Mryam M.Y

Just another WordPress.com weblog

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)82

3

عادل البلبل الحيران يصدح حزينا في روض حبه لسراب على أفنان المنى.. تسمعه الريح.. تخطف أنينه.. تذروه بطيش في مهبها حجبا عن الأفهام.. يحتد.. يثور.. يرفض الاعتراف بالعجز أمام جبروت البحر.. يكحل الأمل بمرود الصبر.. يسقيه بماء الروح الطاهر.. يأبى أن تغادر مليكته عرشها العالي الذي شيده لها في خمائل قلبه.. ظل فيه ناسك الحب الوفي، يكوثره كلما أوشكت أن تلمس تدفقه شائبة صفاء.

سيظل جبهة صامدة في وجه العجز مهما عصفت ريحه، يسكت هدير اليأس مهما غلت براكينه وتفجرت حارقة ورود وفراشات ربيعه المنتظر.. مازالت بين يديه تتنفس هواءه.. يراها بعينيه  تئن بصمت يذبحه دون بسملة، ولكن قلبها مازال ينبض رغم الوجع.. لا يستطيع أن يرى بيته فارغا من إشراقها في صباحاته شمسَ دفء.. طالعة في مساءاته بدر ضياء.

ما عساك يا درة تفعلين، ومن ستقنعين بالعودة إلى البيت؟ الموت أهون عليه مما تقولين.. لمي شباك رأيك واطرحيها في بركة ماء فارغة فقد عقد العزم، وأقنع الشبان بما يريد.

تركها والدموع تجري فوق وجنتيها ممتزجة بماء المطر ورذاذ الأمواج الصاخبة.. أخذ منها خيمة الساهري خطفا.. وجدها في تلك اللحظة كنزا لا يقدر بثمن.. فاته في زحمة انشغاله على محبوبته أن يلوح بهمسة شكر لحسيبة حتى ولو كانت بينه وبين نفسه..

عجنها القلق بكفي الخوف.. أوجعها العجن فكاد يرمي بها في هوة ضياع لن يستطيع أحد أن يخرجها منها لولا أن امتدت إليها يد حسيبة تهدئ من روعها بما يشبه المواساة، لكن خافقها ظل يطرق في صدرها بشدة  كطرق بمطرقة حداد يريد قص قطعة من فولاذ لانبض قلب من دم ولحم. تعب  قلبها.. ملَّ الألم.. فقد القدرة على الاستمرار في  مضغ  الهم.. يريد الوصول إلى بر أمان ينسى فيه صدره المرهق وكل من فيه، وما حوله..

نظرت في وجهه وقد ابتعد عنها.. رأته يحاكي لون الشمس التي بدأت بالشروق.. خافت.. ارتجفت.. كبَّرت.. أتشرق شمس وتغرب شموس؟!!

  لم يعد أمامها وقت لعمل شيء ينقذ وحيدها ومن معه من كارثة محققة الوقوع إن هم ركبوا الزورق وأبحر بهم في غياهب المجهول..

عاشت عمرها تتحدى اليأس.. والآن هي في أكبر محنة تقع بين فكيها.. كادت تصرخ.. تولول وتنوح.. تمسك حسيبة بيدها.. تهمس في أذنها بكلمات.. لم تستوعب ما قالته لها.. تطلب منها إعادته على مسمعها.. مازالت خارج تغطية الوعي.. تعيد حسيبة كلامها الهامس للمرة الثالثة.. ثمة علامة ارتياح تشرق بمعية الشمس فوق وجنتي درة..

تغادر المكان على عجل وخلفها حسيبة.. تركض.. تركض حسيبة.. يعلو صوت خطواتهما.. يقارع عواء  الريح.. الأزقة خالية إلا منهما.. بقي عليهما  القليل لتصلا إلى ما هما إليه مسرعتان..

ابتعدتا عن البحر وعن رشق أمواجه لكنهما وقعتا فريستين لانصباب الماء فوق رأسيهما من مزاريب الأسطح التي تملأ الحارات الضيقة.. لم تحسا بما ظل ينهال عليهما لانشغال رأسيهما بالأهم.

وصلتا إلى هدفهما على عجل.. لم تتوقفا لالتقاط أنفاسهما.. اتجهتا نحو باب يعرفه الجميع.. مخفر الجزيرة.

بقلم

زاهية بنت البحر

 

3 thoughts on “بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)82

  1. Pingback: أتشرق شمس وتغرب شموس؟!! « Zahya12's Blog

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

%d bloggers like this: