استقبلتهما لمى خطيبة أحمد ريثما دخلت إليهما خالتها.. لم تكن تحسب حسابا لزيارة أحد لها قبل أذان المغرب، فقد تعودت أن تنام بعد صلاة العصر لقلة من يزورها.. تهرب بالنوم من التفكير بابنها.. مازال جرحها نازفا حتى الثمالة، بينما تجلس لمى في البيت وحيدة تتسلى في بعض الأحيان بمشاهدة التلفزيون وأحيانا أخرى بالتطريز اليدوي، فتصنع لوحات فنية جميلة إحداها صورة خطيبها الراحل .. حبها له جعلها ترفض العودة إلى بيت أهلها كي لا تترك خالتها وحيدة بين فكي حزنها الحارق.. في هذا البيت الذي ولد فيه أحمد وشبَّ ومنه رحل تحس لمى بوجوده بأي شيء تقوم به بخدمة خالتها.
خرجت الفتاة من الغرفة لتحضير القهوة فاستغل عادل فترة غيابها في الخارج، وبدأ الحديث مع أم أحمد التي استغربت هذه الزيارة المفاجئة منهما خاصة منه بالذات..
بعد أن دعا لأحمد بالرحمة والمغفرة وذكر الكثير من حسناته، قص على أمه بعض الذكريات معه التي يحتفظ بها في قلبه، وأخبرها بأنه كان قد استدان منه مبلغا من المال ووعده بإعادته إليه عندما يتيسر له ذلك، ولكن القدر سبقه إليه قبل أن يرجع المال، وخلال الفترة الماضية التي أعقبت وفاته لم يستطع إيفاء الدين لأمه لعسر كان يمر به، فآثر الصمت ريثما يتوفر له المبلغ، والآن قد فرَّج الله عنه، وها هو قد جاء لإعادة المبلغ كاملا للسيدة والدته، وطلب منها مسامحته على كتمان الأمر، والتأخر بالسداد، ورجاها أن تعتبره كابنها أحمد، وهو في خدمتها متى شاءت.
بداية دهشت أم أحمد مما سمعت، ثم انهمرت دموعها لأكثر من سبب.. لم تخف عليهما أنها لم تصدق ذلك عندما سمعته، ولكنها تذكرت بأنه ذكر لها في أحد الأيام عندما هاتفها في سفره الذي قضى فيه نحبه، بأن أحد معارفه قد استدان منه مبلغا من المال ووعده بإرجاعه له قريبا، ولم يذكر لها اسمه.
أصاب عادل الذهول عندما سمع ما تفوهت به الثكلى.. خاف حقيقة أن تكون قد صدقت بأنه هو من استدان المبلغ الذي أخبرها عنه ابنها، فصمت ولم يسألها عن قيمته خشية أن يفتضح سرّ ما جاء لتأديته إن كانت قيمة المبلغ هي ما أخبرها عنه ابنها أو غير ذلك، وظل فكره مشغولا بالمجهول الذي اقترض المال منه، ولم يُعده لأمه.
استلمت المبلغ من أحمد بينما كانت لمى تقدم القهوة لهم، وعلامات الدهشة بادية على وجهها مما رأت، واستغربت كيف تقبل خالتها مالا من الناس وهي التي ترفض الصدقة.
ابتسمت أم أحمد عندما قبضت المال.. نظرت إليه مليا.. أخذت منه قليلا ثم أعادته لعادل، وطلبت منه أن يضعه في عمل ما يدر عليها ربحا يكفيها لقمة العيش.. فأخبرها بأنه كان سيقترح عليها هذا الموضوع، وسوف يضع المال في مكان أمين.
احتسوا القهوة.. وهي تضع الفنجان فارغا فوق الترابيزة قالت أم عادل للمى:
– نشربها بفرحك يا ابنتي
انتفضت لمى كمن لدغتها أفعى.. قالت وقد انصبغ لونها بالجوري الأحمر:
– بعد أحمد لن أتزوج.
سألها وعيناه مطرقتان نحو الأرض:
– لماذا يا أختاه؟ هذا لايجوز شرعا، ولا يرضي أحمد رحمه الله.
– يحتاج الجرح لعمري كله كي يبرأ مما أصابه، ولن.
– من يدري قد يبرأ قبل ذلك إن رزقك الله بابن الحلال الطيب.
– لن يستطيع أي رجل تحمل حزني على أحمد مالم يكن قد مر بحزن مثله.
قالت أم أحمد:
هذا كلام قالته قبلها كثيرات ثم نسين .. دعوها فإن الله كفيل برأب جرحها متى شاء.
بقلم
زاهية بنت البحر