Mryam M.Y

Just another WordPress.com weblog

Daily Archives: June 26, 2011

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)88

0

استنفرت العقول والقلوب والأرواح .. وقفت على أهبة الاستعداد لتلقي  خبر مجهول قادم يكدح إليهم كدحا من وراء الغيب لا يدري أحد ما يحمل لهم من أنباء.. الكل يخفضون رؤوس كبريائهم خجلا من الرحمن.. ضعفاء يقرون بذلك في معمعة الحدث.. متمردون بما يحملونه من فكر، وما يتشدقون به من قول لا يغني ولا يسمن من جوع..

كل نفس فيهم تشعر بخوف تجهله لا تدري متى يحط رحاله في طريقها.. تحاول ستره في أعماقها بين صخور  هشة مختلَقة من أوهام بالية.. تسخو عليها برشات قوة  لتضعف عزمها في التحرر من قيد الستر الواهي.

بين الخوف والرجاء  تشرد العقول في عالم غريب .. كئيب تشم فيه رائحة الموت.. ترتعد فرائصها.. تهرب إلى أبعد من حدود البعد الأول .. إلى أين المفر  وقد فرَّت منها الاتجاهات تجنبا للقاء؟

الصدور تئن  بحذر لا يسمع  أنينها إلا جدران متآكلة يتردد بينها صدىً مفزعا.. خجلى بنفسها.. تكتم ضعفها عن آذان  سواها.. تتخارس بعقم القوة في مواجهة الحقيقة..

للبحرأمواج، وللصدور أمواج لايعلم هوية جواريها إلا الله.. أمام هياج البحر تثور أمواج الصدور.. ماذا تريد؟

 تضرب علية بيد اعتراض على صدرها المائج بالرهبة.. ترتد الضربة منه إلى شعورها المتشح بالقلق والأسى مخترقة ألف جدار وجدار.. سنوات عمرٍ مديد مرت كلمح البصر.. عجزت فيها عن قبض لحظة منها بكف إرادة  قوية مازلت تظن بها خيرا.. خافت على زوجها فحرمته رؤية ابنته.. سراب ابتعدت كثيرا رغم القرب..

هاهو الزورق يظهرعلى قمة جبل مائي قاتم اللون.. من أين أتى بالقتام ولماذا؟

 لم يغرق بمن فيه.. كم هي طويلة لحظة ظهوره.. آلاف الفكر تجتاح الرؤوس  محزنة ومفرحة.. كم يحتاج الزورق من الوقت لقطع المسافة بين الجزيرة والبر؟ ربع ساعة أو ربما ثلث ساعة في الأحوال العادية والطقس وديع، أما اليوم فللبحر مع الزورق شأن آخر..

 يقتلع الخوف أمن القلوب.. تنهب الحلكة شعاع الضوء.. يرتد النهار ليلا، والدفء بردًا، والأمل يأسا.. تجري أم عادل على غير هدى إلى السقالة لتكون أقرب إلى عادل.. تناديه بصوت عالٍ متهدج أغرقته دموع الشجن:

–          عادل.. عادل.. إرجاع يا إمي..

تخطف الريح النداء.. تهرب به بعيدا.. بعيدا عن أذني عادل.. والزورق يدور حول نفسه بين ارتفاعٍ وانخفاض.. الريح تعزف لحن الرهبة، والأمواج تراقص بجنون مركب مغامرة صُبغ جوفُه بلون الجوري الأحمر.

يجلس عادل قرب سراب ممسكا بيديها والدموع تتدفق فوق خديه.. صراخ سراب يمزق ستار الريح الغجرية.. يضع رأسه فوق صدرها تائها يشهق بالبكاء.. الشبان في غرفة القيادة في هلع شديد على المرأة ومن البحر.. الجنين في بطن أمه يتقلب بضيق بين أمواج المخاض المشتدة ضربا بالرحم.

تنظر إليه برجاء.. يطرق رأسه في الأرض عجزا.. تزداد صراخا.. تضرب بيديها صدره.. تغرس أسنانها في يده.. تنزف دما.. لا يحس ألما.. يحضنها بصدره.. تزداد صراخا..

تنادي درة:

–          ارجاع ياعادل..

وعادل لايسمع سوى أنين سراب وصراخا ينذر بكارثة..

بقلم

زاهية بنت البحر

بانتظار الأمل( رواية بقلم زاهية بنت البحر)87

4

بلهفتيها حاضرا وماضيا كانت تراه قمرا يغطس في زرقة الماء داخل سياج رأسها الصغيرة.. يرفع رأسه الأصغر مفتوح العينين باسم الثغر.. يتعالى تصفيق رفاقه بحرارة.. ماذا يفعل  وحيدها ليستحق هذا التصفيق؟

  خافت عليه عندما علمت أنه يباري حمدان فيمن يتحمل البقاء تحت الماء أكثر.. همت بتأنيبه خوفا عليه من انقطاع  تنفسه في لحظة غدر..

أحست بسكاكين الخوف تحز على قلبها.. تقطعه إربا إربا.. امتشقت قامتها بهمة الشباب، ومضت إليه بحنان الأم.. رآها.. أقبل إليها عندما نادت عليه.. هددته بالعودة إلى البيت إن هو استمر بهذه اللعبة المؤذية.. استجاب لرغبتها كي لايمنع من السباحة في هذا اليوم الجميل.. عاد مع حمدان  لتسلق الصخور والقفز إلى البحر.. رجعت هي إلى النسوة يتسلين بمراقبة فلذاتهن وبما أحضرن معهن من طعام وفاكهة ومكسرات..

رأته فوق الصخرة واقفا..أشارت له بأن يقفز بهدوء.. أومأ لها بالموافقة.. قدمت لها أم أحمد كأسا من الشاي.. تناولته منها وهي تسمع صوت الماء عندما ارتطم به جسد عادل الذي  رمى  به حمدان في البحر دون أن تراه..

قربت الكأس من فمها.. ارتشفت منه قليلا وعيناها تبحثان عن عادل.. لم تجده بين الأولاد.. “أين ذهب؟”.. نهضت مسرعة باتجاه المكان الذي كان يقفز إليه .. لم تنتظر ريثما تتأكد من أنه تحت الماء.. ألقت بنفسها في  البحر حيث رأته غارقا دون حراك.. أخرجته إلى الشط لتفرغ ما امتلأت به معدته من مياه مالحة..

بكت يومها كثيرا.. دفنت دموعها بشعر رأسه، ونشَّفت عينيها بصدره.. منعته من السباحة شهرا كاملا إلى أن شفي جلد ظهره الذي  جمَّره البحر عندما ارتطم به بقوة.. يالتلك الذاكرة التي تسري بها إلى الوراء على جناح الخوف الممتدة ظلاله فوق بساط الأمس واليوم..

تعب صدرها من اللهاث.. لايهم.. تركض .. تركض  لتطاله يداها قبل الغرق الذي أنقذته منه صغيرا.. شعورها الرقيق عالم ليس له حدود.. نسرطليق يجوب  الفضاء بجناحي أنثى معذبة تسعدها ابتسامة في عيني وحيدها.. زادتها الذكرى خوفا، والغرق اكتئابا.. تسرع أكثر .. تحس بأن قدميها مقيدتان وهما تشقان الطريق في سباق مع الزمن..

الرجل أمامها على بعد أمتار مسرع هو الآخر .. حسيبة لجمها الخوف فآثرت الصمت وشَّدت بالمسير.. سبقتها درة قليلة فهي أقل منها وزنا.. ظهر البحر لهما.. قابلتهما وجوه غطاها القلق.. نظرت إلى السقالة.. لم ترَ عادل ولا سراب.. رأت الدموع تنساب من عيني علية ويداها ممتدتان نحو السماء، وفمها يلهج بالدعاء.. بينما انكمشت وجيهة على نفسها في مكان بعيد عن زوجها مرتعدة منه ومما ينتظر الجميع.. نظرت إلى البحر تتفقد جواريه المتخبطة فوق الأمواج.. رأت الزورق في الميناء قبل خروجه إلى عرض البحر وقد حمي وطيس المعركة بينهما.. كادت تهوي فوق الأرض فأمسكت بها لمى وشيماء دون أن تنبسا ببنت شفة..

اصطف الجميع قرب الحائط وعيونهم معلقة بالزورق..

بقلم

زاهية بنت البحر

%d bloggers like this: