Mryam M.Y

Just another WordPress.com weblog

Category Archives: قصة

امرأة متمردة

3

لن أرد عليك، ولن أتوقف عن المسير إلى الأمام، فالطريق مازالت طويلة، والعمر الباقي ربنا وحده يعلم متى يتوقف النبض في قلبه..
– اهتمي ببيتك وأولادك هم بحاجة لك أكثر من هذه الأوراق التي سيأكلها الفناءُ يومًا.
– دائمًا تحاول قصَّ أجنحتي كي لا أحلق في عالم لاتحبه.. لن ألوم قدري الذي جعلني أسيرة حبك سنين طويلة؛ ربيت لك فيها أولادنا وبناتنا خير تربية، وقمت على تعليمهم وأنت مشغول في مكتبك، وفي المحاكم مع المجرمين والمتخاصمين..
– بت أخشى على أولادي من كل شيء يا هناء، لم يعد هناك من تأتمنينه على فلذة كبدك، خداع الناس بعضهم بعضًا يرسخ خوفي على أولادنا بعدما نفارق الحياة..
 – ليت خوفك اقتصر على مستقبل الأولاد بل تعداه إلى سوء الظن بكل من حولك.. فقدت الثقة بالناس والأهل ، وحتى بي ..
– ضبطها زوجها ياهناء بالجرم المشهود، وهي تخونه مع أعزِّ أصدقائه رغم شهادة المحيطين بها بأنها من أنقى النساء..
– مسكين أنت وقاصر، لاتستطيع الفصل بين حياتك العملية، وحياتك الأسرية.. عقلك الباطن يسقط الأحداث التي يختزنها من القضايا التي ترافع فيها هناك على حياتنا الخاصة، فيدمرها ركنًا ركنا..ملَّ الأولاد من تشددك في كل شيء، تريد ولاتريد، ولا لأحد منا حرية الإرادة في أبسط الأمور..الأولاد يتدارون بالصبر لأنهم يحبونك، وهم في ربيع العمر، وما زالت الحياة أمامهم واسعة الصدر رحبة الأفق؛ أما أنا فلن أصبر أكثر على تعسفك الفكري، ورفضك أن أسجل اسمي في سجلات التاريخ مع أسماء من وهبوا للحياة فكرهم، ونبض قلوبهم .
– أنت امرأة متمردة تغضبين الله بغضبي عليك.
– المتمردة ياسيدي هي التي تهمل بيتها وأولادها، ولم أفعل ذلك.
المتمردة من تخرج على طاعة زوجها بأمور تافهة، فتسيء إليه، وإلى نفسها ولم أفعل ذلك.
المتمردة من تصرخ بوجه الكون كله مطالبة بما تريد حقًا كان، أو باطلا، وما طالبت إلا بالحق.
المتمردة من لاتحسب للمجتمع حسابًا حتى في أبسط الأمور، وطوال عمري أتقي الله، وأراعي مجتمعي.
– أنت تهدرين وقتك بالكتابة.
– كتابتي للبناء؛ بها أنشر أفكار الصلاح بين الشباب في زمن تعفنت فيه الأخلاق، وكسدت بضائع الفضيلة؛ بها أعلم المرأة كيف تكون أمًا صالحة، وأختًا ودودة، وزوجة وفية

.
– أريد هذه المرأة، من حقي أن تكون لي دون غيري من الناس.
عندما كنت بحاجة إليك كنت مهملًا لي حدَّ القسوة، فلم أعد اليوم بحاجة إليك بعد أن وجدت نفسي فيما أكتب.
وعندما عاد إلى المنزلِ ذات يوم بعد غيابِ عدَّة أيام، ومعه سيدة قدَّمها إليها بعفوية مطلقة معرِّفًا بها:
– هناء: هذه زوجتي وداد، لاتفوتها كلمة مما تكتبين.

بقلم
زاهية بنت البحر
يكفيكم فخرًا فأحمد منكم *وكفى به نسبًا لعزالمؤمن

http://www.rabitat-alwaha.net/moltaqa/showthread.php?t=23965

جنازة مهيبة

0

بعزم وإصرار راح يتدافع بين الحشود عله يستطيع نيل الشرف بلمس النعش المحمول فوق الأكتاف، يتصبب العرق من جبينه محاكاة لتدفق عرق الجباه النازفة بالهتاف الحزين، والأسف المرير على فقيدهم الغالي.
في زحمة اشتعال العواطف وهيجان الأحزان، كان النعش يتمايل نحو اليمين ونحو الشمال كأنه يؤدي رقصة مبتكرة، وأحيانا تعلو مقدمته وأخرى تنخفض مع هدير الصدور وأناتها المحترقة.
أكثر من لكمة وركله أصابت جسده أثناء تلاطم أمواج الناس؛ لكن اللكمة الأخيرة التي جعلته يحس بقيمة الروح تلك التي نطحت رأسه بقرن كوع طائش، فأعادت إليه شيئًا من توازنه الذي غاب عنه منذ دخوله في موكب الجنازة المهيب، والناس تودع الحبيب الراحل الذي ترك ميراثًا فنيًا كبيرًا سيخلده التاريخ تراث أمة قلَّ أن تنجب له مثيلا؛ فضجَّت بموته وسائل الإعلام ولبست الشوارع الليل حزنا.
وضع يده فوق مكان الألم وأسنانه تعضُّ على شفته السفلى بآهٍ مسموعة، فوجده مرتفعًا عن فروة الرأس قليلا.. فتح فمه بكلمات سباب لوسمعها من سبَّبَ له الوجع لخرج بروحه قبل دفن الراحل العظيم.
نظر إلى النعش متألما، وراح يكيل السباب للمتدمد فيه، ويلعن اللحظة التي خرج بها لوداع هذا الفاسق الذي لم تنجُ من أحضانه أية امرأة قامت أمامه بدور بطولة.. وعادت إلى ذاكرته الأخبار التي قرأها عنه في ومِن؛ ولكن الذي زاد وجعه وجعًا، ومارِِدَ َغضبِه انفلاتًا من قمقم الكبت هو إحساسه بالجوع الذي لازمه حياته أمينًا على عهد الفاقة معه؛ أحس به يقرص معدته وأصابع الألم تهرش رأسه.
ازدادت ثورته هياجًا فراح يصرخ بصوت عالٍ إلى الجحيم.. إلى الجحيم.. ترتفع يداه أكثر كلما ارتفع صوته أكثر، فأحس بنفسه يعلو فوق الأكتاف، وأمواج الناس تتلاطم تحته بالهتاف.

في المقبرة

4


انزلقتْ قدمي فوقَ الطين فكدتُ أسقطُ في بركة ِماء ٍصغيرةٍ خلَّفتها الأمطارُ التي مازالتْ تتساقطُ بغزارةٍ ملفتةٍ منذُ أيَّامٍ ثلاثةٍ فوقَ الجزيرةِ الصَّغيرة ِجسداً؛ العجوزِ قِدَماً؛

الرَّقيقةِ المسالمةِ أهلاً وقلباً، فاتَّكأتُ بوهمي على ساعدِ الرِّيحِ المكينةِ أسندُ بها ضعفي المتزايد سرعةً، وأنا أعبرُ بابَ المقبرةِ تسبقني أمي وعمتي لقراءة ِما يتيسرُ لنا منْ آياتِ اللهِ البيناتِ فوقَ قبرِ عمي بنية ِمؤانستِهِ بينَ المغربِ والعشاءِ وتذكيرِه ِبالشَّهادتينِ، وكيف َيجيبُ الملكين ِعندَ سؤالهِِ عن ْربهِِّ ونبيهِ، وكتابهِ،
فهذه هي الليلةُ الأولى التي يباتُ فيها تحتَ الترابِ بعيداً عن دفءِ أسرته، وستر سقف بيته،  وزقزقة أولاده الصغار حوله بعد أن فارقته الرُّوح إثر حادث مؤلم أغرقه فيه البحرُمع بعض ركاب القارب عند قدوم هذه العاصفة الهوجاء التي ضربت الجزيرة بعنف، لم تشهد له مثيلاً منذ أكثر من سبعين عاماً
كما ذكر بعض المعمرين فيها، وكما أذاعت وكالة الأنباء المحلية.
تقاعس رجال العائلة عن القيام بهذه المهمة الشاقة بالنسبة لامرأة مثلي تخاف من صوت الدِّيك إن هو صاح ليلاً، وكان سكان الجزيرة قد تخلوا عن هذه العادة المتوارثة منذ القدم، ومازلتُ أذكر كيف كان الرجال يخرجون ليلاً إلى المقبرة لتذكير من دفن فيها نهاراً، وهم يحملون بأيديهم فوانيس صغيرة
تضيء لهم الطريق قبل قدوم الكهرباء إليهم، وكنت والكثيرُ من الصِّغار نلحق بهم لرؤية مايحدث هناك،
ولكنَّهم اكتفوا مؤخراً بتذكيره بعد الصلاة عليه ساعة الدفن بتحرض من البعض.
قررت أن أفك َّ أنا بنفسي ( وِحْدة َ)عمي ضاربة بالمستجدِ من التنبيهات عرض الحائط .

شعرت بالخوف منذ اللحظة الأولى لامتشاقي سيف البطولة، ولكنَّ عنادي وإصراري على المضي قدماً في تنفيذ ماعزمت عليه حال بين وبين الانصياع لتحذيرات النسوة من الخروج إلى المقبرة ليلاً في هذا الجو العاصف بالريح والأمواج التي تضرب كلَّ ماتصادفه من صخرٍ وبشرٍ وشجرٍبجنون؛ عدا الأشباح الثَّائرة المنتشرة هنا وهناك (كما قالت إحداهنَّ) ولكنَّ أذنيَّ صُمِّتا إلا عما أريد أن أسمعه.
كل شيء كان يوحي بالكآبة في البيت حزن طاحن وغمٌّ داكن وبكاء دائم- فالفقيد لم يزل شاباً، وهو أصغر أفراد العائلة سناً، وأولاده صغارٌ، وهو محبوب من الجميع- وفي الطريق سكون يوحي بكارثة قادمة جعلني أتلفَّتُ يمنة ويسرة خشية المجهول، فالدَّكاكين أغلقت أبوابها، وجميع السكان التزموا بيوتهم لأن الريح كانت تزرع الخراب أينما حلَّتْ، والمياه تتدفق في الحارات والشوارع الضيقة، والظلام خيَّمَ باكراً بعد أن قُطعَ التيار الكربائي، والغيوم السوداء طوت آخر أملٍ لبصيص نوربعد غروب الشَّمس خلف الأفق بوقتٍ قصير.

ثمَّةُ رعشة في داخلي تكاد تسحق روحي جعلت يديَّ ترتجفان ليس برداً؛ بل لاضطراب ٍ في ذاتي الواجفة التي تطوعت للعب دور فضفاض لايليق بارتعاشة أنفاسها المتهالكة في ليلة ليلاء من ليالي الشتاء وليس هو أي شتاء.

دخلت حي المقبرة أستمد بعض القوة من العجوزين أمي وعمّتي اللتين أبتا إلا مرافقتي خوفاً علي من أنْ أصاب بأذى بين القبور( جلطة كانت أو جنونا) وكم تمنَّيت أن أُمْنعَ من ذلك بالقوة، ولكن تجري الرياح بما لاتشتهي السفن.
شارع ضيق يطلُّ مباشرة على البحر لايعبره في مثل هذا الجو القاتم إلا من فقد شيئاً من وعيه كمن يفقد عزيزاً غالياً كعمي الذي كان صديقاً لي عندما كنَّا صغاراً، فهو يكبرني بسنواتٍ قليلة تجمعني به ذكريات طفولتي الأولى التي مازلت أعيش تفاصيلها رغم مرور الزمن..

هذا الطريق الرفيع قسم المقبرة إلى قسمين سُيِّجا بسور حجري لم أره من قبل بسبب هجري لمسقط رأسي منذ وقتٍ طويل، فرأيت وأنا أقترب من باب الجبَّانة الغربية الصخورَ الضخمة التي تشكل سوراً حول الجزيرة الوادعة
تهدَّمَ معظمُه بقوة الأمواج وتعاقب الأيام والسنين ..
كان البرق يلمع فوقها بين الفينة والأخرى عندما يقصف الرعد بعصبية ممزوجة بالصَّخب ، فتراءت لي وكأنَّها جنٌ تجسَّدَ بأشكال مختلفة في ظلام دامس…أحسست بالرهبة وهدير الريح يعوي في هذا المكان المقفهرإلا مني و من هاتين المرأتين اللتين بدتا أقوى من شابة تلحق بهما، وقلبها يصارع الخوف صراعاً مريراً بينما كانتا تتخطَّيان حفر الماء بسهولة، وأنا أجاهد للحاق بهما بصعوبة بالغة.
وصلنا قبر الفقيد بعد أن مشينا بين الأضرحة عشرات الأمتار، وكان رجال العائلة قد نصبوا فوقه خيمة واقية من الأمطار، ليتسنى لمن يزوره في الأيام الماطرة القادمة المكوث تحتها ريثما تنتهي الزيارة، وكان علينا أن نقرأ سورة ياسين ونهبها لروح الميت، ومن ثمَّ نذكِّرُه ُبما يجيبُ به الملكين أنكر ونكير عندما يحضران لسؤاله، وعندما هممنا بدخول الخيمة، وأنا ألهثُ كعجوز سمعنا مجموعة أصواتٍ مفزعة تخرج من وراء القبر لم نتبين هويَّتها، فصرخت صوتاً ربما سمعه سكان الجزيرة كلِّها، وكدت أصاب هذه المرة بجلطة فعلية ..

لحظات بل أقل من لحظات مرَّت عليَّ مرعبة فتاكة، كرهت فيها تلك العادات والتقاليد التي تعودت عليها وأنا صغيرة، ومقت خروجي أصلاً من البيت بدون محرم، وأنا أحس بأنني أجبن مخلوقٍ في هذا الكون، وتأكد لي أن هذا العمل لايرضي سوى الجهلة من الناس، وندمت على ماأقدمت عليه ندماً شديداً، وقبل أن أتهاوى فوق الأرض سمعت صوت والدتي تقول لي:
لاتخافي إنها مجموعة من القطط تخبأت تحت الخيمة هروباً من الأمطار.
لم أستطع أن أقرأ سورة ياسين واكتفيت بالبسملة، وركضت باتجاه باب المقبرة تسبقني النية بالتوبة عن تكرار مثل هذا العمل مرة أخرى، حتى لوكان الميتُ أبي.


بقلم
زاهية بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن

همسٌ غريبٌ

0

 

وأنا في طريق عودتي إلى البيت بعد أن اشتريت بعض الحاجيات الضرورية من السوق، توقفت لاإراديًا في ركن جانبي من طريق فرعي خالٍ من المارة، وكأنَّ أحدًا يأمرني بذلك.. سمعت نقرات على الزجاج الخلفي للسيارة، التفت إلى مصدر الصوت.. فتحت باب السيارة، نزلت منها واتجهت صوب شابين في مقتبل العمر اعترضا طريقي وعيونهما تتفرس بعينيِّ.. تبعتهما دون الإتيان بأي شيء يمنعني من اللحاق بهما، وصعود السيارة السوداء التي كانت تقودها امرأة في العقد الخامس من العمر.. كنت مسيرًا بهما لم أمانع بإغماض عينيَّ طوعًا، والجلوس هادئًا في المقعد الخلفي ثم انصياعي لأمرِ أحدهما عندما نقر فوق كتفي بأصبعه فنظرت إليه، أومأ لي برأسه لمغادرة السيارة بعد أن قطعت بي مسافة لم استطع تقديرها ولاالوقت الذي مرَّ بها.. تبعته بهدوء مغمض العينين مرة ثانية أهتدي بصوت خطواته فوق الأرض دون أي كلام.. كان عقلي مشلول التفكير لكنه لم ينس أن يسجل مايحدث دون التدخل بمجريات الأمور..

فجأة تغير كل شيء بالنسبة لي.. فتحت عيني بأمرٍ خفي فوجدتني في غرفة تشبه إلى حدٍّ ما غرف العمليات التي في مشافينا ولكن بشكل آخر لم أستطع فك طلاسمه.. شيء ما جعلني أتجه نحو مايشبه السرير الذي يستلقي فوقه المريض الذي ستجرى له عملية جراحية.. الغرفة خالية من البشر..

تمددت فوق السرير بعد أن خلعت حذائي؛ أحسست بقوة خفية تحاول نزع ملابس عني بداية لم أقاوم ولكن عندما وصل النزع إلى ملابسي الداخلية أحسست بمقاومة تأبي هذا النزع عني.. عندئذ فتح باب الغرفة بطريقة غريبة ودخل منه رجلان وامرأتان أعرف وجوههم جيدًا..هممت بالقيام للسلام عليهم ولكن قوة ما أجبرتني على البقاء ممددا فصرخت بخوف: أين أنا؟

اقترب القادمون مني بعيون تجمدت فيها النظرات.. اندفعت بكامل قوتي إلى الأمام، فجلست فوق السرير، رأيتهم يتراجعون إلى الخلف.. عدت أسألهم :أين أنا ؟

لاجواب .
– أناأعرفكم جيدًا.. رأيتكم من قبل وتحدثت معكم كثيرًا ألستم؟ نسيتُ مَنْ ؟
– لاجواب وعيونهم تزداد جمودا.
– ماذا تريدون مني ؟
تقترب إحدى المرأتين وتهمس في أذني: قلبك
– قلبي؟ لماذا؟
يتقدم أحد الرجلين قائلا: مستنسخك في خطر، وهو بحاجة إلى قلبك.

بقلم
زاهية بنت البحر

http://www.rabitat-alwaha.net/moltaqa/showthread.php?t=26134

مَنْ؟!!!!

1

 

لايعرف كيف وصل إلى هذا المكان، ولا من ألقى به في حضنه المترامي الأطراف، الصاخب التنفس برئة الوجع…. تتمطى الوحشة فيه ماردًا للرعب في بهو الظلمة الفسيح كآبة، الأبواب والنوافذ الواسعة تشرع أجوافها لهجمات الأعاصير الثائرة، ولهمسات القلق بأفواه الوساوس، والأوهام.. تعوي الريح بحناجر الذئاب الجائعة، و فحيح الأفاعي الغادرة فيرددها الصدى زعيق أشباح وكوابيس رؤى..

وجد نفسه تحت سقفٍ شاهقٍ يجتاز السحاب، ويطل على مشارف الأرض من الجهات الأربع، يحضن عنقه عقد من الجماجم بأحجام كثيرة…. تملأ جدرانه كوات من عيون جاحظة بألوان مختلفة.

رضع أرق التوجس من أثداء الرعب المخترقة ضجيج البهو إلى فم فكره، قلبه، ووجدانه… تعهده الخنوع مربيًا مخلصًا لسيد البيت، فأحسن تربية ساكنَهُ، متفضِّلا عليه بأعلى شهادات الذل والصغار..

ذات وقت قرصه الضمير بهمسة حق، ومازال يهتف له بإلحاح ليترك هذا المسكن الموبوء، ورغم المعارضة الشديدة من صادات شعاع النور في داخله، قرر الهروب والبحث عن حياة تسطع فيها شمس لاتحرقه، وعندما حلَّ الليل خلع ملابسه، وانطلق فارًا بنفسه دون أمتعته التي تعودها في البيت المشؤوم.

كان الليل طويلا أنهكه فيه المسير، وأدمت قدميه نتوءات الأرض المتعرجة بأفكار العابرين، وعندما ارتفع قرص الشمس في الأفق سمع صوتًا يناديه، تلفت يمنة ويسرة لم ير أحدًا، فصرخ خائفًا من يناديني ؟

أجابه الصوت : أنا ذعرك المخلص لك، لاأستطيع فراقك؛ هربتَ مني، فجئتُ أسكنُك.

بقلم

زاهية بنت البحر

 

رحلة غريبة

3

اللهم نجنا منها

جلست أمام الموقد تطهو الخروف الصغيرالذي أحضره زوجها لوليمة الأسرة، كان العرق يتصببُ من جبينها الأسمرالذي لوحته الشمس بأشعتها الحارة، و يزداد انبجاسًا من مسامات جسدها النحيل المتعب في خدمة أهل المزرعة دون معين كلما امتد رأس ملقط الفحم كحصان في سباق، وهو يقلب الجمر تحت القدر الكبير.
 أحست برغبة غامرة بتقليب الجمر أكثر مما يتطلب الأمر منها.. غرقت عيناها في لهيب النار الحمراء، غرقت، مرت لحظات أحست بعدها بمغادرة جسدها، وغوصها في أعماق النار بلا حذر… عالم دافئ يوقظ المشاعر ببريق الأجواء الخاطفة للأبصار، انطلقت في كل الاتجاهات تستكشف هذا العالم الغريب، وما فيه من جمالٍ يسلب الألباب.. رأت جبالا، وديانا، بحارًا وأنهارا كلها تتلظى احتراقًا.. اقتربت من نهر يجري ملتهبًا يشع كألوان قوس قزح.. غمست فيه يديها فذابتا قبل أن تشعر بهما.. ابتعدت عن النهر، والرعب يملأ قلبها.. صرخت تطلب النجدة، لاأحد هنا غيرها.. تريد يديها.. هبت ريح عاصفة يتطاير منها شرر كثيف أصاب عينيها فسالتا فوق خدين حفرتهما الريح النارية، وشعرها المحترق تلتصق بقاياه في أماكن متفرقة من وجهها.. ركضت دون هدى.. ركضت أكثر، وأكثر.. أحست بحرارة الأرض تأكل لحم قدميها ومنهما تتكمش بجسدها كله.. لم تعد تشعر بشيء… تلاشى فيها الإحساس لولا أن خرج الحصان الناري من تحت القدر ملتقطًا بفمه جمرة حمراء وقعت فوق قدمها فصرخت متألمة.. انتبهت.. فوجدت نفسها مازالت ترى ويداها تدفعان الجمرة عن قدمها.


بقلم
زاهية بنت البحر

  

أنقذيني

3

توقفت عن متابعة قراءة رسالتها، ذهبت إلى المطبح لإحضار شيء من القهوة العربية التي أحتفظ بها مغليه في الثلاجة. عدت لمتابعة قراءة الرسالة، وانقباضٌ يصطاد صدري: لم أخفِ عنكِ شيئًا مما حدث، صعب أن أعود إليه وفي قلبي نارٌ تغلي منه و مني.. حلَّاقة سوءٍ استغلت ظروفي السيئة معه، فأودت بي إلى خيانته بحجة الترويح عن نفسي المتعبة، وقبضتْ الثمن.

