بالأمس كتبت مذكرة ولكنني مزقتها عندما فوجئت بزوجة أبي بالقرب من غرفتي، فخشيت أن تراها فتعود لمضايقتي بعد أن هداها الله في رمضان، وكفَّت أذاها عني.. وعندما دخلت الغرفة ورأيت بيدي قصاصات الورق سألتني عما فيها ،فارتبكت وتلعثمت الكلمات في فمي ولم أنطق بحرف، لأنني ماعرفت بما أجيب فأنا لن أكذب عليها بحجة ما خاصة في شهر رمضان فالكذب لايجوز في غيره فكيف فيه، فناولتها القصاصات ويدي ترتجف خوفًا من قراءتها.. حاولت تجميع الحروف فلم تفلح لأنني مزقت الورقة نتفًا نتفًا.. فرمقتني بنظرة شجب وخرجت من الغرفة وهي تقول لاحول ولاقوة إلا بالله. فأعدت قولها وهي تغلق باب الغرفة وراءها ،ورحت أقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين، وآية الكرسي اسعدادًا للنوم مبكرًا، فأمامي بعد ساعات استيقاظ لمساعدتها بتحضير السحور. كان كل شيء على مايرام ونحن نتناول سحورنا فسألت والدي هل للسحور أهمية ياأبي كي نستيقظ من النوم ونأكل ثم نصلي الفجر وننام ؟فأجابني: وجبة السحور ضرورية ياابنتي وهي من الأهمية بمكان لأنها توازي أهمية الإفطار فلا يمكن الاستغناء عنها لإنها تعطي الجسم الطاقة الضرورية ليوم صوم جديد، الجسم يا ابنتي في حاجة ماسّة إلى الغذاء، ولا تكفي وجبة واحدة يوميّاً لسدّ النقص الذي يعاني فيه الصائم. لذا فالمحافظة على هذه الوجبة ضروري، وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام:(تسحروا فإن في السحور بركة) .
52
اليوم كانت درجة الحرارة مرتفعة جدًا، وأنا في المدرسة شعرت بالعطش الشديد، ولكنني قاومت وساوس الشيطان التي كانت تدعوني لشرب الماء من الحنفية التي يروي الصغار منها ظمأهم.. وكنت أبعد نظري عنها وأصبر على العطش حتى رجعت إلى البيت فحدثت زوجة أبي بالأمر ،فأثنت على مقاومتي لوساوس الشيطان الذي يريد أن يجعلني أفطر فأكسب الذنب وأخسر رضا الله، ومن شدة العطش كادت شفاه الطالبات تتشقق فلم تتمالك زميلتنا عفاف نفسها فراحت ترطب فمها بالماء مما جعل بعضًا منه يتسرب إلى جوفها، فظنَّت أنها أفطرت فشربت بعد ذلك عمدًا حتى ارتوت، فرأتها المشرفة على باحة المدرسة، فأنبتها وأخبرت بذلك معلمة الصف التي راحت تحدثنا عن ثواب الصائم، وصبره على الجوع والعطش في رمضان، وكيف نتغلب عليه وكل ذلك يثوابه، ودعتنا إلى الاعتدال بسحورنا، فلا نأكل الطعام الذي يسبب لنا العطش وخاصة التوابل الكثيرة وعلينا بتناول الفاكهة والماء أثناء الليل في فترات متفرقة، فهذا يخفف العطش، وتقليل تناول الطعام المالح والمياه الغازية التي تزيد العطش للمفطر فكيف بها للصائم، ولكن رغم ذلك فلابد للصائم من الشعور بالعطش خاصة في الحر الشديد، فعليه بالصبر وبه يربي نفسه على التحمل وطاعة الله عزَّ وجلَّ وتحدي الشيطان ،وله جزاء يوم القيامة عظيم، سوف ينادى على الصائمين يوم القيامة، فيدخلون من باب اسمه الريان لا يدخله غيرهم وذكرت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ،عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ” إن في الجنة باباً يقال له الريان ،يدخل منه الصائمون يوم القيامة ،لا يدخل معهم أحد غيرهم ،يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد” .
53
أبت هدى إلا الجلوس وسط أمها وأبي ونحن نتناول طعام الإفطار، وراحت تتمايل بينهما بدلال فتطعمها أمها تارة لقمة وتارة أخرى يضعها أبي في فمها، لاأدري لماذا أحسست بالألم عندما شاهدت هدى وسط أبويها تعبُّ من دفء حنانهما مالم أحس به يومًا، اغرورقت عيناي بالدموع، وتعثر الطعام في فمي بغصة المحروم من صحبة والديه معًا وهما على قيد الحياة، يارب أنا لاأعترض على قضائك وقدرك لأن الإيمان بهما من أركان الإيمان ودون الأركان لا يكون الإنسان مؤمنًا، مازلت أذكرها جيدًا فقد شبهها جدي ذات يوم بأساس البناء العميق الذي يحفر في الأرض ليقوم فوقه بناء البيت من جدران وسقف وبدون هذه الأركان لا يكون بناء وأنا على ثقة بأن النفس الإنسانية كالأرض بحاجة لأركان يبني الإنسان فوقها إيمانه ليكون متينًا لا تهدمه العواصف التي تهب عليه من كل ناحية وصوب. سبحان الله الذي وهبنا العقل وهو نعمة كي نفهم مايدور حولنا من أمور، ونعم الله كثيرة سأسأل عنها ذات وقت عندما أكون بوضع نفسي أطيب من الآن، ولكن لماذا لا أكون الآن في هذا الوضع النفسي الأفضل مادمت مؤمنة بالله وبأركان الإيمان التي ذكرها جدي لي وهي :الإيمان بالله، وملائكته ،وبالكتب السماوية، وبالرسل ،والإيمان باليوم الآخر، وبالقضاء خيره وشره. أجل الإيمان بالقضاء خيره وشره.. عندي اليوم أشياء كثيرة أود فهمها من أبي فسألته أولا عن الإيمان بالقدر فقال: الحديث في هذا الموضوع طويل يا ابنتي ولكن باختصار علينا أن نؤمن بكل ما يصيبنا من خير أو شر ونصبر عليه لأن ذلك مقدر من عند الله ومكتوب علينا في اللوح المحفوظ منذ أن قدر الله لنا الحياة، فمن كان صالحًا فليزد في صلاحه، ومن كان عاصيًا فليعمل على التوبة سريعًا، لأن قدر الإنسان بيد الرحمن يبدله كيف يشاء، ولاأحد غيره يستطيع ذلك دون إرادة الله عزَّ وجلَّ. فسألته وما أثر ذلك على الإنسان ياأبي؟ فقال: من آثار الإيمان بالقدر أنه يطرد القلق والضجر عندما لا يستطيع الإنسان تحقيق مايريد قال الله تعالى( ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ذلك على الله يسير، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور ) [ الحديد : 22 ، 23 ]
54
سمعت كثيرًا عن اللوح المحفوظ، ولكنني لم أستوعب جيدًا ما يعنيه، وهل هو لوح يُكتب عليه بالقلم؟ سألت والدي عنه ونحن في جلسة عائلية رمضانية، وزوجته تصغي باهتمام لما يدور من حديث فقال: اللوح المحفوظ ياسحاب هو أم الكتاب.
سألته: مامعنى أم الكتاب
قال: أم الكتاب يقال: فاتحة الكتاب
سألته: التي نقرؤها في الصلاة ؟
أجاب: نعم، وقال الله تعالى:
(هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب(آل عمران الآية(7
: “فسألته: الأيات المحكمات هن أم الكتاب ؟
قال : أجل .
سألته ماذا يعني آيات محكمات؟
فقال لي : سأخبرك بذلك بعد أن نتكلم عن اللوح المحفوظ.
واللوح المحفوظ ياسحاب هو الكتاب المبين، وهو كتاب الأقدار، قال الله تعالى(
بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ”) [البروج: 21–22]،
وقال تعالى: “إنا جعلناه قرآناً عربيًّا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب” [الزخرف: 3-4]
وقال تعالى: “ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب” [الحج: 70]، وقال تعالى: “ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها” [الحديد: 22].وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء”.
أرأيتِ ياابنتي كل شيء مكتوب لكل الخلق في كتاب حتى يوم القيامة. فقلت له: وهذا الكتاب هو اللوح المحفوظ. قال: أجل وفيه تقديرات خاصة منها ما يختص بآدم وذريته، ومنها ما يختص بكل فرد من بني آدم، كالتقدير الذي يكون عند نفخ الروح في الجنين، وهذه التقديرات لا تتعارض مع التقدير العام. فقلتُ له وقد اقشعر بدني: ولكنني سمعت من يقول: إن ما فيه من الأقدار ثابت لا يتغير، كما قيل: إنه يمكن أن يتغير فكيف يكون ذلك ياأبي ؟
أجابني بكثيرٍ من الاهتمام: نعم يستدل من يقول ذلك ياابنتي بقول الله عزَّ وجلَّ: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)؟ قلت : لم أفهم ماذا يعني يمحو مايشاء ويثبت مايشاء. قال: جميل سأشرح لك ذلك، لقد اختلف من فسروا القران في هذا المحو والإثبات بمعنى كيف ومتى فقالوا: “المراد بذلك الشرائع ما يُحْكِمُ الله منها وما ينسخ، وقيل المراد صحف الأعمال التي في أيدي الملائكة، وكل ما يكون من محو وإثبات في الشرائع أو صحف الملائكة قد سبق به علم الله وكتابه الأول.”
أحسست بتفتح في عقلي وأنا أستمع لما يقوله والدي وكأنني كبرت سنوات عقليًا فقلت: مايقدره الله نافذ لامحالة ياأبي فهو المقدر وهو المنفذ لما يريد سبحانه وتعالى ما أعظمه فقال: أجل ياابنتي “فالصواب أن اللوح المحفوظ لا تغيير فيه، وما سبق في علمه وكتابه أنه كائن لا بد أن يكون كما علمه سبحانه وتعالى بالأسباب التي قدَّرها، فالقدر شامل للأسباب والمسببات، ويدخل في ذلك الكون كله، وما يجري فيه من صغير وكبير، بما في ذلك أفعال العباد طاعاتهم ومعاصيهم قال الله تعالى ” الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً” [الطلاق: 12]. والله أعلم
زاهية ايتها الرائعة
مذكرات سحاب
وجدانية بمشاعر سحاب
الرقيقة
وهادفة دينيا وتربويا وتعليميا
اوصلتيها بطريقة محببة
الى النفس
بارك الله فيك
وجعلها في ميزان حسناتك
سعدت بقرائتها الى هنا
فاسعد الله ايامك
اسلوب جميل وسرد رائع كما عهدناك أخت زاهية
وفقت في طرح هذه القضية وقدمتها بشكل جميل وواقعي غاية في الروعة
لا عدمناك
تحياتي لقلمك المبدع
بارك الله فيك أختي المكرمة الشامخة
لك شكري وتقديري
زاهية ايتها الرائعة
مذكرات سحاب
وجدانية بمشاعر سحاب
الرقيقة
وهادفة دينيا وتربويا وتعليميا
اوصلتيها بطريقة محببة
الى النفس
بارك الله فيك
وجعلها في ميزان حسناتك
سعدت بقرائتها الى هنا
فاسعد الله ايامك
أهلا وهاج الحروف.. بارك ربي فيك ورعاك
كل عام وأنت بخير
أحسنت زاهية لتك تكمليها في المنتدى .. فبها من ظلال العلم للطفل ما يشوق
كوني كما يحب الله
أحسن الله إليك أخت حياة
أسعدني حضورك الجميل كل عام وأنت بخير