قمة سعادتي عندما أراك تتشاجرين مع زوجك، يااه أحس بنشوة غريبة وأنت تعيسة في بيتك بين أولادك، فأقطف من عناقيد السعادة حبة أجدها بحجم الكون وأنا أفتقد ابنتي التي تركتها برعاية أمي وزوجي هناك وراء المحيطات؛ بعد عودتها من العمل في إحدى دول الخليج لتقدمها بالسن، وجئت لأخدمك وأولادك بأجر شهري تصرفين مثله في ساعة واحدة عندما تنزلين إلى السوق، وتشترين الملابس الغالية لك ولأولادك. . رغم أني أصغر من أصغر أولادك سنا، فإنني أغار منك، وهذا طبيعي بالنسبة لي، فأنا أراك جميلة في كل حالاتك كما يراك الآخرون، ولكن كراهيتي لك تشتعل عندما تمشطين شعرك بعد صبغه وإزالة الشيب منه، فتبدين في غاية الجمال رغم تقدمك في السن، وحتى دون أن تضعي المساحيق على وجهك. بشرتك البيضاء تثير حنقي، فأنظر إليك خلسة وأنت تتلينَ على نفسك المعوذتين، تخافين مني الحسد، وهذا يغيظني أكثر، أنت جميلة فعلا، ولا مجال للمقارنة بيننا. يقولون “الجمال هو جمال الروح” وأنت تملكينه بالروح والجسد والفكر أيضا.. الكذب عليك هوايتي المفضلة، أراك تصدقين ما أقوله لك لا عن جهل بل عن طيبة قلب، أجل أنت طيبة القلب؛ وأنا أنتهز هذه الطيبة دائما لأكيد لك كيدا، وعندما تكتشفين ذلك تثورين.. تصرخين.. تتبدلين بامرأة شرسة أحب النظر إليها ودماؤها تغلي غيظا مني.. أحيانا تصفعينني على وجهي، فأنظر إليك بوقاحة دون أن أبكي لأقهرك أكثر.. تأمرينني بأن أطرق أرضا؛ فلا أستجيب لك كي تشتعلي غضبا.. تضربيني ثانية، فأصرخ ليسمعني زوجك فيحتج عليك، فأتنفس الصعداء، ضاحكة في سري انتصارا… حقيقة أنا كذابة؛ حاولت تعليم حفيداتك الكذب مثلي؛ خدمة لكم بلا فضل أو منية، قلت لهن: – عندما تُرِدْنَ الكذب غَيِّرْنَ السُّبَّابة عن وضع التشهد بثنيها؛ بحيث تصبح عقدة واحدة مرفوعة كوضعها أثناء التشهد، والعقدتان الأُخريان مطويتان باتجاه باطن اليد، فلا يكون الكذب حينها حراما. بالكذب عليك بما لم تقله بناتك وعليهن بما لم تقوليه؛ تدب بينكن العداوة، فأفرح وأنتن تتشاجرن، وتمضي بكُنَّ الأيام هما وغما؛ خاصة عندما لا تتعاتبن بما قلته لكُنَّ، فيبقى كذبي ينهش قلوبكن سرا، كما يفعل بي وأنا بعيدة عن ابنتي وزوجي الذي لا أحبه. زوجتني أمي له وأنا صغيرة في الرابعة عشرة من العمر. أنجبتُ ابنتي وأنا في الخامسة عشرة ربيعا، وتركتها معه قبل أن تكمل عامين من عمرها، وجئت لأخدم بعيدا عنهما، سمعت مؤخرا بأن أمي تزوجت بعد وفاة والدي وأعطت ابنتي لوالدها فكرهتُ أمي ونقمت عليها. لم يكن زوجي الذي يكبرني بعامين يريد لي السفر خوفا على ابنتنا من الموت؛ كما ماتت ابنة أخيه عندما تركتها أمها وسافرت هي الأخرى للعمل خادمة في بلد آخر. حاولت إقناعه بشتى الطرق ولكن دون فائدة. ضاقت بي الدنيا وأنا أسمع من فتيات ونسوة ذهبن للخدمة خارج بلدنا فعدن بنقود كثيرة، وعشن هناك في بيوت جميلة مع سكانها الأغنياء؛ حيث الطعام والنزهات والسهرات وغير ذلك؛ يعني باختصار حياة تختلف كليا عن حياتنا في الفقر، والتخلف رغم الإذلال في كثير من الحالات. ذهبت إلى جدتي العجوز أطلب منها العون؛ يقولون بأنها تجاوزت المئة عام بكثير..عرضت عليها مشكلتي ورغبتي بالسفر.. نظرت إلي بعينين غائرتين أكل عليهما الزمن وشرب تجارب حلوة ومرَّة، وقالت: سيوافق رغما عنه. تركتني في مجلسي ودخلت غرفتها.. غابت بعض الوقت ثم عادت وفي يدها ورقة مكتوب عليها بخط غريب لم أفهم ماكتب به. أعطتني الورقة مطوية وقالت لي: عندما تذهبين إلى البيت ضعي الورقة في كأس من الماء؛ وأخرجيها بعد أن تنحل الكتابة فيه، واسقي الماء كله لزوجك أفهمتِ كل الماء، ولا تسأليه حاجتك قبل يومين. فعلت كما قالت الجدة العجوز فوافق مباشرة على سفري.. قبل مجيئي للعمل في بيتك أقمت في بيت سيدة أخرى ستة أشهر؛ هربت بعدها منها وأحضرت إليك. كانت تشك بي وبزوجها. هي امرأة متخمة السمنة وأنا نحيلة الجسم رشيقته. آه لو كنت تدرين كم أتضايق منك لهوسِكِ بالنظافة المنزلية والخاصة لطردتني من بيتك، فأنت دائمة التوجيه لي، تخافين من النجاسات ومن الأمراض، فلا تأكلين شيئا قبل غسله بيدك، وإهدار الماء الكثير، وإذا خرجتُ من المرحاض راقبتني وأنا أغسل يديَّ فتطلبين مني أن أغسلهما عدة مرات بالماء والصابون، بينما في بلدي لا أهتم بذلك، فأنا لم أتعلم أصول النظافة مطلقا من جدة عجوز؛ تركتني أمي في رعايتها منذ سني عمري الأولى، وقد أضع يدي فوق رأسي قبل أن أغسلهما حتى بالماء سواء أخرجت من المرحاض، أو كانتا ملوثتين بزيت أو سمن، أو حتى تراب أو سواه، وقد أتناول أيضا بهما الطعام وهما متَّسختان. ياأنتِ: سأظل أعمل على قهرك حتى آخر يوم لي في منزلك، ولن أوفر انتهاز فرصة أجد فيها إزعاجا لك. زوجك يشفق علي كما تشفقين أنت، فلا يوجه لي تنبيها على أي أذى أقوم به في ممتلكات المنزل من تكسير، وحرق وهدر ماء ومنظفات وإشعال فتن بين أهله. سمعته أكثر من مرة يقول لك بأنني غريبة، ويجب مراعاة الله في معاملتي، وهذا يعطيني دفعا لإيذائكم، فذنبي عند زوجك مغفور، وهو يرفض إخبار مكتب تشغيل الخدم الوافدين عما أفعله خشية ضربي من قبلهم لتأديبي، ويطلب منك أن تتقي الله بي ظالمة كنتُ أو مظلومة، وقلما كنت مظلومة؛ أحيانا كثيرة أجدني أسخر منك لغشم فيكِ يجعلك صيدا سهلا لما أحيكه لك من مشاكل مع زوجك وأولادك، وأخرج منها كالشعرة من العجين. أنت ياسيدتي امرأة ذكية لا تنطلي عليك ألاعيبي، فسرعان ما أفتضح أمامك ولكن دائما أخرج منتصرة عليك عندما يصمت الجميع رأفة بي. كذبي بات علامة فارقة، وكذلك السرقات الكثيرة التي أقوم بها، وأخفي محصولها في أماكن لاتخطر في بال الجن ، أجل الجن الذين تخذت منهم ألعوبة أضحك بها عليك، فأخبرك بأنهم يظهرون لي، ويطلبون مني طعاما، وأحيانا يسيطرون علي، فأرمي بنفسي فوق الأرض لإخافتك، أو أخفي حذائي ومريلة العمل بحجة أنهم أخذوها مني. لم تصدقيني مرة فأبديتِ استعدادك لطردهم من جسدي بالعصا فخفتُ ولم أعد لادعاء ذلك. ولكن أكثر ما ضايقني منك عندما ضبطتني وأنا أحاول اصطناع نزيف في أنفي بعد أن كنت أقوم بذلك بأصبعي لمرات خسرت بها دماء كثيرة لإيهامك بمرضي، ولكن الطبيب أيضا لم يجد بي مرضا. هم علموني قبل السفر من بلدي بأن أقوم بمثل هذه الأعمال وغيرها مما لم تكتشفيه بعد. أحيانا أجدك امرأة شريرة حديدية لا تتراجعين عن أمر بدأت بتنفيذه كما حصل عندما سمعتِني أتحدث مع والدتي من غرفة نومي، يومها أحضرت ابنك ليكون الشاهد الثاني على ذلك. عند المواجة أنكرت الأمر وادعيت بأنني لا أملك محمولا ولم أكن أتكلم مع أحد، لكن إصرارك جعل ابنك يفتش غرفتي حتى وجد محمولين عوضا عن واحد. ادعيت آنذاك بأنه ليولي خادمة ابنتك ليال، وعندما سُئِلَتْ يولي؛ قالت بأني سرقت المحمول منها وهذا صحيح. هواية الكذب عندي ليست الوحيدة، فالسرقة أيضا من أهم هواياتي، لأنها تحقق لي ماأعجز عنه بالحلال، وكلما وجدت شيئا جميلا في البيت أسرقه، وأخفيه عن الأنظار، وأحيانا ألقيه في كيس القمامة كي أحرمكم منه مادمت لا أستطيع الاحتفاظ به كما فعلت بثياب جميلة جديدة لبناتك وأحفادك، ولكن سرقتي لحقيبة سفر زوجك لم أستطع إنكارها رغم محاولتي المستميتة في ذلك، واختلاق قصة شرائها من السنترمول أثناء غيابك في سفر خارج البلاد، فكشفتِ السرقة رغما عني، واعترفت لك بذلك. يالك من امرأة خبيثة تسلبينني حقي بالسرقة، وتفضحين أمري بين أولادك وعند زوجك، ولكن اطمئني؛ سأظل أمارس هواياتي رغما عنك، فالكذب والسرقة وكرهي لك ولبناتك هو ملح الحياة عندي شئت هذا أو أبيت.
بقلم
زاهية بنت البحر
الحقوق محفوظة