Category Archives: قصة
بوران
2الشرفتان قريبتان ويمكن لنا أن نتحدث بهدوء دون رفع صوتينا، ولكن الحياء كان يمنعني من ذلك. كم تمنيت أن أعرف اسم هذا القمر الساحر بل البدر المنير بأجمل صورة وضياء. حدثت أمي عنها، فوعدتني بمصاحبتها لزيارتهم يوما ما بعد أن تاتي والدتها وترحب بنا كقادمين للعيش في حارتهم. مرت الأيام وأنا أنتظر بفارغ الصبر تلك الزيارة التي ستفتح لي باب التعرف عليها.
جلست فوق الأرض متهالكة، مغمضة عيني ورأسي تدور من هول المفاجأة. ربما كانت لحظات تلك التي مرت بي وأنا بين اليقظة والدوار أحسستها سنوات طويلة أنقذني منها صوت الفتاة المبهم وهي تمسك بي برفق، وترفعني عن الأرض بمساعدة أمي التي أذهلتها المفاجأة.
لاتحزن…(2)
3في ليلِ لحظة منسيةٍ من عمر وقتي كنت أسير وحدي في غربة نفسي عن نفسي، والأرض تميد بي وأنا أتَّكئ على عكاز أملٍ هارب لم أستطع القبض عليه رغم طويل عناء في محاولةٍ للحاق به، واستنشاق ِأثير الحرية من كبت لاأدري مصدره، ولا متى أو كيف سكن غرفاتِ نفسي فسرى بها في دهاليز تفوح فيها رائحة كآبة مزعجة، بينما كان قلبي يتخبط بظلامِ ليلٍ موحش الخطو يقبع في رأس أحلامٍ مشوشةِ الرؤية فيُغِم عليها عيونَ الطريق.
كل ماحولي يكتسي القتامَ بانزواء فكري في ركن مهجورتملؤه طحالب الصمت وملح الرطوبة. ضجَّت رأسي بصراخ خوفي في غياهب جبِّ المجهول، فأيقظ فيَّ إحساسي المتهالك فوق حرِّ الرمل في هجير التشرد.
أمي، أبي، إخوتي ، أخواتي، أصدقائي، هلموا إلي، اغتالوا وحدتي بسيف اللقاء والْتمام الشمل، وحيدٌ أنا تنهش قلبي وحوش الفراغ بنهم مريع، أنادي وأنادي، أمي لاترد عليَّ، حبسها عني العذر بانشغالها بالبيت، ووالدي بالعمل، والبقية كل بهمٍّ يفتك به شأنَ الوحدة معي.
أجدني مقيدًا بضعفي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنفر من نفسي، أمقتها لبعض وقت، تحتد احتجاجا وتجمح بالثورة ضدي، تؤلِّبُني على كلِّ مَن حولي وحتى عليها، أكرهُني، أحاول اغتيالي للخلاص من كوابيس تصطاد أمني بلا رحمة، وتقطف زهور حدائق قلبي الزاهية بعنف عدو ظالم.. تدوسها بأحذية قذرة غريبة لا أعرف عن محتذيها شيئا، أبكي، أتألم، ماأصعب أن يجد الإنسان نفسه وحيدا رغم كلِّ من يحيطون به، أجدهم أمواتا بالنسبة لي ، لايحسون بي ولا يرِتقون جراحي النفسية النازفة قهرًا وكرها.
وحدَها هي أيضا كانت تجلس في غرفتها، لا أنيس لها من أهل البيت، تأكل مايقدم لها من طعام، وتردُّ على من يسألها شيئًا بإيماءة من رأسها، تتوضَّأ وتصلي ثم تعود إلى سريرها صامتةً إلا من همسات خفيةٍ تصاحبها في بعض الأوقات آه غريبة لاتشبه أهاتِ التألم التي تخرج حارقة من أفواه الموجوعين.
ترى ألا تحسُّ مثلي بالغربة والوحدة والافتقار لأنيسٍ يبدد وحشة عمرها الذي شارف على النهاية؟!
بهدوء وحذر اقتربت من غرفتها في الجهة الجنوبية من بيتنا الكبير اختارتها لتكون بعيدة عن الضجيج، قريبةً من شرفة الحديقة التي كانت تخرج إليها قبل صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب.
فتحتُ الباب.. مددت رأسي الصغيرة أنظر إليها بفضولٍ هذه المرة، رأيتها تستقبلُني بابتسامة عذبه ملأت وجهها سعادةً اخترق بعضُها جدارَ رهبتي فانتشت نفسي بشيء من سرور جعلها تدعوني للاقتراب منها بإشارة من يدها.
قبلت هذه اليد التي وقَّعتْ السنون فوق جلدها بصمة التقدم في السن، فاحتضنتني بحنان كنت بحاجة ماسة له بينما راحت أصابعها تمسح برقة فوق رأسي الصغيرة.
أحسست براحة تتسرب من خلالها إلى قلبي الباكي من قسوة الأيام ، وددت لو أظل في حضنها مدى العمر، هاجمتني نفسي المحاربة بشراسة تطلب تفسيرا عما حدث لي.
ابتعدت عنها، وقفت أمامها مستجمعا مابقي لي من قوة والقلق يموج في داخلي ويهوج، فتصنعت الهدوء
وسألتها بصوت خفيض: جدتي ألا تشعرين بالوحدة؟
نظرتُ في وجهها أنتظر منها جواب امرأة عجوز، سلبتها الأيام الكثير الكثير من قدراتها الجسدية ، وأبعدت عنها أحبتها موتا أو هجرة، حدَّقتُ في عينيها بفضولِ طفولةٍ شقية ونفسٍ أمارة، للحظات كنت أتمنى أن أرى دموع الألم تنهمر منهما فأعزِّي ثائرَتي بألمها وحزنها على ماضاع منها، وعلى ماهي فيه اليوم.
وسألتها بصوت خفيض: جدتي ألا تشعرين بالوحدة؟
نظرتُ في وجهها أنتظر منها جواب امرأة عجوز، سلبتها الأيام الكثير الكثير من قدراتها الجسدية ، وأبعدت عنها أحبتها موتا أو هجرة، حدَّقتُ في عينيها بفضولِ طفولةٍ شقية ونفسٍ أمارة، للحظات كنت أتمنى أن أرى دموع الألم تنهمر منهما فأعزِّي ثائرَتي بألمها وحزنها على ماضاع منها، وعلى ماهي فيه اليوم.
خيَّبتْ جدتي ظني، فرأيت بين جفونها بريقا غريبا يلمع بضياء مدهش وهي تشير لي بيدها إلى السماء ثم تضعها فوق صدرها، وابتسامة رضا تشرق فوق ثغرها المرتجف، لتزهر في قلبي فرحا يخلصني من أوهام الوحدة بإشارة من يدها المرتجفة تعيد إلي قوتي وثبات يقيني، وهي تخبرني بعجز لسانها عن النطق : إنَّ اللهَ معنا.
((لاتحزن إنَّ الله معنا))
“سبحان الله ربِّ العرش العظيم”
بقلم
زاهية بنت البحر
شباكُ الخطيئة
4كنتُ أنظر إليهما باضطراب تصطك به أسناني خوفًا وحيرة مما أسمعُ وأرى.. أرتعش يمامة ً أغرقها مطرُ الفجأة بالرَّهبة، فلا أجد جناحًا يدفئني زغبُ حنانه بطمأنينةٍ، وهما يكيلان لبعضهما الشتائم، وأحيانًا السباب المخجل -الذي تردده على مسمعي ذاكرةٌ فجَّةُ الطباع، لاتحب أن تراني نسيتُ منها لحظةَ عذاب- وأنا عاجزة بسنواتي الست الليِّنة عن وقف هذه المشاحنات الصَّاخبة التي انتهت بطلاقهما، وتولتْ جدتي وجدي لأمي مسؤولية رعايتي بعد زواج والديَّ كلٌ غير الآخر..
إحساسي بالخوف مازال يرافقني حتى اليوم، وقد امتشقتُ قامةَ وفكرَ ودراسةَ ابنة الثامنة عشرة عاما.. خوفي هذه المرة لم يكن ضعيفًا قزمًا بحجم جسدي الضئيل الطري عندما كنت طفلة، بل تكاثر و تمطَّى بوحشية فوق سنواتِ عمري الراحلة في غياهب الماضي المفعم بالسواد، فالحاضرِ المتألم بالغربة عن كنف أسرة دافئة المحبة بتفاهم أفرادها، وربما سيمتد تمطِّيه المفزع إلى مستقبل أيامي إن هما بقيا بهذا الجفاء معاملة ًلي، وابتعادًا عن محرك فكري الذي يكاد يتوقف بسرعة خطو اليأس الزاحف بقسوة نحو نفسي، المتهالكة فوق بساطٍ تالفٍ من الصبر الهش، المحاصَرِ بجيوش الفشل من الجهات الأربع، وأشد ما كان يقلقني هو خوفي من حصار الأعلى والأسفل، فأقع فريسة سهلة جدًا في شباك الخطيئة التي تنصبها تراكمات القلق والخوف، والحاجة لما هو حق لي كأي أنثى ترعاها عناية أبوين يخافان الله فيها، فينبتانها مشبعة العاطفة والحنان والدفء العائلي دون التمزق الذي لايورث غير البلاء..
رجوتُ أبي بضعفي وفقري إليه أن ينصف قلبًا تتساقط عنه أوراق الصفاء بسنين عجاف إلا من التحرق.. قرعتُ بابه بدموع حاجتي لسكينة ينعم بها وأولادُه ومرفأ أمن ترسوفيه سفينة أيامي التي تضربها بغضب أمواج مختلفة العواصف، فلم يصغِ أذنًا لنداء حرماني، وارتعاشة ضعفي..
كنتُ أسمع من المقربين إليه بأنه يسعدهم وزوجتـَه، فأحزن لصقيع حجرة روحي، ونواح شقائي في بيت تعيس.. أترجاه بمنحي بعض نارِ دفء تقتل هجمات البرد المتوحشة، فيغلق بوجهي أبواب رحمته ونوافذها، والرِّيح تعصف في صحراء حياتي.. تعوي بذئاب بشرية، وكثبان الضلال تنشط برشقي بمغريات قد تعمي عيوني التي استهواهاْ العشى، وتشلُّ قدرتي على التصدي لما ألاقي وحيدة ضعيفة.. شقية.. منفية عن عالم يؤنس وحشتي.. يشدُّ قوتي.. يسند ضعفي بضوء يزيح عتمات الطريق، فأمشى على هدى في دروب الحياة الموحشة بلادليل حاذق.. تفلح صدري الأهاتُ بفأس المرار، فيشتد النزف داخلي طوفانًا يغرقني حتى الأعماق، فألجأ بعد جهدِ فكرٍ، ومريرِ مقاومة إلى نظارة بصيرتي أرد بها قِذى العاصفة، والدنيا تدور برأسي حيثما اتجهت، والدمعاتُ بي تمور….
وذات لحظة أحسست بانسحاب بساط الصبر المهترئ من تحت قدميَّ، وأنا أفرغ في أذنيهِ أنَّاتِ حرماني بمحادثة معه عبر الماسنجر.. شعرتُ به متأثرًا حدَّ البكاءِ بما أعانيه من عذاب ولوعة وحرمان.. كانت كلماته تحمل دفقًا عاطفيًا مواسيًا لقلبي اليتيم اللطيم، تكفي لسرقتي من واقعي المؤلم بل من كلِّ ماعداه بعظيم الحاجة إليه، وتزجِّ بي بما لاأعلم له قرارا.. رَكنَ هذا القلب إليه يشحذ منه قبضة دفءٍ تمنيتها في زمهريرٍ دائمِ الفصول، شقـَّق جلدَ قلبي، وعصر رحيق ورد خديه في بوتقة الصَّمتِ البغيضِ، القابع في أعماق حاجتي لابتسامة وجه حنون..
تكررت المحادثات، وكدت أنزلق فوقِ أرضِ تلوُّثٍ دون بقايا بساطِ الصَّبر.. ثبَّتُّ قدميَّ وأنا أستجمع ما تناثر من قوَّتي في محاولة لزرعهما في الجوف الصخري لداخلي باختراق سماكة قشرة العجزالمخيفة، وأنا أنهي محادثتي معه وعلاقتي به عندما طلب مني اللقاء بإصرارٍ غريب ليمسحَ الدمعَ الحارقَ عن عيوني بعيدًا عن مراقبة زوجته وأولاده، وعيونِ الفضوليين.
بقلم
زاهية بنت البحر
المنديلُ الأبيض
0عيون تبكي.. صدور تشهق بالحزن وتغلي بالكره والثورة، أفواه تلهج بالدعاء وبعضها بالسباب والجميع رجالا ونساء.. شيوخًا وأطفالا أخرجوا من بيوتهم، يحملون مايقدرون عليه من أمتعة تاركين ممتلكاتهم التي أفنى البعض منهم عمره ريثما تسنى له الحصول عليها.. أغلق الغزاة الأبواب خلف ملاكها، ودخلوها مستوطنين..
وقف الأهالي في الشارع ينتظرون الحافلات التي ستنقلهم خارج الحدود، وعيونهم تسجل الصور الحية الأخيرة لمدينتهم.. (عكا) كم أنت جميلة وحبيبة إلى القلوب.. ماأصعب لحظة الوداع.. تبًا لهم، هاهم يطردوننا من ديارنا، والدمع يسقي الوجوه نارا.
وصلت الحافلات.. أسرع الجميع للصعود إليها رغمًا عنهم.. كانت تنتظر دورها لصعود الحافلة.. لم يبقَ غيرها.. امتدت الأيدي لمساعدتها.. لم تستطع ولوج الباب لضخامة جسدها… الباب لايتسع لها.. حاولت الدخول بكتفها اليساري أولا ثم اليميني.. فشلت أيضًا.. أسرع شبان العائلة لحشرها في الباب.. كاد جنبا الباب يأكلان من جسدها.. لم تفلح المحاولة، والجنود الغزاة يرون ذلك ويضحكون..
ذهبت أول حافلة.. الثانية.. الثالثة.. الرابعة.. وعندما بدأت الأخيرة بالابتعاد، كانت ابنة (عكا) تقف وحيدة، والدموع تتساقط من عينيها، وهي تودع أهلها كلهم بعد أن طردهم الغزاة من مدينتهم، فأخرجت من صدرها منديلا أبيض، وراحت تلوح به للراحلين .
بقلم
زاهية بنت البحر


إلى أين؟
2هو: تزداد حيرتي لحظة بعد لحظة ويكبر قلقي يومًا بعد يوم ..من أنا ؟ولماذا وجدت دون أب أو أم ؟.كل إنسان له أب وأم ،ولد من صلب أبيه وتكوَّن في رحم أمه إلا أنا لاأب لي ولاأم ،جئت كما أخبروني من قطعة عظم لايعرف صاحبها وجدت في أحد القبور الغارقة بالقدم تاريخيًا..ترى من يكون صاحب هذا العظم المهترئ فيكون أبي وأمي وأنا في نفس الوقت ..هل هو ملك ام مملوك ؟كريم أم حقير ؟ فقيرأم غني ؟ لست أدري ..تمنيت لوأنهم سمحوا لي برؤية العظم الأنا ،فقد أحس نحوه بشيء من حب أو كره ..حنان أو نفور.. أولاد القسوة ألقوا بي في غياهب الفِكَر المشتعلة بالأسئلة التي ليس لها جواب..ماهذا العالم الغريب الذي أراه ؟ في داخلي كره له يزاحمه عالم أجمل يغزوني بكل هدوء.. يجعلني أهرع إلى الحديقة أستظل تحت الشجر، وأتنسم هواء نظيفًا..عندما أنفرد بذاتي أشعر بالقرب مني، وثمة إحساس يؤنسني بأنني لست وحيدًا فنفسي تريد أن تصحبني للراحة بخلاف ماهم يفعلون.. هم يحاولون حشو رأسي بأشياء لاأستسيغها ولاأحب القيام بها .أنا أكره الذبح ، وأكل لحم الإنسان نيئًا،وشرب دمه ،وهم يريدونني أن أعبه من شرايين الأطفال ساخنًا.. أولاد القسوة ألا يعلمون بأنني طفل بمشاعري وأحاسيسي، مسالم وهم يجهدون لجعلي شريرًا، قذرًا ومجرما، أحس بأن هذه الطفولة تتضخم شيئًا فشيئًا بما يحشونها من أفكار شريرة، أخشى أن تغرقهم ببحرٍ من دمائهم اللزجة..
