Mryam M.Y

Just another WordPress.com weblog

Daily Archives: June 2, 2011

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)69

0

تحدَّر الدمع من عينيه غزيرا.. لم يمسحه بكم قميصه خجلا ممن قد يراه مصادفة في طريقه.. خالف الليلة تعاليم أمه كثيرا.. قالت له ذات يوم:

–         الرجال لا يبكون..

لِمَ لا يبكون، أوليسوا بشرا من دم ولحم؟ أوليس في صدورهم قلوب إنسانية تحس.. تحزن، وتفرح، تحب وتكره؟ أم أنها قلوب فقدت هويتها الإنسانية، وانتسبت لعالم آخر لا يعرف شفقة ولا رحمة؟!! قال لها:

–         الدمع رحمة ياأم يطفئ نارا تتقد بها القلوب .

–         قد يصبح زيتا يؤجج النيران..

سراب حبيبته تستحق بحورا من الدموع، وجداول من العطر.. ليته يستطيع استعارة قلوب كل الناس للحظة واحدة يمزج أحاسيسهم بإحساسه المشتعل ليحسوا به.. ليتذوقوا معنى الألم على حبيب يموت أمامهم وهم مقيدون لا يستطيعون إنقاذه.. صدقت درة عندما كانت تقول له:

–         ضع أصبعك في عينك.. ما يؤلمك يؤلم الناس..

لم يفهم كثيرا يومها هذا القول.. فهمه الآن وبعمق، ولكن من يتألم لأجله؟ أم فاضل منعت ابنها من مساعدته.. هي أم ومن حقها المحافظة على حياة ابنها مثله تماما، فهو يسعى للمحافظة على حياة سراب وابنه فلماذا يلومها؟ أيريدها أن تخرج إلى الشاطئ تودع فلذتها وهي ترسله إلى الموت؟ أتراها تكون عاقلة إن فعلت هذا، أم قاتلة؟

–         لكنها سراب، وتستحق المخاطرة..

بالنسبة لك تستحق المخاطرة، أما بالنسبة لسواك فلا يستحق أمرها عندهم المخاطرة بحياتهم.

لا يريد أن يسمع  من عقله هذا الكلام رغم اقتناعه به.. ركض في الطريق على غير هدى.. إلى أين تهرب من الحقيقة؟ يركض.. يركض، وعصا الريح تجلد وجهه وظهره فيئنّ باقي الجسد.

ظن أنه يسمع صوت وقع أقدامه فوق المياه التي تتدفق في الطريق باتجاه البحر، خطوات هادرة توقظ أذن الليل.. يزداد الصوت وضوحا وداخله قهرا.. توقف.. انتبه بكل حواسه الشارد منها والهائم في طرقات البحث عن حل لما هو فيه.. التفت إلى الوراء.. رآه يركض باتجاهه وهو يناديه..

صحا من ذهوله وهو يصافح فاضل بكلتا يديه.. ضمه إلى صدره، والدمع ينساب فوق خديه مع حبات المطر.

–         أين ذهبت يارجل، لم أجدك هناك فلحقت بك.

–         خذ كل مالي يا فاضل أجرا لزورقك.

–         إنقاذ زوجتك هو أغلى من كل المال.

 

قبل قليل كاد اليأس يرحل به في متاهات القلق بأنفاس حرى تنزف من جرح الروح المضمخة بالحزن المرير.. حاول التبرؤ من اليأس فوجد نفسه يغرق في بحر تبرأت منه الشهامة واستعمرته الأنانية بأبشع صورها.. تحت المطر ركض مشرد الفكر تائه الخطوات.. سجين القتام، فامتدت نحوه يد العناية تنتشله من هياج النفس الغارقة في خضم الضياع.

بعد أن ظن بأن ظلامه أبدي دامس، وقد فات أوان الشروق وسيمضي عمره بسهاد وذبول، هاهي الشمس من جديد ترفع عن وجهها من وراء أفق ظنونه طرف خمارها على استحياء قبل وقت الشروق، فأي صباح سينعم به ويد الأمل تمتد نحوه بيد فاضل؟

 بقلم

زاهية بنت البحر

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)68

1

كم يلزمنا من الطمأنينة لنحس بالأمن، ومن الأيمان لنصدِّق الوعد، ومن الإيمان لنسموَ بالنفس، ومن الكثير لنعرف قيمة القليل..

