في الغربة يبتعد الإنسان عن بيته.. أهله.. وطنه، وكل مايحبه، يجد نفسه وحيدا في عالم ليس عالمه بكل ماتعني الكلمة من معنى.. بعض الناس ينخرطون في المجتمعات الجديدة، فينسوا فيها كل شيء يربطهم بماضيهم حلوا كان أو مرا.. اندهاش أولي لرؤيتهم مالم يجدوه في وطنهم.. تتعاظم الدهشة كلما أحسوا بعظمة الحضارة التي أتوا إليها..
شيئا فشيئا تبدأ الدهشة بالذبول والنفس بالانكسار، لهوة التباعد السحيقة بين ما تربى عليه، وبين ماوجد نفسه فيه؛ فلا هو قادر على الاندماج بالمجتمع الجديد من جهة، ولا المجتمع إياه يقبله لأنه جسم غريب عنه من جهة أخرى، وتزداد الهوة عمقا بينه وبين نفسه المتأرجة بين الماضي والحاضر، فلا هي قادرة على التخلي عن موروثها الأهلي، ولا هي قادرة على التأقلم مع الحاضر بكل مافيه من مغريات، ولا هي أيضا قادرة على العودة إلى الوطن، فتحس بالضياع والتشتت، والتعب، وعذاب الوحدة الذي لا يرحم؛ إلا نفس من ظل مرتبطا بها ماضيا بكل مافيه من موروث أيا كان ثم وطَّنها على العمل بالمستجد بما لا يسلبها خصوصيتها التي شبَّت عليها، وأخذ مما وجده ما يخدم تقدمها الإنساني، فيحترمه الآخرون دون الاندماج بهم مشكلا نواة حضارة جديدة تضم خلاصة الحضارتين .