هي: مابال هذا الإنسان يجلس كل يوم تحت هذه الشجرة وحيدًا ينظر إلى السماء متفكرًا؟!1
ليتني أستطيع اختراق فكره لأعرف مايشغله.. أحس بميلٍ شديدٍ إليه فقد ألفت وجوده هنا، وأتمنى أن أكلمه، ولكن أولاد القسوة لايسمحون لي بذلك.. تبًا لهم أوجدوني في هذه الحياة من قطعة عظم غارقة بالقدم لاأدري من صاحبها.. كل الناس لهم أب وأم إلا أنا، فأبي وأمي هو شيء من عظم.. مازالت الرحمة تسكن قلبي رغم محاولتهم سلخها عني.. كل يوم يحضرون لي كأسًا من الدم وقطعة من لحم طفل صغير يطلبون مني أن أتلذذ بأكلها، وكرع الدم بشهية.. رغم محاولاتي الامتناع عن ذلك بالرفض، فإنني أبوء دائما بالفشل.. ليت هذا الرجل الجالس تحت الشجرة يساعدني بالهروب من هنا والعيش بعيدًا عن مبنى الإجرام بحق الإنسانية.. أجل هذا مبنى إجرام بحق الإنسانية، وأولها بحقي أنا، فقد أوجدوني دون أب أو أم، فكنت أنا الأم والأب والابنة.. أكاد أجن مما أنا فيه.. أيها الرجل انظر إلي ولو مرة أرجوك أرجوك..
هو: أكاد أطق قهرًا.. الوحدة تخنقني.. السماء اليوم صافية، والشمس ساطعة لاتحجبها الغيوم.. لأصوات الطيور جمال أحبه.. يأخذني إلى ذاتي.. أعانق فيها ماضيًا غائبًا لست أدري عنه شيئًا.. مالهذه الفتاة تنظر إلي برجاء.. من تكون أراها كل يوم هنا تنظر إلى السماء، وكأنها تعاني من أمرٍ ما.. سأكلمها فلربما استطعت مساعدتها.. سأجرب ذلك..
هو: وأخيرًا سمحوا لنا باللقاء بعد مناقشات ودراسات كثيرة قاموا بها حولنا.. أنا سعيد بلقائك يافتاة.. لم أعد أحس بأنني وحيد في هذه الحياة، فأنت تعانين مما أعانيه.. والدانا قطعة من عظم مهترئ غارق بالقدم.. لقد سمحوا لنا بالزواج وسيقيمون لنا عرسًا يشهده أهل المبنى جميعًا..
هي: ستكون ليلة مشهودة لزواج لم يتم مثله يومًا أبدأ، فلم يسبق أن ولد في الدنيا مثلنا ولا تزوجا.. نحن ولدا قطعة العظم المهترئة الغارقة بالقدم.. أتمنى مثلك رؤية تلك القطعة العظمية لأقبل سطحها فهي أبي وأمي معًا…سأبحث عنها فقد أجدها في غرفة التجارب التي يجرونها علي، وابحث أنت عنها أيضًا في غرفة التجارب التي يجرونها عليك..
هو: سأجدها بطريقتي الخاصة فقربك مني جعلني أكثر قوة وتصميمًا على التحدي، وإن فشلنا الآن فربما نجحنا بعد أن نعيش معًا في غرفة واحدة..
هي: أنا حزينة لأنك فشلت بالحصول على أبوينا ألا تستحيي من نفسك؟ حتى متى سنظل في غرفة التجارب كالفئران لايسمح لنا بالخروج إلى عالمهم الواسع؟ أنت لست رجلا..إنت حرمة.
هو :سأثبت لك بأنني رجل في الوقت المناسب ياامرأة..
هي: أحسنت يارجلي لقد أحضرت قطعة العظم بدهائك بعد أن احتجزت الدكتور الذي يجري علينا التجارب وأجبرته على إحضار قطعة العظم، ولكنك للأسف لم تحضر لي عظم والديَّ.
هو: هو: بل أحضرتها، وقتلت كل من في المبني عندما علمت بأنَّ قطعتَيْ العظم هما لأخوين دفنا معا في قبر واحد.
بقلم
زاهية بنت البحر
هِيَّا الدنيا سايبة؟
0وقعتُ فوق الأرض عندما انزلقت رجلي بقشر موزٍ ألقاه أحد المستهترين في طريق المارة، وأنا ألتفت بلاشعورٍ إلى يمين الطريق عندما سمعت أصوات مجموعة من الناس راحت تخترق أذني لتجعلني في ريبة مما يحدث..
نهضتُ على استحياءٍ أنفض ماعلق بثيابي من غبار، ومازلت أتلقى أصوات العراك التي راحت تعلو أكثر فأكثر.. نظرت إلى قدمي اليمنى التي تؤلمني.. وجدت ثمة سحجة قد أصابتها، وقطراتٌ خفيفة من الدماء تتسربُ من نوافذ جلدها لتستنشق رغم أنفها رائحة الهواء المملوء بدخان محركات السيارات الشاحنة، التي كانت تمر بالقرب منى، فتتجلط حزينة.. مسحت الدم بمنديل ورقي أخرجته من جيبي، وأنا أتحاشى نظرات أحد الشبان الذي أسرع نحوي لمساعدتي بالنهوض، لكنه تراجع بخفرٍ عندما لم أعره اهتمامًا متمتمةً بشكره..
وقفت في حيرة من أمري، وأنا ألقي نظرة على مصدر الأصوات المتعالية، فرأيت شحاذًا يضربُ مثيله، والناس يحاولون التفريق بينهما، سمعتُ أحدهما يقول بغضب واستنكار:
– الشحات ابن الشحات ده، سرق الزبون مني، ولهف الفلوس بشربة ميه.. سيبوني أخلص عليه، ده جاي يشحت ف حتتي ياناس.. الله هي الدنيا سايبه والا سايبه يارجالة، تلاته بالله مش هسمح لحد ياخدها مني ولو على جتتي.
بقلم
زاهية بنت البحر
ريح طائشة
1دخلها النزغُ من أبوابٍ شتى، قيدها بسلاسل ملتهبة، وألقى بها في غياهب الثأر يلتقمها البغضُ خلَّةً خلةً.. يزيد تحرقُها اشتعالا كلما هاجمها خاطرُ غروب.
بعتم الليل الموحش تدثرتْ نعيقَ بوم، وبقلبِ الوحشِ تسلحتْ نذيرَ شؤم، حملتْ ذاتَها على أكفِّ نزفِ جراحِها تركضُ ريحَ دمارٍ بينَ أحضانِها رائحةُ الموتِ. في ركنٍ منعزلٍ عمَّنْ يعرفُها وقفتْ تُصفِّي دموعَها من عَكَرِ الخداع، ترتقُ بكف نارها الملتهبة بالحقد والغيرة جرحا دميما عميقَ الغورِ في ذاتِها الصارخةِ بفكرةِ الانتقام، فشلتْ محاولاتُ الرتق بهجومِ الطغيان. لن تهدأ نارُها الشرهةُ في صدرِها قبلَ فقءِ عينَيْ وَقْدِها بسهمِ الثأر.
وعندما رمتْ باتجاهِ الهدف، ارتدَّ السَّهمُ إليها بصدرِ ريحِها الطائشةِ ذلا وعارا، فجثتْ ذئبةً تعوي في الفراغ
.