سلَّ شجاعته ببسالة هذه المرة دون تردد.. ألقى بغمدها بعيدا عنه.. لايريد أي موانع صادة لها.. هذا وقت الإقدام.. وقت استعراض ماخبأه لحاجة لاتحتمل تأخيرا.. قرع باب فاضل وصدى صوت الجرس يقرع أذنيه بمطارق من حديد تمنى أن يعود صداها إليه نغما.. انتظر بندى الصبر فوق جبينه أن يرى على شفاهه بسمة رضا حرَّة.. أن يسمع منه همسة دفء  تشرق في روحه بصيص أمل..

سريعة تمر الدقائق.. الساعات.. السنون وينتهي العمر.. اخترق حاجز الزمن بلحظاتِ انتظاره رد فاضل عليه.. امتطى صهوة الفكر.. سأل نفسه كيف يمر الوقت دون أن نشعر به.. كيف يهرب منا.. يقهرنا، فلا نستطيع الإمساك بلحظة واحدة منه؟ كيف يعمل العقل بأشياء كثيرة خلال لحظة واحدة.. يرى ويفكر ويقدر ويقرر، كاد عقله يفلت منه.. شريط حياته يمر أمامه متمردا على القمع الرزين.. طفل .. فتى.. مراهق.. شاب.. رجل وزوج لسراب والآن أب رهن قيد الولادة.. عجيب أمر الرؤى.. لماذا هجمت عليه عند باب فاضل محملة بكل ماضيه وحاضره.. أتراه هرب من تفكيره بما يحمل المستقبل له من مفاجآت لايحب حدوثها؟

 عند باب فاضل كان المنعطف، فازداد قلقه وخوفه جهلا بالجهة التي سيعود منها إلى البيت بزاد لايدري ماهية طعمه.

تراجعت نبرة شجاعته خطوة إلى الوراء.. أعاد قرع الباب بشيء من الضعف.. بينما داخله يغلي ويفور.. يطفُّ بركانا.. يحرق جوارحه بلهفة تمردت على قمع السجان. تجرأ بالنداء:مشاهدة المقالة

–       فاضل.. فاضل..

سمع صوت باب داخلي يفتح.. صوت خطوات بعيدة تقترب.. يعيد النداء:

–       فاضل..

يفتح الباب.. يخيل إليه أن باب النجاة قد فتح لسراب وسيدخلانه معا.. يبتسم في وجه القادم ابتسامة مسكين يرجو العون وهو يلقي عليه التحية.. يرد عليه بابتسامة فيها الكثير من التساؤل عما جاء به في هذه الساعة المبكرة من الصباح وقد بلله المطر.. أحس عادل من خلالها بصدق حدسه عندما صافحه بدفء يده مرحبا به، فهللت عيناه مكبرتين ببريق الشكر..

التفت فاضل إلى داخل داره، فرأى والدته تقف بباب الغرفة تستمع لما يدور بينهما، وقد ظهرت على وجهها علامات الغضب.

أحرجه لجوء عادل إليه في ظرف يستوجب المروءة والشهامة في مساعدة الملهوف، ولكنه لم يكن ملك نفسه، فحرية اتخاذ القرار اليوم لاتخصه وحده، ولابد من استشارة من يشاركونه حياته، أم صعبة المراس.. زوجة وأولاد.

لم يعطه جوابا متسرعا.. دخل إلى البيت بينما ظل عادل بانتظاره تحت المطر، والنار تزداد في قلبه اتقادا.

سمع صوته وهو يحاول تهدئة والدته.. تصرخ بصوت عال رافضة أن تتركه يخاطر بحياته مهما كانت الأسباب، وعندما وجدت ابنها قد قرر ركوب البحر، راحت تسب وتشتم بكلام لايليق بها كسيدة، ولا بابنها الشهم ولا بعادل أيضا..

 اختلط صراخها بالبكاء مما أيقظ أهل البيت، فسمع عادل أصوات الضجيج، فخيل إليه وهو يغادر المكان محتسبا بالله، كي لايحرج فاضل بأن هذه المرأة المتباكية  بومة تظن نفسها يمامة، وصوتها نعيق تحسبه هديلا.

بقلم

زاهية بنت البحر

%d bloggers like this: