Daily Archives: March 20, 2011
يامن تلوم بشاعرٍ صوتَ الهداية
2هلْ جاء َهذا الحقدُ إلا من ترانيمِ الحسدْ
شعر
حمى الله سورية
2سورية الجريحة حماك ربي وشفاك من كل ألم
العجوز والشيطان(من منهما الأقوى)
9رُوي لي ذات يوم بأن حديثا دار بين إبليس اللعين، وامرأة عجوز عمن هو الأقوى بينهما، فجنَّدت العجوز دهاءها في تحدي أشر المخلوقات أجمع، وقالت له بهدوء الواثق من نفسه: أنا أقوى منك، فأنت لاتصل إلى كعب دهائي ومكري ولو كنتَ طريد الجنة.
اشتاط اللعين غيظا من هذه المرأة المتبجحة في حضرته دون احترامٍ لكيده الذي أغضب الله عليه، فطلب منها أن تثبت له ذلك، وتقطع الشك باليقين، وسوف يطيعها إن هي غلبته، وينحني لها احتراما.
فكرت العجوز مليا فوجدت فرصة سانحة كي تجبره على الانحناء لابنة آدم بعد أن رفض السجود له عندما أمره الله بذلك فطُرد من الجنة، وما زال يكيد لآدم حتى تسبب في هبوطه وأمها حواء من الجنة بما وسوس لهما فعصيا الله وأكلا التفاحة التي نهاهما عنها، فقالت له وابتسامة مكر فوق شفتيها المتهدلتين تزيدهما دمامة: حسنا وإن لم تفعل لأجعلنك تندم يارجيم.. امشِ ورائي، وتابع من بعيد ما سأقوم به، وإيَّاكَ ثم إيِّاك أن تتدخل في عملي.
ضحك في سره من غباء العجوز ظنا منه بعجزها عن التفوق عليه بالمكر والخديعة، وراح يلحقها بصمت وقبيله من خلفه يركضون، فرآها تدخل دكان تاجر أقمشة متظاهرة بالإرهاق، والمسكنة وكأنها مغلوبة على أمرها فقالت للتاجر: أريد قطعة قماش غالية الثمن تليق بصبية جميلة.
سألها التاجرباهتمام: أهي ابنتك؟ عندي مايليق بالشابات ويزيد حسنهنَّ جمالا؟
قالت: ليس لي أبنة، إنها لعشيقة ابني الوحيد.
فقال: أتريدين قطعة القماش لأجل فستان زفافهما؟
أجابت باكية: لا يابني، عشيقة وحيدي متزوجة، وهو يراها في بيتها عندما يخرج زوجها إلى عمله.
قال بأسف وغضب: ألا تستحين يا امرأة من هذا الكلام رحم الله من قال اللي استحوا ماتوا.
أجابته وقد اشتد بكاؤها: سامحك الله يابني على اتهامك لي بعدم الحياء، استغفِرْ ربَّك عما قلتَه في حقي، لقد نصحته كثيرًا، وقاطعته مدة من الزمن، ولكنه مصر على البقاء معها، هددني بالضرب إن لم أحضر له قطعة قماش تليق بها.. خزاهما الله ونكَّل بهما، لاأدري أين سأذهب إن لم أحضر له القماش، أتسمح لي بالذهاب إلى بيتك إن فعل بي ذلك؟
أجابها بضيق: لا، لاشأن لي بك ، فأنا لا أعرفك، ولا أحب التدخل بما لايعنيني.
فقالت برجاء: اعطني القماش إذن واكسب بي حسنة؟
ضاق الرجل بها صبرا، فقدم لها أثمن قطعة قماش عنده، وطلب منها العمل على ردع ابنها عن غيه.
خرجت العجوز من دكان التاجر، والشيطان يراقبها عن كثب، فذهبت إلى بيت التاجر.. طرقت باب داره.. فتحت زوجته الحسناء لها الباب، وسألتها عما تريد، فقالت لها بأنها كانت في السوق، وقد أدركتها الصلاة وما زال بيتها بعيدا عن المكان الذي هي فيه، ولا يوجد بالقرب منها جامع تؤدي فيه فرض الوقت، وطلبت منها السماح لها بالوضوء والصلاة عندها ولها الأجر والثواب عند الله.
رحبت الزوجة الطيبة بالعجوز وأدخلتها البيت، توضأت المرأة، وصلت بينما كانت الزوجة تحضِّر لها شرابا باردا، وعندما انتهت من صلاتها أخرجت قطعة القماش الملفوفة بورق جميل من تحت إزارها، ووضعتها في ركن جانبي من الغرفة بحيث يراها التاجر عند عودته من متجره، وخرجت من البيت بعد تناول الشراب المثلج شاكرة السيدة على كرم أخلاقها، ودعت لها بالسعادة.
عند الباب قابلها الشيطان هازا رأسه ، وراح يسخر منها على مافعلت مستصغرًا شأنه لكنها لم تعبأ به، ومضت إلى منزلها.
عاد التاجر إلى بيته، استقبلته زوجته بالترحاب وهي في كامل زينتها وتعطرها الذي أنعش نفسه، وفتح شهيته لتناول طعامه، وعندما هم بدخول غرفة نومه لفتت نظره اللفافة الورقية الملونة، أحضرها من الركن الجانبي وفتحها على عجل فوجد فيها قطعة القماش التي اشترتها منه العجوز لعشيقة ابنها، طار صوابه فانهال على زوجته بالضرب وطردها من البيت باكية بعد أن اتهمها بشرفها قبل أن يسمع منها كلمة في الدفاع عن نفسها.
شعر الشيطان بالسعادة بعد خراب بيت التاجر فقال للعجوز: يالمكرك ياامرأة، لقد أثبتِّ بأنك قوية ذات كيد عظيم، ولكن لن أقرَّ لك بذلك قبل أن تصلحي الأمر بين الزوجين لأرى مدى قدرتك على الهدم والبناء. ضحكت العجوز من غباء الشيطان أمامها، وأنبته على غبائه الملفت وقالت له: سأقرص أذنيك الطويلتين عندما أصلح الأمر يا غبي. غدا يكون كل شيء على مايرام.
نامت العجوز مرتاحة البال بينما ظل الشيطان الرجيم ساهرا ينظر في وجهها بخوفٍ حينا وآخر بإعجاب.
في الصباح استيقظت العجوز واحتست قهوتها بهدوء والشيطان يتلمض حسرة لرشفة قهوة، فقالت له: في عينك يارجيم لن تذوق طعمها من يدي، بينما كانت عيناه تحدقان في فنجانها الساخن بشهوة أسالت لعابه فوق لحيته.
وضعت الفنجان فارغا فوق الحصير ثم خرجت من بيتها، وذهبت إلى دكان التاجر، باكية، فما أن رآها الرجل حتى أسرع إليها، وأمسك بكتفيها وراح يهزها بغضب في محاولة للانتقام منها. فقالت له: حتى أنت تريد أهانتي وقد حسبتك رجلا شفوقا، ألا يكفي مافعل بي ابني بالأمس، لقد ضربني بقسوة عندما نسيت قطعة القماش التي اشتريتها من عندك لعشيقته.
سألها: أين نسيتها ؟
أجابت: عند سيدة عفيفة صليت في بيتها الطاهر، وسقتني شرابا باردا سقاها الله من نهر الكوثر، وأحسن إليها، عدت اليوم إلى بيتها لاسترجاع قطعة القماش فلم أجد أحدا في البيت، وقد هددني ابني بالضرب مالم أحضرها له، لذلك جئت إليك لأشتري غيرها.
دهش التاجر مما سمع منها فسألها: أليست المرأة التي نسيت عندها قطعة القماش هي عشيقة ابنك التي تخون زوجها؟
أجابت: لا والله ليست هي العشيقة الخائنة، بل هذه المرأة ست الستات الطاهرات.
فقال لها: إنها زوجتي ياعجوز النحس، وقد رميت عليها يمين الطلاق، خذي ماشئت من قماش فأنا ذاهب لمصالحة زوجتي البريئة. لعنة الله على الظالمين.
وقف الشيطان مذهولا أمام كيد الشمطاء، وانحنى لها مقرا بتفوقها عليه.
بقلم
زاهية بنت البحر
الفكرة مأخوذة من الموروث الشعبي والكتابة لزاهية بنت البحر
زاهية بنت البحر
