Mryam M.Y

Just another WordPress.com weblog

Daily Archives: April 23, 2011

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)13

0

 

بتوالي الأيام دخلت سراب مدرسة الحوامل لاول مرة. لم يكن انتسابها سهلا فقد انتظرت سنوات عجافا ريثما فتح لها باب القبول فيها، فبدأت أولا تتذوقُ طعم  الوحام، ومن ثم مضت تعيش تفاصيله بندا، بندًا. بداية كرهت رائحة البحر التي تصدر عنه في بعض الأحيان، فتهرع إلى الحمام، وتفرغ ما في جوفها، وأم عادل تلحق بها بقطعة من ليمون  حامض قيل بأنها تخفف الشعور بالغثيان.

 حارت العجوز بأمرها.. لماذا يحصل هذا مع كنتها عندما تشم رائحة البحر تحديدا، فهي لم تمر بمثل هذه التجربة سابقا أم تراها نسيت ذلك بمرور عدة عقود وألفت تدشؤ البحر كما يقولون؟!!

خافت عليها فقررت اصطحابها إلى طبيب الجزيرة فربما كان في الأمر خطورة، لكن سراب رفضت  ذلك واكتفت بالصمت، وكثرة النوم، وقلة الطعام.

لم يقتصر نفورها على رائحة البحر بل كرهت أشياء كثيرة، وأحبت أشياء أخرى لم تكن على علاقة طيبة بها قبل الوحام.

أصبح الشاي يثير اشمئزازها، فلم تعد تطق تناوله بل بات ذكر اسمه يدفعها للتقيؤ، وكان سابقا من أحب المشروبات إلى نفسها باردا أو ساخنا، والغريب أيضا أنها لم تعد تذكر زوجها كثيرا وإن تحدثت عنه حماتها استأذنتها بالذهاب، ودخلت غرفتها خوف إزعاج العجوز بكلمة أو بالتفاتة تصدر عنها  محملة بما تحسه تجاه عادل من تغير عاطفي فتجرح شعورها به، لكن والدتها أخبرتها عندما التقت بها ذات يوم بأن بعض النساء يشعرن بكره الزوج في الوحام، ومنهن من تترك البيت لعدم استطاعتها رؤيته أو شم رائحة ثيابه، وهذا أمر طبيعي سرعان ما ينتهي بانتهاء مدة الوحام التي قد تستمر أشهرا، فحمدت الله على أن عادل ليس موجودا معها في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها الآن.

سألتها ذات يوم حماتها عما تشتهي من الطعام فقد كانت العجوز تقوم بالطهي في ذلك الوقت لعدم استطاعة سراب شم رائحته المقلي منه والمسلوق، فطلبت منها أن تطبخ ورق  عنب بزيت(يالنجي).

جلست أم عادل بنشاط ملحوظ  تلف اليبرق بمساعدة ابنتها وجيهة التي راحت تغني بصوت هامس لأمها تظهر فيه مدى لهفتها لاستقبال هاشم الصغير على أحر من الجمر، وعيون أم عادل تهمي بكرم دموع الهناء.

في هذه الأثناء بدأت سراب تحد من خروجها من المنزل، فقطعت علاقتها مع صديقاتها وقريباتها بحجة انشغالها بأمور البيت، فعتبن عليها، وبعضهن اتخذن منها موقفًا معاديا، بينما التزمت أخريات بالحياد، وتركن  لسراب حرية التصرف ولم يقلن بحقها إلا خيرا.

 في عزلتها كانت تحس بالضيق مما ينقل لها عما يقال عنها، ولكنها كانت تعود فتبتسم فالأمر لن يطول كثيرًا، فكانت عندما تحسُّ اختناقًا يحاول اقتلاعها من أعماق الصبر في حياة صعبة المراس، تجد نفسها برئة الأمل تتنفَّس، وبحضنه تتدفَّأ، وهي على يقين بأن من يُحرَمْ هذا الحضن يُسلبْ السعادة.. فتسبِّح من جعل لكل داءٍ دواء، فدواء الملل واليأس هوالأمل بكل نوافذه، وشرفاته وحدائقه الغناء.

بقلم

زاهية بنت البحر

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)12

0

 

يتساقط المطر نوراً.. يسقي الروح العطشى الصاهلة على ضفاف الفرح المعشق بالحلم.. المزخرف بالأمل. المعطر بالطهور من الزلال.. تسمو بها اللحظة  بالشكر.. تسجد الجبهة بسكون لخالقِ الممكن واللاممكن، خالق الكون وقوانين الوجود، ويظل النور مضاءً بالفرح..

 هناك في الجهة اليسرى قرب شلالٍ على كتفِ الأمل حيث الظلالِ الواررفة، جلست أم عادل وحيدة تناجي ربها بما تجود به نفسها الصبورة، المؤمنة، الخاشعة، الراضية بقضاء الله وقدره.

أحست بحاجةٍ للبكاء.. إحساس غريب يلهب مشاعرها بفقرها للطمأنينة هذه الليلة.. ما بال قلبها يخفق بحزنه وقد آن له أن يفرح بحَمل سراب؟ّ

رجته قلبا أن يدعها  بلا قلق،  فهي بحاجة لنبضة سعادة تدفئ حولها برد الدنيا. رجته أن يكون صديقها.. أن يتسلق معها قمم الرضا.. أن يحررها من الحزن فقد أضناها عمرا مديدا.. ابتهلت إلى  الله أن يشرِّع لها نوافذ خيرٍ تلقى بها ومن تحبهم النعيم في الدارين.. تشهق بالبكاء.. يغرق وجهها بطهور الدمع علَّه يطفئ في داخلها شعور الحزن.. علَّه..

عبر أمواج الدموع تجد نفسها هناك على الشاطئ الشرقي تحمل بيدها اليمنى طاقة قرنفل حمراء، وحول عنقها طوق من الياسمين تعبق رائحته الشذية في أجوائها الصباحية والشمس تنهض من نومها بابتسامة برتقالية مشرقة، والنسيم يغازل بجرأة فستانها الوردي.

 بخفة شبابها الغض تمتطي صهوة صخرة عجوز مازالت تربض على جفن الجزيرة منذ آلاف السنين..  تتطاول على رؤوس أصابع قدميها الدقيقتين.. تلمح من بعيد فلوكته تتهادى بين الأمواج كعروس خجلى، تقفز إلى صخرة أخرى ومنها إلى أخرى والفلوكة تقترب من الشاطئ.. تراه مبتسما يلوح لها من بعيد، تناديه: هاشم، أطلت الغياب، يجد بالتجديف أكثر.. يقترب.. تنزل عن الصخرة.. تلامس  المياه الباردة قدميها، تحس بقشعريرة تسري في جسدها.. تنتبه.. تفتح عينيها.. أين هاشم؟ أين الفلوكة؟ لم تجد شيئا.

انتفضت خائفة.. فتحت نافذة الغرفة المطلة على البحر، لفحت وجهها نسمات باردة، أغمضت عينيها للحظات.. فتحتهما بكسل.. نظرت إلى السماء.. الظلام الدامس يحجب عنها الرؤية.. أغلقت النافذة.. تأوهت بحرقة وهي تقلب كفيها حسرة وألما فأصعبُ مافي النفسِ الإنسانيةِ ألا تعرفَ أينَ هي ..تموجُ الحياة ُبكلِّ صعبٍ ومريرٍ، ويبقى الأملُ شراعَ السفينِ التائهِ في خضَّمِ العمرِ، يبحثُ عن شاطئِ سلامٍ يتخيلُهُ جميلاً.. هادئاً لاتعصفُ بهِ الأعاصيرُ كذاك الذي يتلظى في صدورِ المساكين بين حريقٍ ورمادٍ.
هي لحظةٌ فارقةٌ بين الحقيقةِ والخيالِ ما أمسكَ بها قلب إلا وصلَ برَ الأمانِ، ولكنَّ مجداف َالخيالِ يظلُّ أقوى، وفورةَ الدماءِ أشد سفحاً بكفِّ الوعدِ الكاذبِ أحيانًا، وتلاعب الأمواج بسفينِ الأمل وقدْ.. وقدْ.. قدْ تغرقُ الرُّكَّابِ..

بقلم

زاهية بنت البحر

شوق لايموت

7

 

غريبٌ أن لاتشتاقَ إليَّ، والأكثرُ غرابةً شوقي الدائمُ إليك… حبُّكَ بلا شكٍ هو قدري.. ماكرهتُك رغمَ قسوِتكَ على قلبي الصغير.. أتذكرُ كم ارتجفَ بين جوانحي وأنت تحضنُني طفلةً شقراءَ ملأت الشمسُ وجنتيها نمشاً فاتنة.. أتذكرُ كم جرَّحتْ صخورُك أقدامي وحفرتْ فوقَها بصمةً تذكِّرُني بك كلما أوشكتُ أن أنسى ملوحةَ مائِك، وهديرَ أمواجكَ وهي تضربُ جبَّارةً أطرافَ جزيرتي الوادعةِ أيها البحرُ الحبيب؟

إحساسٌ غريبٌ ينازعُني فرحي.. كأنَّ شيئاً ما يسرقُني من أنا.. يلقي بي في حضنِ حزنٍ موجعٍ كأنه غربةٌ تائهةٌ العنوانِ.. اتركني ياوجعَ القلبِ.. مازلتُ أحلمُ بالكثيرِ من الجمالِ.. لاتطبقْ عينيَّ على ألمٍ يُفرحُ سودَ القلوبِ.. ارحلْ خلفَ التلالِ البعيدة.. خذْ معك القلق.. خذْ العيونَ التي تخطفُ السعادةَ حسداً.. دعني أنيسةً بقلبي.. صديقِ عمرٍ وأنيسَ وحدةٍ.. هناكَ من يشتاقون إليكَ أكثر.. خذْهم معكَ.. دعني وقلبي نصلي معاً قبلَ الشروقِ..

ياللجمالِ المؤلمِ.. يالحرفٍ يذبحُ حسناً وحسرةً وآهاتٍ… ماأصعبَ الحرمان، وأن ترى عدوَّك باسماً وأنتَ باكي القلبِ دامي العينِ.. صعبٌ جداً أن تنكرَنا جوارحُنا.. أنْ تحرمَنا رشفةَ ماءٍ وهي تبكي حرماناً يجثمُ جبلاً من الهمومِ فوقَ صدورِنا..
ولكنْ لا.. سيظلُّ هناك أملٌ بمعانقةِ المفقود ولو بعدَ حينٍ طالَ أو قصرَ.. سأرجعُ إليك ياوطنَ الإباء… ياصدرَ الحنانِ عاشقاً ماخانَ خفقَ القلبِ الأولِ بخفقٍ آخر..

سقيمُ القلبِ بالحقدِ والحسدِ لايشعرُ بجمالِ لحظةٍ حتى ولو أتتهُ باسمةً.. لأنَّه يُغمضُ عينيهِ على بؤسٍ مظلمٍ ماذاق طعمَ الإشراقِ فباتَ هماً يتوجَّسُ الناسُ منه شرا..

بقلم
زاهية بنت البحر

 

الحرفُ والنفسُ

4

 

طريقُ الفَراشِ بين العينِ والنُّورِ يبهرُني،  انثناءاتٍ راقصةً فوقَ صدرِ الأثيرِ.. يجعلُني أحلِّقُ بجناحِ عيني، وعينُ جناحي تتلألأُ بقطرِ الندى فوقَ جفنِ ذهولي، واندهاشِ أحاسيسي بحسِّ الدَّهشةِ بالضوءِ المتناثرِ حولَ فراشاتِ سحرٍ، راحتْ تتهاوي مخمورة ًفي فمِ الجمرِ وهي تشهقُ إعجاباً برقصةِ الموتِ بين النارِ والنور..

الحرفُ رسولُ نفسٍ أتعبَها السَّفرُ بالضوءِ حيناً، وبالعتمة حيناً آخر، وعندما تبتسم الشمسُ بوجهِ طفلةٍ تلألأت دموعُ الحرمانِ فوقَ وجنتيها تمطرُ ديمةُ رفيفِ الألقِ قصيدةً، وتبوحُ بهمسةٍ ساخنةٍ تتردُ بينَ الشفةِ والأذنِ بانسيابٍ رذاذيّ لايفوقُه ُجمالاً إلا التقاءُ العيونِ بعد عودةٍ من غيابٍ أتعبَ القمر، فارتمى فوقَ صدر ِالشَّرقِ حزيناُ وعادت الشَّمس للشروق.

بقلم
زاهية بنت البحر

%d bloggers like this: