نظر في وجهها المشتعل بحمى ألمها، فاشتعل قلبه عندما رأى جمال الحزن قد تفتح وردا فوق وجنتيها.. أحب قطاف غصنِ أمل من رياض المستحيل.. امتطى صهوة الشوق متحررا من سجن اللحظة.. موغلا في عمق الذات الموجوعة، فالتقى بها طفلة تسبح في الجرينة بشعر شقَّرته الشمس، ووجه ملأته نمشا.
ظل يراقبها من بعيد قبل أن يتجرأ ويكلمها.. ابتسامة عميقة ارتسمت فوق ثغره وهو يرى الفتى عادل يركض صوبها ليخرج من رجلها قطعة زجاج جعلت دمها يختلط بمياه البحر، فارتشفه قلبه حتى آخر نقطة.
يبتسم بألم.. سيخرج هاشم إلى النور.. سترينه..سنحبه، وسيسبح في الجرينة.. يسمع أنينها.. يخرج من أعماق ذاته يطمئنها.. ينادي درة
– أم عادل أسرعي..
تركض على عجل.. تحمل البقجة فوق ذراعيها.. تغيب بها عن الضجيج.. عن عادل وحتى عن سراب وعن نفسها إلى نفسها.. تسمع هاشم يبكي.. تركض صوبه بخفق القلب.. تحمله.. تقبله.. تشبع عينيها من جمال طلعته وقد ارتدى فستان أبيه المطرز بالخيوط المذهبة والمفضضة.. ألبسته له رغما عمن لاتحب ذلك.. هو ابن عادل.. حفيد هاشم، وفستان أبيه أولى به من ديارة علية وإن كانت جديدة على الموضة..
– يااه ماأجمل الأصالة ياتيتا حتى بملابس المواليد.
يزداد هاشم بكاءً.. تهزه بين يديها.. تغني له وهي تؤرجحه في الهواء..
– لاتبكِ.. لاتبكِ.. ياهشومة لاتبكِ..
تمسح دموعه بأناملها المجعدة.. دموع ساخنة تحرق يدها.. تنظر منها إلى البعيد.. ترى البحر نارا ثائرة بين شطين في مد وجزر.. تمشط الرؤية بأصابع الدمع علها تستطيع إطفاء جذوة الحريق لحين إشراق الأمل باسما لقلوب أضناها الانتظار.. تحترق أصابع الرؤية..
تنظر إلى السماء.. كل كواكبها قد خبت وملأ دخان الحريق مابين البحر والسماء.. تتراجع عما ترى.. هي ابنة الحين لاتريد إرهاصات الماضي.. لاترحب بانكسارات آتية.. هاهو بين يديها تغني له:
– لاتبكِ.. لاتبكِ.. ياهشومة لاتبكِ..
لن تسجن نفسها في أفقها الآني.. ستمد رؤاها إلى آفاق جديدة لافرق عندها قريبة كانت أو بعيدة، معقولة كانت أو مستحيلة ..لن توغل بآلام اليأس.. لن تشظي روحها باستفزاز القلق.. من حقها الآن أن تحدد خياراتها النفسية.. تعبت كثيرا على امتداد مساحة عمرها الحزين.. لن تضع رأسها في مقصلة الصمت بعد الآن ستغني لحفيدها فهو قادم:
– لاتبكِ لاتبكِ.. ياهشومة لاتبكِ..
بالصمت تحدت الصمت.. بالصمت أطلقت لروحها العنان فاجتازت كل الحواجز.. أحست بنضوج الأمل في تلافيف دماغها.. هي حرة تمارس الآن طقوس أمانيها دون مراقبة يحرسها الصمت ويحرقها بشهقة الحرمان.. حققت الآن المعادلة بين الخيال والمحسوس.. اختلقت له قوانين جديدة لن تغضب أحدا.. استعارتها من حمى القلق المشتعلة في ذاتها المتشوقة لبكاء ومكاغاة هاشم.. أحلامها الآن وهي تحمل بقجة ثيابه ليست ممنوعة.. ليست حراما فهو في الطريق إليها.. الزورق أدار محرك الماكينة تأهبا للإبحار إلى شط الأمان.. شط السعادة، حيث يطلق هاشم أول صوت بكاءٍ، وتطلق هي أجمل زغاريد الفرح.
بقلم
زاهية بنت البحر