Mryam M.Y

Just another WordPress.com weblog

Daily Archives: June 7, 2011

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)73

0

لم تكن هذه المرة هي الاولى التي يرى بها عادل البحر هائجا، فقد سبق له خوض غمار البحر الأبيض والبحر الأحمر، والبحر الأسود،  والمحيط الهندي، وخاضت السفن التي كان على متنها معارك طاحنة مع الأمواج الطويلة والمرتفعة، ولكنها المرة الأولى التي يخاف  فيها من البحر لقلقه على زوجته.. يراه الآن وحشا بشعا بأنياب وأظافر.. ما هذا؟!! سأل نفسه كيف تمت الوحدة الليلة بين غضبين ثائرين، غضب البحر، وغضب الريح؟

البحر يضرب شواطئ الجزيرة وصخورَها بكل ما أوتي من قوة وجبروت بيد من  غلٍّ وحقدٍ لئيم..  تشد أزره ريح هوجاء تآمرت معه على براءة طفلةِ البحر المدللة، فيقسوا عليها برهبةٍ ربما لم تشهد لها مثيلا على مدى حياة أكبر معمريها سنا.

هجوم البحر  الليلة على الميناء الصغير كان مختلفا.. كسر أرضية مناطق كثيرة منه..  خطف بعض فلايك الصيد الصغيرة رغم سهر أصحابها على الرصيف الحزين لحمايتها، ولكن هيهات أن تقاوم العين المخرز.. حطمت الريح الخيام  المنصوبة فوق المقاهي،  والاستراحات المنتشرة على طول امتداد الكورنيش الضيق القصير، التي يقصدها السياح من كل بقاع الأرض ليتذوقوا السمكة الحرَّة، والصيادية التي اشتهرت بها الجزيرة، وليروا معالم تلك السابحة فوق البحر.. الجميلة بكل ما فيها من آثار تاريخية تحكي حضارة بلدنا، وأصالته الريادية منذ أقدم عصور التاريخ.

تضاءل حماس بعض النسوة بالبقاء في مهب الريح تحت انهمار المطر، فغادرت أم أحمد  الكورنيش لألم أحسته في ظهرها، وغثيان  مفاجئ، تمسك بها شيماء الرابح  تاركة لمى حاملة  بقجة هاشم على أن تلحق بها بعد  إبحار الزورق  بمن سيرافق سراب، وبقيت القابلة مع سراب تراقبها دون ان تظهر على وجهها بشائر مفرحة.

تعاون عادل ووجيهة ووالدته في حمل النقالة، ووضعها  قرب حائط أحد المقاهي ريثما يتفقد زورق فاضل، والاتفاق على طريقة نقل سراب إليه،  فهو لا يريد أن يشاركه أحد في ذلك، رغم أنه  قد يضطر أمام انفلات الريح والبحر للاستعانة بفاضل أو ربما ببعض العائدين من صلاة الفجر، ولكن كيف سيكون ذلك والزورق بحاجة لقائده للمحافظة عليه من الأمواج؟

للحظات خيل لعادل أنه سيفقد عقله.. يتماسك مثبتا قدميه في أعماق الصبر، فحبيبته على شفا هلاك.. لن تعوضه عنها ألف ألف أنثى بل كل النساء.. هي بين يديه في شبه غيبوبة عدا عن أنين يجرح قلب الصخر.. يشتاق لبسمة تتلألأ فوق ثغرها.. لدمعة فرح تنهمر من مقلتيها.. لهمسة تملأ الكون تغريدا..

–          آه منك يابحر، وآه منك ياريح ألا تسمعان صوت تألمها؟ ألا تعرفان الرحمة؟ بالله عليكما خذا قلبي.. أحاسيسي.. تذوقا ما ألاقي من ألم، فربما يتولد فيكما  شيء من  شعورٍ إنساني يقيني شرَّكما .

حلم يولد وأمل يخمد نوره.. تناوشه الآلام.. يتركها برعاية أمها وأمه ويذهب للبحث عن فاضل..  خيوط المطر المتشابكة تحجب عنه الرؤية والشمس مازالت في خدرها تتزين للشروق.

من بعيد يسمع صوت امرأة .. يصغي سمعا.. يقترب الصوت ويغيب مع صوت قصف الرعد وعواء الريح.. ينصت اكثر.. يتجه إلى مصدر  بعيد حدده رادار أذنيه.. قرأ هوية الصوت.. يحس بانقباض في صدره.. إنها هي والدة فاضل .

بقلم

زاهية بنت البحر

%d bloggers like this: