Mryam M.Y

Just another WordPress.com weblog

Daily Archives: June 21, 2011

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)81

2

فتحت فوهة قلبها.. ضغطت فوق زناد البوح.. انطلقت الكلمات رشا ودراكا، فأصابت قلب مستمعتها بموجع.. أفضت درة لحسيبة بكل شيء.. كانت صادقة بما قالته.. تكلمت بوضوح عما كانت عليه من أحلام وردية رعتها عمرا مديدا.. سقتها برحيق  شبابها.. قلمت أشواك اليأس من حولها بمقرض الصبر.. ظللتها برموش حنانها.. فربت وارتفعت سوقها عاليا.. اخضرت.. أثمرت، وظلت تنتظر قطافها بلهفة الشوق إلى ما قبل دقائق معدودة.. أتراها كانت تخادع نفسها بأن تلد سراب بسلام، فيأتي هاشم إلى الدنيا.. يحمل اسم جده.

 أشياء كثيرة كانت تبرق في مخيلتها متشحة بالأمل.. والآن تقهقرت جحافل الخداع.. انكشفت الرؤية  جلية.. ضاعت أحلامها الوردية، بل تبلورت أمامها الحقيقة واضحة كتلك الشمس التي بدأت تتهيَّأ لمغادرة خدرها الشرقي  بصحبة عرائس الشفق بهالة سحر فاتنة.. لا مجال بعد الآن للخداع.. البحر هائج، والوصول إلى البر الثاني مستحيل.. سراب لن تلد والعودة بها إلى البيت هو أفضل ما يقدمه لها الجميع.. هي طلبت منها ذلك.. قالت ” إنني أموت”.

لولا إيمانها لظنت بأن للبحر وللريح تأثيرًا غريبًا على  نفسها بما هي فيه من اضطراب.. لم تكن يوما كما هي الآن.. بدأت تشك في نفسها بأمور كثيرة.. تريد مساعدة من أحد يقول لها الحقيقة التي تتخيلها كل لحظة بشكل مختلف عما سبقه.. سألت حسيبة أن ترشدها فهي متعبة جسديا ونفسيًا حدَّ الوهن.. تخشى اتخاذ قرارٍ ما قد يعود عليها بالندم .

شجعتها حسيبة على العودة بسراب إلى البيت وأخبرتها برأي زوجها.. ابتسمت درة بسرها واطمأنت إلى صواب فكرتها.. بقي أمامها  إقناع عادل بما ارتأت.. ترى هل سيقتنع برأي والدته وحسيبة وزوجها وقد خالف قبل قليل رأي رجال لايستهين برأيهم إلا مكابر أو مغامرأو أبله؟ وإن اقتنع عادل بقول درة، فهل ستقبل عليَّة بقرار قتل ابنتها؟

عندما تفتح الروح على منافي الوعي نوافذ نور، تجتاز بعين البصيرة عالم الظلمة بكل ما فيه من تخبط بوحل الحياة فكرا وعملا.. تتسلق على سلالم الحق إلى سدرة الرضا وهي ترى اغتيال اليأس بمدية الأمل بعد تشردٍ في أزقته المعتمة زمنا طويلا.. هناك  تنادم  النفس على بساطِ المحبة.. ترفرف حولهما فراشاتُ ربيع  دائم الابتسام بأزهى الألوان وأعطر الأزاهير، وأروع رفيف..

لابد من دموع آتية.. من حزن يجرح القلوب.. يفتت الصدر حسرة وألما.. لن تحمل السلم بالعرض فالطريق ليست ملكا لها.. هي لكل العابرين.. زد يابحر جنونك فلكل شيء نهاية.. أيها المأمور ماأضعفك رغم هياجك المرعب..

أم هاشم يا وجه الصبح المشرق في قلوب أحبتك، لنعد إلى البيت والنبض يلهج  بالدعاء لك بالخلاص.. سراب يا فلذة لم تحملها رحمي.. سأظل أدعو لك بالسلامة.. زينب توفيت في المستشفى رغم التفاف الأطباء حولها.. نزفت.. نزفت ومع النزف خرجت الروح، وأخرجت زين من بطن أمها بقيصرية قبل تمام الأشهر السبعة.

 ذكرتها حسيبة بقصة زينب لتجدد تذكرها بأن الأعمار بيد الله.. ستلدين هنا في الجزيرة ياسراب دون أطباء، سيأتي هاشم بإذن الرحمن، فلله معجزات لا يعلم سرها إلا هو.

كانت غارقة في بحر أفكارها المتلاطم الأمواج، ويداها تمسكان بخيمة الساهري التي أعطتها لها حسيبة ومضت عندما رأت عادل يأتي نحوها مسرعا.

بقلم

زاهية بنت البحر

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)80

0

عدة أمتار قطعتها درة باتجاه عادل ومن يكلمهم من الشبان.. رأتهم كالورود المتفتحة.. بعضهم  مازال أمردا.. انهالت على رأسها أفكار شتى من كل صوب.. تذكرت أمها وهي تودع أخاها الأصغرعدنان إلى مثواه الأخير.. كان الفراق مرا.. حارقا.. توفي  شابا في الخامسة عشرة من العمرعندما سقطت  فوق رأسه عتبة  باب الدار وهو يدخل إلى البيت.. كان حادثا مؤلما أودى بحياة والدتها بعده  بزمن قصير.

خلال لحظات معدودة استعادت درة زمن الحادثة وكيفية وقوعها بكل تفاصيلها حتى الصغيرة منها، إنها ذاكرة الحزن التي تتكمش بالنفس والقلب والروح حتى النهاية.. كان عدنان عائدا من  عرس أحد شبان الحارة.. الجميع كانوا بفرح.. الطبول تقرع، والزغاريد تعلو .. الأطفال والشبان والرجال كلهم يرقصون ويغنون.. انتهى العرس.. عاد الرجال إلى بيوتهم بعد أن أوصلوا العريس إلى دارأهل العروس ليصطحبها إلى بيتها الجديد..

كيف سقطت عتبة الباب فوق رأس عدنان لا أحد يعرف.. العتبة كانت حجرا كبيرا.. ثقيل الوزن أنهت حياته خلال لحظات محوِّلة فرح الجزيرة إلى  بكاء وعويل.. مات عدنان تاركا في قلب أحبته جرحا لم  يشفه مرور الزمن وتقادم الحدث.

لله در هؤلاء الأقمار وهم يقفون مع عادل بوجوه جمَّرها البرد بحرارة الشباب.. لا لن تسمح لهم بركوب الزورق مهما كانت الأسباب.. حياتهم أهم من الجميع.. لن تثكل أمهاتهم بهم.. فإن كان ولابد من مساعدة فلينقلوا سراب إلى الزورق وليرجعوا إلى أهاليهم فليس لهم في الأمر ناقة ولا جمل.

توقفت مكانها.. التفتت إلى الوراء.. رأت لمى تقف خلفها دون حراك.. اقتربت منها.. لمست يديها.. وجدتهما باردتين والزرقة تصبغ شفتيها.. أمسكت بها، وراحت تدعك بكفيها كفَيْ  الفتاة لتدفئهما، ثم مشت بها مسرعة إلى مكان لا تهطل فوقه الأمطار.

غادرت  حسيبة بيتها وهي تحمل بكلتا يديها خيمة الساهري الثقيلة  لعدم وجود من يحملها معها، فالتقت بأم عادل وهي تطلب من لمى العودة إلى البيت  خشية أن تصاب بالمرض  بتأثير البرد الشديد. رفضت لمى  بشدة وصممت على البقاء معهم إلى أن يبحر الزورق بسراب، فاستحلفتها العجوز بالله أن تلبي طلبها بالذهاب،  فانصاعت مرغمة وغادرت المكان.

سؤال غريب خطر في بال درة، ترى لو كان النبل إنسانا كيف سيكون  تجسده؟ أتراه يشبه البشر؟ ابتسمت وهي تجيب عن سؤالها الخفي:

–           النبل كلمة  من ثلاثة أحرف، لكنها بوسع الفكر والإحساس والرؤى  روعة وجمالا، هو خلة  نادرة قل من حملت  نفوسهم بها، وأنجبت حسن أعمالٍ،  اطمئني يادرة لن يكون النبل على شكل البشر ، ولكن ماأنبل  لمى وحسيبة يادرة، ماأنبلهما!!!

ما الذي يتفتح هذا الصباح في  أكمام نفس درة؟ من المفروض أن تلد اليوم  سراب هاشم،  الجميع بانتظاره، ولكن أم عادل العجوز  وجدت نفسها  دون سابق إنذار تلد أمورا كثيرة لم تخطر لها في بال ربما كانت حامل بها منذ زمن دون أن تدري، فاندلقت من بياض نفسها الشفيفة دفعة واحدة في وقت قصير طال مخاضه عمرا بحاله مرت بها سنونه عجافا حبيسة الألم والحرمان.

بقلم

زاهية بنت البحر

%d bloggers like this: