حدثتني كاميليا عن سيدة عجوز وشابٍ استأجر عندها غرفة أثناء دراسته في الجامعة.. قالت كاميليا بجدية ملفتة جعلتني أتابع كل كلمة تتفوه بها بلهجتها المصرية الخاصة، وكل حركة من يديها بهدوء كانت أو بقسوة، وتقاسيمَ وجهها التي تتأثر بما تقول فرحا أوحزنا، غضبا أو رضا:
كان الشاب المهذب يحترم السيدة احترامه لجدته التي توفيت منذ مدة قريبة، ويقوم بخدمتها إن هي احتاجت شيئا محتسبا الأجر عند الله، و كانت هي أيضا تبادله عمله الحسن بالأحسن كما يراه، لكن شيئا ما جعله في حيرة من أمره حتى أنه كان يشعر بالعجب مما يراه على غير عادته التي درج عليها سابقا قبل انتقاله للعيش عند هذه المرأة المتبدلة الأطوار.
كانت دائما تبادره بالصباح وابتسامة تزين ثغرها الذي فتكت به السنون، فبدلته ارتجافا بعد ثباتِ شفاهٍ كيديها المتعبتين اللتين كانتا ترتجفان عندما تمسك بهما شيئا فيسمع صوت أساورها القديمة يرن بالذهب.
حِيرتُهُ كتمها في نفسه تاركا فيها تساؤلا لم يجد له جوابا يريحه مما هو فيه. حاول أكثر من مرة مفاتحة العجوز بالأمر، ولكنه كان يشعر بالخجل منها فيرجع أدراجه وقد ازداد حيرة وقلقا. أخيرا حزم أمره وقرر وضع حيرته على بساط البحث ليضع حدا لما هو فيه عذاب.. فتح ملف قضيته وبدأ بقراءة الأحداث تسلسلا منذ بداية إحساسه بظهور المشكلة. اعترف لنفسه بأن حبه للشاي قديم منذ الصغر وهو من مفضليه على المشروبات كلها، ومما لا شك فيه بأنه قبل إقامته المستجدة عند العجوز وحتى بعدها بمدة كان يحتسي الشاي بلونه الخمري وطعمه اللذيذ.. شيء ما تبدل بهذا الشاي المحبب إلى نفسه فبات أصفر اللون غير ذي طعم ولا رائحة ذكية كما يعرفها..
قرر وضع حد لحيرته.. ذهب إلى دكان البائع وأنبه على بيعه شايا مغشوشا.. أنكر البائع ذلك وأخبره بأنه يعطيه أفضل أنواع الشاي.. لم يصدق الشاب ماقاله البائع، أقسم الرجل بأنه لم يغشه بالبيع وإثباتا لذلك أعطاه نوعا آخر من الشاي وقدم له كأسا من مغليه حضَّره أمامه في دكانه، فأعجب الشاب به ومضى إلى بيت العجوز باش الوجه. وضع الشاي الجديد في وعاء زجاجي محكم الإغلاق قرب علبة السكر، وشرع في تحضير العشاء، ولكن قبل أن يضع ابريق الشاي فوق نار البوتغاز فاجأته العجوز بوجهها الباسم وعينيها الغائرتين.. رحب بها باحترام.. كانت نظراتها إليه هذه المرة مختلفة جعلته يحس بشيء من الحياء تجاهها متمنيا استعجالها بالكلام أو مغادرة المكان الذي هو فيه، وعندما ابتسم لها مجاملا ؛ ابتسمت له وبادرته بطلبٍ أراحه قليلا .. لم يرفض لها ما أرادت فذهب مسرعا إلى البقالية لإحضار طبق من البيض نزولا عند رغبتها الملحة في ذلك..
شكرته على نبل أخلاقه، ومضت إلى غرفتها بوجهِ أكثر بشاشة بعد أن وضعت البيض في الثلاثة. جلس الشاب لتناول عشائه وصب الشاي في الكوب فوجده أصفر اللون دون رائحة ولا نكهة. أحس بالدماء تغلي في عروقه، فأسرع إلى البائع والشرر يتطاير من عينيه. رآه البائع قادما نحوه فانتابه الخوف.. سأله عما حدث فأجابه بلكمة فوق أنفه أسالت دماءه بغزارة.. راح الرجل يصرخ بصوت عال مستنجدا بالمشترين والمارة في الشارع..
أمسك الرجال بالشاب ومنعوه من متابعة ركل البائع وضربه، ولما عرفوا القصة وضعوا اللوم على الشاب الذي لم يتأكد من غش البائع وأن عليه مراقبة مايحدث في منزله لأن البائع قد شهد له الجميع بالأمانة والصدق، وحلا للإشكال العجيب أعطى البائع للشاب وقية من الشاي الفاخر هدية على أن يأتيه بالخبر اليقين .
عاد الشاب إلى منزله ووضع الشاي الجديد مكان القديم ورفع إبريق الشاي فوق النار .. خرج من المطبخ وأخبر السيدة بأنه سيذهب إلى البقالية لشراء علبة سردين ولن يتأخر كثيرا.. أغلق باب البيت على مسمع منها وعاد متخفيا إلى المطبخ .. تخبأ خلف ستار النافذة ووقف هادئا.. أدهشه مايرى.. العجوز تدخل المطبخ وبيدها كيس .. تفرغ الشاي الذي أحضره الشاب قبل قليل وتضع مكانه الشاي الذي في الكيس.. كاد يفقد صوابه وهو يرى ذلك فخرج من وراء الستار.. فوجئت العجوز به.. ارتجفت .. كادت تسقط أرضا فأمسك بها وأجلسها فوف الكرسي خوفا من أن تلفظ أنفاسها الأخيرة فيقع في مشكلة قد تلقي به في السجن.. أجهشت بالبكاء وأخبرته بخجل بأنها كانت تخرج الشاي المستعمل من صندوق القمامة وتغسله جيدا ثم تضعه تحت أشعة الشمس حتى يجف، وعندما أصبح عندها كمية كبيرة منه بدأت تأخذ الشاي الطازج من العلبة وتضع مكانه المستعمل.
رائع هذا العرض وجميل ذلك القصد ولكني لن اشرب الشاي بعد ذلك إلا في بيتي وعند من أثق بهم وخاصة إذا كان لونه باهتا” ولكني أحب القهوة أكثر , ترى هل من المعقول فعل الشيء نفسه مع ما يتبقى من القهوة غريبة هذه المرأة ترى هل كانت تشرب من ذلك الشاي وقد اخرجته بيدها من القمامة
سردتِ فأبدعتِ وما أجمل ما كتبتِ
كوني دائما” بخير
أختك المحبة
الهام محمد
رائع هذا العرض وجميل ذلك القصد ولكني لن اشرب الشاي بعد ذلك إلا في بيتي وعند من أثق بهم وخاصة إذا كان لونه باهتا” ولكني أحب القهوة أكثر , ترى هل من المعقول فعل الشيء نفسه مع ما يتبقى من القهوة غريبة هذه المرأة ترى هل كانت تشرب من ذلك الشاي وقد اخرجته بيدها من القمامة
سردتِ فأبدعتِ وما أجمل ما كتبتِ
كوني دائما” بخير
أختك المحبة
الهام محمد
LikeLike
حدثتني كاميليا عن أشياء كثيرة سأتابع نشرها قريبا بإذن الله.
LikeLike
تحية لك عزيزتي كاميليا
LikeLike