Mryam M.Y

Just another WordPress.com weblog

Daily Archives: June 14, 2011

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)78

2

 

هناك في عالمِ الذاكرةِ صباحاتٌ مشرقةٌ وليالٍ مبكيةٌ يبخلُ بها القلبُ.. يوصدُ دونَها الأبوابَ، فتبقى مؤنسةً لهُ في وقتٍ يتلاشى فيه كل شيء.. تكاد النفس تفقدُ هويتَها.. يغمض عينيهِ مستسلماً لوبلِ الذاكرة بإحساس الروح.. يستحم بانهمال الضياء مطهرا ذاته من أدران الحاضر والماضي بما يشبه الوضوء، فوضى أحاسيس قد تكون منظمة، وأحيانا عبثية تؤلم رأس حاملها..

تغرق درة في ذكرياتها حتى الأعماق.. تفتش فيها عن بقعة رمادية.. تهرع إليها.. تستظل تحت عريشها.. تبكي.. تنتحب.. هنا ظلَّ ذنبها رابضا فوق صدر ها.. لم يبرحه منذ انسكابه فوق أديم روحها دمعا أبحر فوق بساط عمرها سنوات طويلة.. إثم لم تكن تظنه ذنبا عندما قيدت حياتها به بقيد من حديد.. ضاربة بعرض الحائط كل ما يخالف قناعتها بهذا الأمر..

 مرات كثيرة أبكت والدتها وأغضبت والدها برفضها الزواج بعد رحيل هاشم.. تطاول حزنها معرِّشا فوقها غيومَ خريفٍ لا أجنحة لرحيلها عن سماءِ نفسها..

 لم تكن درة امرأة غبية.. كانت ذكية.. حكيمة لكنها كانت عاشقة.. مخلصة.. لم تدع لطارقِ نسيانٍ  فرصة لقرع باب ذاكرتها.. أحيانا كانت تغفو عنها باهتمامات عائلية تنصب نهاية في بوتقة حبها الأبدي..

 جناحاها في الحياة كانا عادل ووجيهة تطير بهما إليه كلما هاجمها الشوق له.. تزوجا.. ظلت رغم وحدتها تعيش  حبّه بفلذتيهما.. وماذا بعد.. حفرة كما يقولون متر بمتر.. وماذا بعد الحفرة.. انتهت الحياة، وبات اللقاء مع الموجد وشيكا..

تبكي تسأله العفو والغفران.. ذنبها أنها حرمت نفسها الحياة برحيل هاشم.. وقد يأتي الحفيد فتراه أو لا يأتي.. أهذا ذنب يادرة؟!!

 حارت بما هي فيه.. هكذا هي النفس  تارة فوق قمة الوعي تكون، وتارة أخرى في وادٍ لا قرار له وفي لحظات متقاربة..

–          حائرة أنت الآن.. تتوبين وأنت المرأة الطيبة الحكيمة الصادقة الناصحة؟ حتى الآن مازالت النفس  تلهو بك كتلك الأمواج الهائجة التي توشك  أن تبتلع كل شيء.. يظل الإنسان أيا درة ضعيفا مهما علت سطوته، واتقد ذكاؤه، وقويت عزيمته، وصدقت عاطفته ودام إخلاصه، فهو إنسان في النهاية خلق من ضعف وإليه يعود..

 

خافت.. ارتعشت.. سألت نفسها هل أصابها الخَرَفُ فاختلطت برأسها الأفكار، وامتزج الخوف بدمائها، فنبض به القلب هذيانا تحت المطر، ووطأة حال سراب، وتفجر الذاكرة؟

–          درة أنت الآن في موقف كل شيء فيه يحسب لك أو عليك.. تماسكي يا امرأة.. سراب قربك تتألم.. لماذا تطلب العودة إلى البيت؟ هل فكرت بهذا؟

هبَّت واقفة.. انطلقت  صوب عادل.. مازال يحدث الشبان.. أيقنت أنهم لن يوافقوا كما فعل الرجال إلا إذا كانوا متهورين.. أي قرار الآن سيكون صعبا قبولا كان أو رفضا..

–           ما العمل يا درة أنت الآن أكبر الجميع سنا.. أين الحكمة؟ لا تقفي كالبلهاء.. قبل قليل كنت تطلبين التوبة عن ذنب لا يعده الناس ذنبا بل كفل اليتيم حض الدين عليه.. أما الآن فأنت فعلا أمام ذنب كبير جدا إن وافقت على ركوب البحر وهو ساخط.. أتقدمين أعمار هؤلاء الشبان ومعهم ابنك، وأنت، وسراب  هدية رخيصة لغضب البحر؟ !!

تلحق لمى بأم عادل، بينما تقف أم سراب قربها في محاولة لإبعاد المطر عنها دون فائدة، فقد أغرقت المياه الجميع  وكأنهم  قد خرجوا للتو من بين الأمواج.

بقلم

زاهية بنت البحر

%d bloggers like this: