل حزني على أحمد مالم يكن قد مر بحزن مثله.

قالت أم أحمد:

هذا كلام قالته قبلها كثيرات ثم نسين .. دعوها فإن الله كفيل برأب جرحها متى شاء.

 

بقلم

زاهية بنت البحر

بانتظار الأمل( رواية بفلم زاهية بنت البحر)56

0

 

في أعلى السقف حيث تسمرت عيناها، امتدت يد خوفها ترسم قنديلا مهترئًا بريشة الوهم، يهتز فيه الضوء بكل الاتجاهات، تخفت أنواره.. تخفت.. يتداعى جسد درة.. تهوج الريح تضرب بأجنحتها السوداء زجاج القنديل الرقيق، يشتد نهش الخوف بأحاسيسها.. تتغلغل عمقا في أغوارها السحيقة، من شرفة يأس عتيقة تطل على وادٍ غير ذي حياة.. هوة موحشة.. رسمت معالمها الظلمة فبدت مخيفة.. برهبة الأنفاس في صدرها.. بحب البقاء.. يتسرب الضوء المبعثر من القنديل المتأرجح في السقف إلى بعض زوايا الهوة العميقة الفاغرةِ فمها بوسع الخيال.. ترى نفسها في ركن بعيد ممددة فوق سرير من هواء تعبث به الريح..  ينبعث من صدرها ضوء خافت.. ينوس.. ينوس.. تحس ضيقا بالتنفس.. تحرك يديها.. قدميها.. ترفع راسها.. تنظر إلى كفيها.. إلى السقف لا ترى قنديلا.. تجلس في السرير.. تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.. تحمد ربها أنها مازالت تستطيع الحركة..

تخرج من غرفتها  تقابلها سراب بوجهها البشوش.. تقبل يدها.. تقبل خديها.. تسرع سراب إلى المطبخ.. تحضر فنجاني قهوة.. تجلس مقابل حماتها.. تحتسيانها دون بنت شفة.

عاد عادل إلى البيت بعد بيع الأسماك يحمل في جيبه من المال ما يكفي مصاريف الولادة  وتقديم ضيافة المباركة.. لأول مرة لم ير والدته سعيدة بما أحضره.. عرف السر.. أمسكها من يدها مبتسما ومشى بها إلى غرفتها بينما أسرعت سراب لتحضير الفطور..

–         اطمئني ياأم عادل تستطيعين العمل بما قالته لك السيدة شيماء وأنت مطمئنة، ولا حرج عليك بإذن الله.

–         كيف؟

–     سألت من له علم بذلك ..

 أخرج ورقة صغيرة من جيبه وراح يقرأ ماكتب فيها:

–  “الكذب حرام؛ لما فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره. ولكن يُباح الكذب وقديجب أحيانا، والضابط فيه: أن كل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذبفيه، وإن لم يكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا. وإن كان واجبا كان الكذب واجبا. “

–         لم أفهم تماما ياعادل، هذا الكلام يحتاج مني لتركيز كبير وأنا متعبة جدا.

–         حسنا ياأم، مايهمنا هنا هو أيصال “المقصود المحمود” الذي يحبه الله، وينفع الناس إلى من نريد أيصاله إليهم.

–         كيف؟

–         أنت تريدين عمل خير بإيصال المال إلى أم أحمد رحمه الله، أليس كذلك؟

–        نعم

–          وهي لاتريد صدقة من أحد، وليس معها مايعينها على الحياة..

–          أجل

–          فإن لم يصل إليها المال ربما ماتت لاقدر الله.

–         – لاقدَّر الله.

–         فأيهما أفضل أن تموت، أم أن تبقى على قيد الحياة؟

–          بالطبع أن تبقى على قيد الحياة.

–          أرأيت ياأم عادل ، فأنت عندما تكذبين عليها من أجل إبعاد الشر عنها، فإنَّك تنقذينها من الموت، وهذا عمل خير.

–         أجل

–          وتبعدين عنها الموت وهو الشر.

–         أجل

–         فأيهما تختارين ياأم؟

–         طبعا الخير ..

–          وهذا يكون واجبا عليك..

–          ياإلهي ماأعظم رحمة الله بنا.. سأذهب إليها الآن.. لقد أرحتني ياعادل كثيرا

–          انتظري سأذهب معك، في رأسي فكرة أرجو أن يتمها الله على خير.

بقلم

زاهية بنت البحر

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)55

0

 ربما كان حلما ذاك الذي جعلها تهب من فراشها على عجل.. توضأت وصلت فرض الفجر..

 رأت عادل يستعد للخروج إلى الصيد وقد ارتدى ثيابه الخاصة لذلك.. سألها عما جعلها تتأخر بالنوم حتى الآن فقد تعودت أن تستيقظ قبله.. استوقفته، واستأمنته على السِّرِّ وسألته رأيه به.

دهش من نبل السيدة شيماء، ووعد أمه بأن يأتيها بالفتوى التي تريحها بعد عودته من الصيد، فالصيادون ينتظرونه الآن للمِّ الشباك من البحر، وعليهم أن يصِلوا بالفلوكة إلى شباكهم والعودة بالأسماك قبل الشروق.. ودعها طالبا رضاها، ومضى إلى عمله بينما عادت هي إلى سريرها، كانت تحس بإرهاق شديد ورغبة في النوم.

ركب الصيادون الفلوكة وأبحرت بهم إلى مكان بعيد في البحر حيث توجد الأسماك هناك بكثرة وبأحجام كبيرة وأنواع مختلفة.

كان البحر هادئا.. لطيفا رحب بهم وهم يمخرون عبابه طلبا لرزق عيالهم الذين ينتظرونهم بأمنيات وأحلام براقة.. السعيد من الصيادين من يعود محملا بمال البحر السمكي فيمنع نفسه ذل السؤال.

كانت النجوم تبارك خروج الفلايك وهي تتراقص في السماء قبل أن يلمها الغيب بشروق الشمس. سعادة غامرة يحسها الصيادون في الصباح على متن فلايكهم وهم يشقون طريقم في بحرهم الحبيب.. الكريم بكل ماتعني الكلمة من معنى، القاسي أيضا بكل أعماق المعنى.. آه منك يابحر.. خطفت منهم الشباب.. ثكلت الأمهات ويتَّمت الأطفال، ولا يزالون يحبونك رغم كل شيء، ولا يستطيعون فراقك أو الحقد عليك.. حبهم لك غريب منذ أن امتزجت ملوحة مائك بدماء شرايينهم.. ولمَ لا؟ فقد جرحت الصخور أطراف أكثرهم منذ نعومة أظافرهم وهم يلعبون على شطك الصخري.. ولوحتهم الشمس بحزن القلب لفراق أحبتهم.

آه يابحر، قليل من حنانك يسعدهم كثيرا.

وصلت فلوكة عادل إلى مكان الشباك، فرأوا برميلهم الأخضر طافيا فوق سطح البحر وحوله فلين الشباك..

بدأوا بسحبها بقوة ونشاط، خمسة رجال بعزم عشرة.. شدوا .. وشدوا.. كانت الشباك ثقيلة جدا اليوم.. بداية مبشرة بالخير.. شدوا أكثر..وخرجت من البحر محملة بكنز ثمين استقبله جوف الفلوكة بترحاب يليق بملك.. أسماك كبيرة وصغيرة بشتى الأحجام والألوان.. بينها كانت المفاجأة الرائعة.. وحش بحري كبير كان صيد اليوم  المفرح، ولسوف يكفيهم عناء الخروج في الليل من دفء بيوتهم لأيام كثيرة.

حضَّرت سراب القهوة لاحتسائها مع حماتها، لكن درة لم تخرج من غرفتها حتى الآن.. تعودت سراب ألا توقظها إلا لضرورة ملحة.. انتظرتها بعض وقت، فلم تخرج، اقترب موعد عودة عادل.. لم تخرج..

فوق سريرها كانت درة ممددة دون حراك.. عيناها مسمرتان في سقف الغرفة التي شهدت ليلة زفافها قبل أكثر من نصف قرن من الزمن، وهي شابة جميلة تميس حورية فاتنة في زهو ربيعها الذي أذبلته الأيام هما وغما وكفاحا..

بقلم

زاهية بنت البحر

بانتظار الأمل( رواية بقلم زاهية بنت البحر) 54

5

 

بدأت سراب مؤخرا تحس بآلام خفيفة في أسفل ظهرها وبطنها.. أخبرتها القابلة القانونية بأن هذه الأعراض تنتاب الحامل في الشهرالثامن والشهر التاسع، ولم يحن بعد وقت الولادة.

حمل ثقيل ألقت به “شيماء الرابح” فوق أكتاف “درة” وذهبت تاركة قلبها في خضم بحر هائج تضرب أمواجه العاتية فؤادها بكفوف توبيخ الضمير.

صدق معها اليوم المثل القائل” بعد الكبره جبة حمرا” وأي جبة حمراء تلك التي ستجعلها تستخف بنفسها إن هي اقترفت الكذب بعد أن ابيض شعرها، وتساقطت أسنانها، ولم تعد تريد من الحياة سوى رؤية الطفل هاشم وختامها برضا من الله.

لن تسأل شيخا خجلا من السؤال رغم علمها تماما بأنه لاحرج في الدين، ولكنها تخشى أن يظن أحد بها السوء، فقررت البحث في كتاب رياض الصالحين عن حديث يبيح الكذب في عمل الخير، وكانت قد سمعت بأن الضرورات تبيح المحظورات، ولكنها تريد أن تطمئن أكثر، فهي تمقت معرف الكذب فكيف باقترافه؟! وهناك أمر آخر زاد الطين بللا فقد تطلب منها أم أحمد أن تقسم بالله أن لابنها دينا على عادل، وهي لن تقسم بالله كذبا مهما كان الأمر.

وضعت كيس النقود فوق رف خزانتها.. بحثت عن الكتاب في المكتبة الصغيرة التي توجد في غرفة المعيشة.. لم تجده.. سألت سراب عنه.. أحضرته لها من غرفتها.. كانت تقرأ فيه قبل أيام ولم تعده إلى مكانه.

درة تجيد القراءة، فقد ختمت مع أترابها وهي صغيرة قراءة القرآن في الكتَّاب.. سألتها عما تريد منه، أجابتها:

–          المؤانسة بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام.

أغلقت باب الغرفة خلفها بعد أن ذهب ابنها وزوجته للنوم.

وهي تفتح الكتاب كانت تردد في رأسها آية حفظتها من سورة غافر -: (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) [غافر: 28]وآية ثانية قال الله تعالى -: (لعنة الله على الكاذبين) [آل عمران: 61].

 اقشعر بدنها وسرت فيه برودة ولدت رعشةً في يديها وهي تقرأ مارأته من رواية ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:-: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند اللَّه كذابًا». [البخاري 6094، ومسلم 2607]

ارتدت على أعقابها.. خرجت من الغرفة وهي تستعيذ بالله من الكذب.. مايدريها كيف يأتيها عقاب الله إن هي فعلت ذلك.. لا.. لن تكذب ولتجد شيماء طريقة أخرى توصل بها المال إلى أم أحمد.. أحست بصداع يمزق رأسها.. دخلت المطبخ.. حضَّرت فنجان قهوة بدون سُكَّر.. عادت به إلى غرفتها لاحتسائه على مهل.

مازال الكتاب أمامها.. تهيأ لها أنه يدعوها إليه لمزيدٍ من القراءة علها تجد فيه ما يريح نفسها.. لبت النداء.. قرأت.. قرأت.. إياكم والكذب.. تحذير مخيف يؤدي بالكاذب إلى النار.. الكذب خيانة كبيرة: عن النواس بن سمعان – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «كبرت خيانة أن تُحدث أخاك حديثًا هو لك مصدق وأنت له كاذب».

ياالله ماأفظع ذنب الكاذب.. في خضم قلقها واتساع همها بما حملتها شيماء من أمانة، كادت تغرق ببحر هم لا قرار له، وقعت عيناها على حديث أحست من خلالها بيد أمان تنتشلها من غرقها .

– روى الترمذي عن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يا أيها الناس ما يحملكم أن تتابعوا على الكذب كتتابع الفراش في النار، الكذب كله على ابن آدم حرام إلا في ثلاث خصال: رجل كذب على امرأته ليرضيها، ورجل كذب في الحرب فإن الحرب خدعة، ورجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما “.

بدأ خوفها ينسحب تدريجيا.. وكلما تقدمت بالقراءة خطوة تراجعت جحافل قلقها خطوات.. لكن ماجاء في الحديث لايشملها فهي لن تحارب، ولن  ترضي زوجا بكذبة فقد مات هاشم ولم يعد بحاجة لرضاها، ولن تصلح الآن بين مسلمين نشب بينهما خلاف.. أين تجد مايخصها في الأحاديث الشريفة ؟ ظلت تقرأ حتى تعبت، وغطت في نوم عميق .

بقلم

زاهية بنت البحر

بانتظار الأمل(رواية بقلم زاهية بنت البحر)53

2

 

أحبت درة أن تستغل غياب سراب مع عادل خارج البيت وهما يتمشيان حول الجزيرة في صنع نوع من الحلوى يحبانها معا.

دخلت المطبخ.. صنعت صينية من الفستقية الشهية التي اشتهرت بها الجزيرة، وقبل مغادرتها المطبخ سمعت صوت دقات خفيفة على الباب.. لم تخمن من يكون الطارق، فهي لاتنتظر أحدا سواهما وما زال الوقت مبكرا لعودتهما، وعندما فتحت الباب ارتفع صوتها بالترحيب بالقادمة شيماء الرابح..

وهما تتحدثان بأمور كثيرة حول اللجنة التي أنشئت لمكافحة التدخين بين النساء، وغيرها من المواضيع التي ستطرح على السيدات في اللقاء القادم الذي طلبت درة تأجيله تحسبا للظروف المحتملة بشأن ولادة سراب قالت درة لشيماء.:

–        حماتك تحبك ياشيما

–        لست بحاجة لحبها الآن بعد أن أصبحت عظامها مكاحل، فتأخذني إليها..

–        أطال الله في عمرك.. لكنها كانت تحبك وهي على قيد الحياة.

–        مادليلك في ذلك يا درة؟

–        الفستقية التي صنعتها قبل قليل.

–        الله.. الله.. فعلا كانت تحبني رحمها الله وأحسن إليها. حموات زمان غير يا أم عادل..

–        كل زمن توجد فيه الحماة الرحيمة والحماة الشريرة، دنيا يعمرها الجميع..

–        حكت لي إحدى السيدات التي ظلمتها حماتها وزوجها شيئًا لايصدقه العقل. حقيقة أمر غريب عجيب أن يوجد حتى اليوم نماذج بشرية بهذا اللؤم والوحشية في التعامل مع الناس خاصة إن كان مع شابة بعيدة عن أهلها..

–        هذا لايجوز.

–         تصوري منعوها من رؤية عائلتها سبعة أعوام لايسمحون لأحد منهم بزيارتها أو محادثتها هاتفيا، فكانت أختها تذهب إليها وتقف بعيدا عن البيت علها تلمحها وهي تنظف النافذة كي تطمئن عليها وتطمئن والديها.

–        قسوة يمقتها الله

–        كانت حماتها لاتخاف الله، ظلمتها كثيرا، وكان زوجها رهن إشارة والدته الشريرة، ليس له رأي ولو خالف بأوامر أمه تعاليم الله.

–        أعوذ بالله من غضب الله.

–        وعندما ماتت العجوز.. وضعت في غرفة خاصة، وكان على الكنتين المظلومتين في بيتها أن تسهرا قربها حتى الصباح.

–        ياساتر..

–        هكذا أراد ولداها..

–        ونفذتا طلبهما؟

–        مرغمتين.. والله ياأم عادل قالت لي سلمى بأنهما كانتا ترتجفان طوال الليل وهما خائفتان وغير مصدقتين بأنها ماتت.

–        ياالله..

–         حتى أنهما كانتا تكشفان بين الحين والحين عن وجهها للتأكد من أنها ماتت خشية أن تنهض  من نومها وتريهما نجوم الظهر.

–        وهل قامت؟

–        أم عادل أراك بت مثلهما!!

–        قصة غريبة ياشيما

–        تصوري يادرة لقد ترك ظلمها في نفس سلمى شرخا لولم يعالجها أهلها لأصيبت بالجنون.

–        دنيا فيها العجيب والغريب من الناس.. على أية حال كلي الآن الفستقية ولننسَ ظلم الحموات قليلا كي نستطيع ابتلاع اللقمة، وإلا علقت في حلقينا ولحقنا بحمواتنا…

وهما تأكلان الحلوى أخرجت شيماء من حقيبة يدها مبلغا من المال.. قدمته لدرة بشيء من الحياء وقالت لها:

–        أرجو أن توصلي هذا المبلغ لأم أحمد دون أن تذكري لها اسمي.

–        بارك الله فيك ياشيما

–        أنا أعرف شآمة نفسها ورفضها قبول المساعدة من أحد.

–        قد ترفض قبوله مني أيضا.

–        قولي لها بأن عادل استدان المبلغ من أحمد وهما في السفر.

–        أتريدينني أن أكذب ياشيماء؟!!

–        – ليس كذبا هذا بل مداراة لفعل الخير، فقد سمعت من مصدر موثوق بأنها قد عرضت طنجرة نحاسية قديمة للبيع ولم يشترها أحد، وعندما حاول رجل من أهل الخير شراءها بمبلغ كبير رفضت ذلك لأنها فهمت قصده بالتصدق عليها. وكما تعلمين فقد رفضت أن تأخذ تعويضا من صاحب السفينة التي كان يعمل بها ابنها بحجة أنها لن تقبض ثمن مصيبتها، لم تقبل بأخذ أي مبلغ منه إلا مااستحقه خلال عمله، وقد صرفته على الجنازة وملحقاتها، وماتبقى منه كانت تعيش به حتى نفد ولامعين لها سوى رب العالمين، وكما يعلم الجميع لم تقبل استرجاع المصاغ الذي اشتراه أحمد لخطيبته لمى رغم محاولة الفتاة وأمها ذلك.

بقلم

زاهية بنت البحر

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)52

2

 

لم تصدق درة ما رواه لهما عادل بداية- إثر عودته من الخارج وثيابه ملطخة بالدماء- عن العراك الذي جرى في أحد أزقة الجزيرة القديمة بين عوني السهام ومحروس النفيش بن فكيرة عجاير بسبب أخته واعدة زوجة عوني.

خُلع قلبها من جذوره الضاربة في أعماقها عندما دخل البيت.. كادت تسقط فوق الأرض.. اتسعت عيناها بوسع الخوف الذي احتل كيانها مشعلا فيه هيجان الخيال بوثبة فاقت قدرتها على التصبر إلى أن يفصح لها عما به، لحظات خاطفة تلك التي مرت بها، أحستها في سطوة الرعب على مشاعرها دهورا طويلة، مظلمة، ملؤها النعيق والزعيق، الألم والعذاب.

 نظرت إليه برجاء أن( تكلم مابك؟).

تكلم لكنها ربما لم تلم بما سمعت..

تطاول عوني على والد زوجته بالكلام بعد أن جاء برفقة والدته إلى باب بيتهم، وراحا يكيلا الشتائم لأخته ومن يقربها أمام الجيران والمارة.. خرج والده لتهدئتهما، فلم يسلم من قذفهما له ولابنته بكلمات نابية تأنف من سماعها الآذان الطاهرة.. لم يستطع ابنه محروس الشاب المهذب تحمل إهانة والده وأخته من قبل صهره، فهجم عليه، وأشبعه ضربا ولكما، فما كان من عوني إلا أن أسرع بشهر سكينٍ في وجهه كانت مخبأة داخل جيبه، وراح يضرب بها محروس أنى اتفق، فانتزعها منه بخفة ملفتة، وكال له بها الصاع صاعين، فأصابه  بجروح كثيرة أغرقت ثيابهما بالدماء. 

لم يستطع أولاد الحلال ومنهم عادل فك الاشتباك بينهما خشية الإصابة بطعنة طائشة حتى تدخل رجال الأمن بدعوة من إحدى السيدات التي شاهدت النزاع من نافذة بيتها المطلة على الزقاق، فاتصلت هاتفيا بالمخفر مستنجدة بهم، فحضروا خلال دقائق، وذهبوا بهما لتسجيل ضبط بالحادثة.

ظلت درة مطرقة برأسها أرضا، وارتعاشة مفاجئة تغزو أناملها المجعدة والعرق يتصبب من جبينها.. ناداها عادل.. لم يلقَ ردا..  

–        أمي.. أم عادل 

–         ….

–        أمي

–        … 

–        سراب أحضري كأسا من الماء.. أمي..

بحركة لاشعورية أسرعت سراب تقطع المسافة بين الغرفة والمطبخ وغمائم سوداء تغطي أفق ذاتها الواجفة بالحدث.. تسرع فتحس بتعثر قدميها في طريق غير معبدة في فلكها المضطرب..

تخترق عينا درة المنصبتان فوق الأرض جدارَ الزمان بشرود تام تبتعد فيه عما حولها قلبا وأذنا وشعورا..

تغرق حتى الأعماق فتراه غارقا بدمائه..  تمتد يداها نحوه.. تمسك برأسه.. تضمه إلى صدرها.. تبتل ثيابها بالدم.. تشده إليها أكثر.. لماذا ياهاشم.. أرجوك لاترحل.. لا ترحل.. لا ترحل..

يناديها عادل: أمي.. أمي 

–        

–        اشربي الماء.. رحمه الله.. رحمه الله..

–         لا ترحل.. لا ترحل.. هاشم

–        أمي.. هاشم رحل ولكن الله باقٍ.. انتقم له من القاتل بيد مجرمة..

–        

يمسح دموعها بأنامله، يضمها إلى صدره.. تمتزج دموعهما وشهقة حرى يطلقها صدر درة يحرق لهيبها وجه عادل.

كان صغيراها يبكيان.. وجيهة وعادل.. سمعت صوت نحيبهما.. وضعت رأسه في حضنها.. ضمتهما إليها.. ابتلت ثيابهما بدماء أبيهما..

ناداها:

–        أمي اهدئي.. اشربي الماء

أمسك بيديها.. صب فوقهما قليلا من الماء.. شهقت.. فتحت عينيها.. رأته رجلا بثياب خضراء، نظيفة.. ابتسمت، والدموع تلمع فوق جفنيها بوهج الشمس.. تندلق فوق خديها لؤلؤا.. تمسحهما بأصبعيها وعيناها معلقتان بثوب سراب فوق بطنها الذي يحمل هاشم.

بقلم

زاهية بنت البحر

الشجرة\ قصة أعجبتني للأستاذ محمد علي عاشور

0

 

عندما وجد شجرة السنط تلك ملقاة على الطريق ذابلة ، يكاد يتسرب إليها الشلل ، أخذها وهو يقلبها في يديه لا يعرف ما هي ، توهم أنها شجرة فاكهة ، فأخذها ليزرعها قرب المقابر التي يقيم فيها وحده بين الأموات الذين وجد عندهم المأوى والمأكل ، فقد كان يأكل غالباً مما تخرجه النساء ” رحمة ونور ” على أمواتهن وكان لبسه دائماً من النذر .
عندما قدم القرية هائما على وجهه وكان عمره وقتها لا يتجاوز العشر سنوات ، ولم يعرف أحد له نسباً أو مكاناً ، ولم يهتم أحد بذلك فقد كان أبلها ، أو كما يطلقون عليه في القرية ” بالله ” وينعته الأطفال ” بالعبيط ” كان يسير في كل وقت لا تضايقه حرارة شمس ولا وحل مطر ، يمشي حافياً دائماً وقد اكتسبت قدمه الخشونة .
كان شباب القرية عندما لا يجدون شيئاً يتسلون به فينادونه، ويسمعون منه النوادر ويرغبونه فيهم بسيجارة او قطعة حلوى .
عندما زرع شجرة السنط ظل يرعاها كما ترعى الأم وليدها ، يحاجي عليها من الهواء ، وإذا مالت يقومها بأحد الأعواد من الجانب المائلة نحوه وقد طال انتظاره وهو يرقب إثمارها .
نمت الشجرة وشب معها ، أصبحت ملء ذراعيه يحتضنها كأنها زوجته ، وهو يغني في أصوات غير مفهومة لكنه كان سعيداً.
عندما أصبح رجلا كان الأطفال يأتون عنده ليلعبوا معه رغم تحذيرات أمهاتهم ، وكانوا يجلسون معه في ” عشته ” التي أقامها أسفل الشجرة ، ويأكلون من الفاكهة التي تعطيها له النساء، فقد كان كريما مع كل الأطفال ، يأخذون من فاكهته ، وأحيانا يحضرون إليه بعض الطعام خلسة فيأكله سعيداً ، وإن لم يجد فمن الخبز الجاف عنده أو من الفاكهة التي قلت مع الزمن .
تضخمت الشجرة وأصبحت مكانا للعب الأطفال وأصابته الشيخوخة وظل الشاب ينادونه ليسامرهم وقد ازداد حديثه تشويقا بعد ما أصبح يروي لهم عن حكايته مع الجن فيخيفهم ويضحك ، وإذ ضايقه أحدهم يهرول وراءه بسيفه الخشبي فيفر منه وهو يضحك ، ثم لا يلبث إن يعود ويصالحه ببعض السجائر .
ضاق المكان بالمقابر، وقرر أهل البلدة قطع الشجرة لبناء مقابرهم لكنهم يخشون ” العبيط “.
تجمع أهل البلدة في الصباح الباكر ومعهم عدتهم وانطلق الرجال وتبعهم الأطفال يجرون، وفي أثرهم بعض النساء .
رآهم قادمين فوقف يستقبلهم متهلل الوجه ، ورأى الآلات في أيديهم ، واقترب منه طفل صغير كان يأخذ من فاكهته وقال وهو مرعوب .. سيقطعون الشجرة ، ولكنه لم يفهم وظل واقفاً فاغراه فاه .
احتشد الناس والتفوا حوله والشجرة ، وقال أحدهم : سنقطع الشجرة ،ثار عليهم وقذفهم بالطوب فلم يبتعدوا ، وجاء بسيفه الخشبي ملوحاً به في الهواء . فتدافعوا جميعا هاربين في كل مكان .
وقف مزهوا بسيفه وقد علت ضحكاته ، ثم احتضن الشجرة وأخذ يقبلها ويربت عليها .
في اليوم الثاني رآهم قادمين ، شهر سيفه في الهواء وأخذ يلوح به والناس يقتربون في حذر ، ثم تناول بعض الحجارة وأخذ يقذفهم فتفرقوا ، ولكن سرعان ما عادوا إليه أكثر إصرارا.
اقترب شابان وثالث يتبعهما وهم يضحكون ، طعن أقربهم بالسيف فانكسر مع أول طعنة ، ضحك الجميع ، رجع إلى الخلف صارخاً واحتضن الشجرة ، تمكن منه الثلاثة وأبعدوه عن الشجرة وسمع كلمة اقطعوا.
صرخ وعلا صراخه ، ومع صوت القطع وكثرة الهمهمات ضاع صراخه ولم يسمعه الكثير .
مع صراخه وكثرة تملصه تمزقت ملابسه ، وظهرت عورته ، وضحك الرجال ، ووارت النساء عيونهن وهن يتغامزن ، وقد أحال الجمع بينه وبين أن يرى الشجرة .
وقف بعض الأطفال الذين كانوا يأكلون من فاكهته وقد ظهر عليهم البكاء الصامت .
سُمع شخص يقول : أفسحوا للشجرة ، فر الجميع من أماكنهم تاركينه يشاهدها تسقط وهي تطقطق محدثة دويا عاليا . ووقفت الطيور التي تسكنها في الهواء وهي تحلق محدثة أصواتاً كأنها الصراخ، وقد تركت أفراخها في الأعشاش ، وانتشرت في المكان بعض حبات الفاكهة الجافة وكثير من الريش .
وقف يصرخ وقد تمزقت ملابسه ، انطلق ناحية الشجرة وهو يبكي، وقد سال مخاطه واختلط بدموعه ولعابه ووقف ينظر إلى جسدها المبتور ثم احتضنها وهي نائمة تلفظ أخر أنفاسها .
وقفوا ضاحكين وهو مستمر في البكاء ، وشيئاً فشيئاً أخذ يهدأ بكاؤه حتى انتهى ولم يحرك ساكنا ، تقدم أحدهم في حذر ليعينه على النهوض لكنه سقط ، لقد مات بجوار الشجرة ، وكان أول من دفن مكانها ، وجاء بعض الأطفال بالفاكهة ليضعوها على قبره .

بقلم

محمد علي عاشور

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)51

0

 

تعودت درة ألا تنام بعد صلاة الفجر.. تشغل وقتها بالعبادة حتى تطلع الشمس.. ساعات الصباح الأولى تسحرها فهي تحب أن تشهد مولد المضيئة كل يوم بلونها الذهبي البديع على أصوات شقشقة العصافير فوق أشجار دارها.

تحتسي قهوتها الصباحية.. تنهض لأعمال المنزل كعادتها كل يوم رغم محاولة عادل وسراب إقناعها بأنه لا ضرورة لكثرة العمل اليومي، فالبيت صغير وليس فيه ما يستدعي ما تقوم به يوميا عدا الجمعة حيث تأتي وجيهة وأولادها فيقوم البيت ولا يقعد.

في الآونة الأخيرة لم تعد تترك كنتها تساعدها في أشغالها خوفا عليها من إسقاط الجنين.. باقتراب وصوله بدت أكثر سعادة من قبل،  وهي على أهبَّة الاستعداد لاستقباله بأحضان الشوق والحنان.

بناء غرفة رزق وتجهيزها بالمفروشات المناسبة لسنه أضاف لقلبها رشات سعادة ايضا.

في زيارة خاطفة اطمأنت عليه.. أخبرتها رضوى بأنها ستعمل على تسجيله في المدرسة في العام القادم، وحدثتها عن سعفان الذي يهددها بالإساءة إليها إذا لم ترسل له مبلغا كبيرا من المال، وسيدعي أنه تركها لأمور أخلاقية.

قالت لها مطمئنة:

–        لاتعطيه شيئًا وليقل ما يشاء.. الجميع يعلم من هي رضوى ومن هو سعفان.

–         لسانه سليط يا خالة.

–        إن تكلم يقطعه القانون.

اطمأنت رضوى كما اطمأنت وجيهة.. لم يعد زوجها يفكر بالتعدد بعد اعتذار أهل الفتاة، وغدرهم به كما ادعى عندما قرروا تزويجها بابن خالتها (وافد الربيع) الذي كان غائبا لسنوات في الخليج وعاد منذ يومين، تقدم لخطبتها قبل السفر.. رفض أهلها لعدم رغبتهم في سفر ابنتهم إلى خارج الجزيرة، وقد انتهى المانع لديهم بعودته وهو أولى بها كما قالوا من رجل متزوج وله أولاد، وإن كانت قد تخطت الثلاثين من العمر. فرحت وجيهة بالخبر.. قالت لأمها :

–        رجع  عقله لرأسه ورمى بفكرة الزواج خارجه.

ضحكت سراب عندما أخبرتها حماتها بما قالته وجيهة.. سأتها:

–        أحقا يذهب عقل الرجل إذا أراد التعدد؟

–        كلام نسوان، الزوجة تقول طار عقله لأنه طار منها، والثانية تقول عنه رجل عاقل لأنها ستصبح عقيلته.

–        أيهما على  حق؟

–        الحق يظل حقا، ولكن في هذه الحال كل منهما تعتبر الحق معها.. تندلع الحرائق بينهما.. تدخل الزوجة الثانية من باب، وتخرج السعادة وراحة البال من باب آخر.

–        الحمد لله رجال الجزيرة لا يتزوجون على نسائهم.

–        هنا نادرا ما يتزوجون، ولكن للبعض منهم زوجات خارج الجزيرة.

–        المهم ألا ترى المرأة ضرتها.

–        ولكنها تبقى ضرة رأتها أم لم ترها.. تشاركها الزوج والمال، باختصار الضرة مرة ولولا أن أحل الله التعدد ما رضيت به أنثى.

–        صدقت، فالله سبحانه وتعالى أعلم منا بالناس وبظروفهم، وكل ما شرعه لنا هو في مصلحتنا، ولكن النفس الإنسانية ترفض بكبر الانصياع  لأمر الخالق، إلا من رحم ربي.

–        لا أخفيك سرا ، كنت سأزوج عادل قبل أن تحملي ..

–        علمت بذلك.. تضايقت.. بكيت، ولكن الله لم يشأ له التعدد، وسيرزقه الولد مني.

سراب تحب عادل.. سعيدة بحياتها معه رغم بساطته وضيق أحواله المادية.. بعد حملها ازدادت سعادة لأنها ستحقق لزوجها ولنفسها ولحماتها الحلم بطفل يملأ البيت حياة.. وهاهو الحلم سيتجسد حقيقة خلال أيام..

كان الجو الليلة هادئا عندما خرجت مع زوجها للمشي.. كانت تحس بالتعب فآثرت الرجوع إلى المنزل.. في طريق العودة عرَّجت على بيت أبيها للاطمئنان عليه، فالهاتف يظل قاصرا عن الإيفاء براحتها النفسيه تجاهه.. أسعدته زيارتها.. أبدى لها تشوقه لرؤية حفيده  الأول.. همس في أذنها عندما انفرد بها :

–        لهاشم هدية مني ستذهل الجميع.

بقلم

زاهية بنت البحر

 

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)50

0

 

ليلة عاصفة انتزعت النعاس من عيني سراب بينما لاذ عادل وأمه بدفء لحافهما وغطَّا في نوم عميق.. نهضت من سريرها.. مشت إلى  فناء الدار.. كانت الأشجار تهتز فوق رأسها بجنون وأوراقها تتساقط على الأرض التي ملأتها الغبار..

اقتربت من النافذة المطلة على البحر.. فتحتها بهدوء.. نظرت إلى الأجواء خارج البيت.. كان الظلام يخيم على ما وصل إليه نظرها بينما ظهرت الصخور الضخمة- الرابضة حول أطراف الجزيرة منذ زمن عتيق لا يعلم مداه إلا الله- كأنها أشباح تختبئ خلف ملاءات الظلام.. اتسعت عيناها باتساع الفضول في البحث عن شيء قد يهدِّئ من استفحال أرقها.. عواء الريح جعلها تحس بارتعاشة يديها اللتين سكنتهما البرودة طلبا للدفء من حرارة جسم الحامل.

ارتدت إلى الوراء بضيق أحسته في صدرها.. أغلقت النافذة.. مشت إلى المطبخ.. حضَّرت كأسا من مغلي اليانسون الذي وصفته له درة للنوم رغبة باسترضاء النعاس الهارب منها بصوت العاصفة.

وهي ترتشف ماصنعته ساخنا، سمعت صوت حبات المطر تنهمر بهدوء بديع، ما لبثت أن ازدادت شدة انهمارها وهي تقطع الطريق إلى غرفتها، تفوح منها رائحة الشجر والأتربة التي أنعشت نفسها، فراحت تستنشقها بملء رئتيها.

أحست بشيء من الراحة، وكثير من النشاط ناسية كل ماكانت به قبل قليل من خوف وارتعاش، فوقفت بباب الغرفة تنعم النظر بخيوط هطول المطر وصوت انسيابه الساحر تقابله دقات قلبها بسعادة عارمة تملأ صدر طفلة بجسد امرأة، بينما كان القمرالذي لم يكتمل بعد مختبئا خلف ستار سميك من الغيوم الداكنة عن عيونها المتطلعة إليه برجاء الظهور ولو لبعض وقت.

سمعت صوتا من خلفها

–        ماذا تفعلين هنا؟

التفتت إلى الوار مبسملة بخوف:

–        ماالذي أيقظك أنت الآن؟

–        افتقدتك في السرير فقمت أبحث عنك.

–        أنظر ياعادل إنها تمطر.

–        مابك، كأنك ترين المطر لأول مرة؟!!

–        فعلا، هذا إحساسي الآن، قبل قليل كنت خائفة لكن انهمار المطر أطفأ جذوة خوفي.

–        الحمد لله الذي أطفأها قبل أن تحرقنا جميعا.. عودي إلى سريرك فالبرد يؤذيك ويؤذي الجنين.

–  عادل لماذا يختبئ القمر خلف الغيوم ؟

–        سؤال غريب، أحقا لا تعرفين لماذا؟

–        بل أعرف، ولكن ألا يحق له الظهور رغم الاحتجاب؟

–        أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ماالذي أصابك ياسراب؟

–        لم يصبني شيء، أسئلة تخطر ببالي ..  هل السؤال حرام؟

–         لا.. لم أقل ذلك

–  أجبني إذا؟

–  حسنا.. عودي إلى النوم، وغدا تسألين وأجيبك.

 

عادت إلى سريرها والأسئلة تلح عليها، هي تعرف الإجابة لكنها رفضتها، وراحت تبحث عن إجابات جديدة لم تعثر عليها، فاعتقلها النوم، وألقى بها فريسة بين فكيه حتى الصباح.

كان منظر حماتها وهي تنظف بهو الدار صباحا من أوراق الأشجار والأتربة التي سقطت معها بحبات المطر، يوحي لها بنشاطها وقوتها التي تحتفظ بها حتى الآن، فكبَّرت بسرِّها وحصنتها بالله.

سألتها درة دون أن تنظر إليها

–        كيف كانت الليلة؟

–        حاصرني الخوف فيها ثم حررني المطر.

–        تنطقين جواهر..

–        تعلمت منك.

–        تعلمي أيضا ألا تخافي ، فإن خفتِ ولم تمطر قضى الخوف عليك.

–         أخفتني ياامرأة عمي..

–        لن يقضي خوفك عليك الآن، لأن كلامي مطر خير لن ينالك به سوء بإذن الله.

 

        بقلم

        زاهية بنت البحر

تشطير زاهية لبيتين من قصيدة للشاعر مازن عبد الجبار

2

ولربما يبدو قبول رزيئةٍ=(في كفِّها نصلٌ لسيفِ عداءِ
يلقى بها المضطر في إعثارِهِ)=حلاً لنحر بقية الأرزاءِ

والحل في المهوى قبول بليّةٍ=(لكنَّها داءٌ بغيرِ دواءِ
فانهضْ وقلْ: ياربُّ(إن حلَّ البلا)=حينا لدرء حدوث شر بلاءِ

اللون الأزرق للشاعر مازن عبد الجبار
اللون الأخضر للشاعرة زاهية بنت البحر