كنت غبية عندما أظهرت لها ضعفي وحاجتي لآخر يعوضني الحنان الذي منعه عني زوجي العاشق لأخرى، امرأة ناقصة عرفت كيف تستدرجني بالكلام، فعرفت كل شيء عن حياتي دأبها مع مرتادات وكرها الموبوء.. كرهت صالونات الحلاقة، كان وغدًا من قدَّمته لي الخبيثة مرغريتا.. عاد زوجي إلي اليوم نادمًا، معتذرًا عن خيانته، أتراه يعلم بخيانتي له ويتصنع الغباء راضيًا بما حدث؟

الديوث هو من أخذني إليها لتصفيف شعري في مناسبة كنا سنحضرها معًا حيثُ تعرف على الخائنة التي سلبتني دفء بيتي وأمنَ حياتي، ماذنب أولادنا بما كان منا؟

 لاتتركيني أغرق بين أمواجٍ متلاطمة.. ساعديني للوصولِ إلى برِّ أمان ؟

أطبقت الرسالة ودمعة تجري على خدي تهمس بوجوب إقامة الحدِّ عليهم جميعًا.

بقلم

زاهية بنت البحر

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

اقتله..اقتله

2

 

بموافقةٍ وتحريضٍ من الجميع قرَّرَ أن يقتله، ويريحهم من تحركاته المكوكية الدائمة سراً وجهراً… كثرة اللف والدوران قد تورث فارسها الخطر في أحيانٍ كثيرة ما لم يلتزم الحذر ويخطط لتلافي الوقوع في المحظور بوعي وتبصر. اشتد غيظ صاحبنا من نشاط فارس الميدان الغبي هذا عندما راح صغار السيد يصرخون ويتراكضون في مملكته الشاسعة خشية هجومٍ مفاجىء يطال به أمنهم، وتهد سعادتهم أثناء جريه الطائش فوق الأرض.. الجميع يصرخ اقتله.. أرحمنا منه… سيؤذينا إن لم تفعل ذلك… لا تتركه يفلت منك… لم نعد نشعر أمناً بوجوده… بعض العيون نزفت دمعاً، وبعض البطون أفرغت زادها اشمئزازاً وقهراً، والطائشُ يترنح يميناً ويساراً كالمخمور لا يدري عن مصيره المنتظر شيئاً. هناك مقولة لا أدري مدى صحتها تفيد بأن قبيلة فارس الميدان تعودت منذ القدم أن تدفع بالمغضوب عليه من أولادها إلى خارج حماها للخلاص منه كبيراً كان أو صغير، فالخارجُ إلى دائرة الضوء مقتولٌ لا محالة، والعائدُ مولود وما أندره بينهم.. لكن قد يأتيه عفوٌ إن جاءهم بصيد ثمين، وقلَّ ذلك في تاريخ أمَّته. هذه العادة الرهيبة في الانتقام كما يقال يعرفها الجميع هنا، وقد يتعرض لها أي فرد من السكان دون تفريق بين أبناء العشيرة الحفاة الذين يمتازون عن سواهم بالصبر الطويل على الجوع، والتخفي في الظلام، وقد يأكلون الخشب إن هم فقدوا الطعام، وقد يجترون اللاشيء إن تعذَّر وجود الشيء، و شهرتهم بطول الشنب ملأت الآفاق، ولكنها رغم ذلك لم تبوِّأهم مكانة مرموقة بين الرجال . مازلت عينا الراصد تتبع بحذر تحركات الفارس الغبي.. إنه تحت مراقبته الخارقة النظرات.. أحس الراصدُ قرفاًأعقبه إحساسُ بالضَّجرِ مما وجد نفسه فيه أمام مطالبة الجميع بإعدامه دون رحمة… هو جدير بالموت كما يقولون لترك المكان خالياً لهم دون سواهم. الراصد القوي يستطيع من مجلسه أن يقضي على قبيلة الفارس كلها بضغطة إصبع.. لا لن يفعل ذلك خشية ما قد ينتج عن تلك الضغطة من آثار جانبية قد تضرّ صحياً بالخائفين من أتباعه المدللين . قرر إخلاء الساحة منه بطريقة أكثر حضارة لا تؤذي سوى الضحية بعد أن ضاق بلفه ودورانه ذرعاً، وبمناشدة الآخرين له بقتله صدراً… نهض عن كرسيه…. خطا خطوتين كان حذاؤه في الثالثة فوق ا ل.. ص..ر.. ص.. و.. ر..

 

بقلم

زاهية بنت البحر

يكفيكم فخراً فأحمد منكم ***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن

موسيقى

0

 

أغلقت سماعة الهاتف والغيرة تثور في صدرها  بركان غضب ثائر يتسرب من مساماتها عرقا… غادرت البيت لضبطه عند صديقتها.. تسرع الخطى.. تسمع ضحكاتهما.. تهرول.. موسيقى حالمة..  يزداد الشارع ازدحاما، والكيد اشتعالا، والعرق انهمالا.. تركض..تضج أعماقها.. قرع طبول.. تتصنع الصمم.. تتلمس جيبها اليمنى.. ستغرسها في صدريهما.. يعلو صوت لهاثها..  تتعثر قدمها بحفرة.. تسقط فوق الأرض.. دم ينفر من يدها.. تعض على شفتيها.. ترفع رأسها.. تراه أمامها بقامته الممشوقة.. يقدم لها منديلا.. تأخذه.. تلتقي عيونهما.. يبتسم.. تحدق في وجهه.. تتسع ابتسامته.. تبتسم..  يرفعها عن الأرض.. يمشي بها إلى سيارته قرب الرصيف.. يفتح الباب.. تجلس في المقعد الأمامي.. يجلس خلف المقود.. يدير المسجل.. موسيقى حالمة..  يخمد بركانها ويده تسرق نقاء الياسمين.

بقلم

زاهية نت البحر

 

حرة, سطح المكتب, ورق جدران, الحاسوب, الخلفية, 1024, وارتفاع القرار, والطبيعة, 1280,المنتجع شاطىء للبحر في مساء.  , الشاطئ الرملي.  , لوح., البارجة.  , الشاطئ.

أينَ روان؟

4

كانت تلعب مع قطتها الصغيرة في حوش البيت عندما نادتها أمها، تستعجلتها بالقدوم إليها. مسحت بيدها الصغيرة على رأس القطة وظهرها، وهي تحضنها بدفء وحنان، والقطة تلعب بذيلها الأسود فيلامس وجه روان مدغدغًا ذقنها، تضحك بصوت عالٍ والعصافير فوق شجرة الكباد تشاركها سعادتها بزقزقة ملأت حديقة البيت بهجة وسرورا.
خرجت من البيت ويدها تقبض بحذر على ماأودعت فيها أمها من نقود أوصتها بإعطائها لجارهم الفران ثمنًا للخبز الذي ذهب والدها إلى العمل قبل إحضاره إلى البيت. كانت الأم تحضر فطور الصباح لأطفالها بينما صغيرتها روان تقطع الطريق إلى الفرن، تحلم برغيف ساخن شهي تعودت أن تتناوله صباحًا كلما أحضر والدها الخبز اللذيذ.
تأخرت روان بالعودة إلى البيت، خرجت أمها لإحضارها.. وصلت الفرن .. وجدته مغلقًا.. قلقت على صغيرتها فراحت تسألُ عنها أولاد الحارة ورجالها وأصحاب الدكاكين والمحلات التجارية.. لم تلقَ جوابًا يطمئنها على صغيرتها. عادت إلى البيت بخوف شديد..اتصلت بزوجها هاتفيًا تخبره بأمر الصغيرة.. خلال وقت قصير كان الرجل في البيت ومعه بعض رجال الشرطة.
فتشت الحارة من بابها إلى محرابها، ولكن دون فائدة، وفي طريق عودة الرجل والشرطة إلى بيته مروا بالقرب من الفرن، وجدوه غير مقفل، دخل الرجل لسؤال الفران عما إذا كانت ابنته قد جاءت إليه لشراء الخبز.. أجابه بالنفي، فهمَّ بالخروج من الفرن، وهو في طريقه إلى الخارج وقعت عيناه على حذاءٍ صغير لم يلفت انتباهه بدايةً، وكاد يتابع طريقه لولا أن تذكر بأن هذا الحذاء يشبه حذاء صغيرته الذي اشتراه له من أسبوع.. انحنى نحوه.. أمسكه بيده مذهولا، مالبث بعدها أن صرخ بأعلى صوته : إنه حذاء روان من أتى به إلى هنا؟
راحت عيناه تفتشُ المكان كله، والفران في عجبٍ مما سمع، وبالقرب منه يقف أجيره غصوب شاحب الوجه، مرتجف اليدين، محني الظهر كأنه شيخ في التسعين، اتسعت عينا أبي روان وهو يدقق النظر في وجه غصوب.. مشى إليه.. أمسك به.. سأله عمن أحضر حذاء ابنته إلى الفرن.. تلعثم الغلام خائفًا، وصدره يعلو ويهبط كسطح البحر بموج  الخوفِ هائجا.. أطبقت يدا أبي روان بشدة فوق عنقه:
– أين روان؟
– لاأدري.
– أين روان، قسمًا عظَمًا لأدخلنكَ بيت النار إن لم تتكلم. أين روان؟
– لاأدري.
– تكلَّم وإلا..
– القيتها ببيت النار عندما قالت لي بأنها ستخبرك بما فعلتُ بها قبل أن يأتي معلمي إلى الفرن.

 

بقلم

زاهية بنت البحر


11:05 PM 9/23/2007

 

وقعت احداث هذه القصة قبل عشرين عاما، ومازال الفرن حتى اليوم بختم الشمع الأحمر

الصورة الرمزية شيخه العتبان

صياد وسمكة

0

 

صياد وسمكة
تنزل البحر كل يوم بحثًا عن صيد جديد، مازال طعم أول سمكة ظفرت بها قبل سنوات يشعرك بالجوع، سمكة ذهبية معشقة بالأخضر، ظننت يوم اصطيادها بأن البحر لن يجود بمثلها أبدا، ورغم ذلك بقيت تنتظر المعجزة. تزرع الشاطئ ذهابًا وإيابا وعيناك تجولان المكان بحذر شديد، تلتقط أنفاسك كلما تكسرت موجة فوق الصخور، وأزعج أذنيك أنينها فوق الرمال. أيقنت بعد كثير ترددك على الشاطئ بأن الموج يتألم، وله قلب كالذي ينبض في صدرك، يفرح ويحزن، يغضب ويهدأ، سألت نفسك كيف تشابهتما، لم تجد جوابًا يشعرك بالطمأنينة، ترفض أن تكون كالبحر فهو غدار، انت تقر بهذا، أما أنت فغدار أيضًا، ولكنك تأبى الاعتراف بذك رغم أنك مازلت تحس جوعًا منذ اقتناصك السمكة إياها قبل سنوات، أكلتها لحمًا ورميتها حسكا. تهرب من إلحاح فكرة الغدر عليك، تسرع الخطى فوق رمال الشاطئ ، السمكات يتماوجن فوق سطح البحر بما يسلبك الوعي، ترمي الصنارة،
تعلق بها إحداهنَّ،
تشد الخيط ،
تمسك بها،
تجفل،
تنظر في عينيها،
تنفر الدموع منهما،
تفرك عينيك بأصابعك المرتعشة،
الصيد ثمين.. ثمين جدا، جدا
تكاد تجن،
لاتصدق ماتراه،
تسأل نفسك برعب يفترس قلبك المتشوق للصيد:
كيف أصبحت ابنتك سمكة؟

بقلم

زاهية بنت البحر

صياد وسمكة ، قصة قدم دراسة نقدية لها مشكورا الشاعر

 والناقد الأستاذ طلعت سقيرق

القراءة توجد في المدونة

https://zahya12.wordpress.com/2010/11/30/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d8%b2%d8%a7%d9%87%d9%8a%d8%a9-%d8%a8%d9%86%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d8%b1-%d8%b5%d9%8a%d8%a7%d8%af-%d9%88%d8%b3%d9%85%d9%83%d8%a9/

سورنيتي

1

 أعجبتها النكتة.. ظلت تضحك منها أكثر من دقيقة حتى تعبت منها الخاصرة..

–  نادٍ رياضي لاستعادة رشاقة الخادمة !

–  أليست إنسانًا؟

–  بلى. لكنها جاءت إلى البيت بهذا الوزن قبل عامين، ثم فقدته هنا، وما لبثت أن عادت إليه مؤخرًا. زيادة الوزن تجعلها بطيئة الحركة، لم أعد أطيق صبرًا.

–  عليك بطولِ البال وكل شيء بثواب.

–  دائما تبدو متعبة، كسولة. – الكرش يضايق في العمل.

–   منها لكرشها، اقترب موعود رجوع زوجي إلى البيت، ولم تنهِ بعد تنظيف جدران غرفته.

مع ارتشاف القهوة سمعتا صوت توجع مكتوم.. نهضتا من مجلسهما.. توجهتا نحو مصدر الصوت.. توقفتا قبالة باب الحمام، حاولتا فتح الباب، كان مقفلًا، يشتد صوت الأنين ويعلو.

–  سورنيتي.. ماذابك؟ افتحي الباب.. سور، افتحي الباب.

  صوت تألم مخنوق..

–  افتحي الباب ياسو.

تضرب المرآتان الباب بقبضاتهما بقوة.. صوت توجع الخادمة يزداد ارتفاعًا، والباب لايزال مقفلا. تخرج إحداهما من البيت، تستنجد بالجيران. يُخلع باب الحمام، إثر صرخة مدوية ألقت الرعب في القلوب، خمد بعدها صوت الخادمة بانفجار صوت بكاء وليدٍ اندلق فوق الأرض يحتاج لقطع حبل المشيمة.

بقلم

زاهية بنت البحر

 

%d bloggers like this: