ربما كان حلما ذاك الذي جعلها تهب من فراشها على عجل.. توضأت وصلت فرض الفجر..
رأت عادل يستعد للخروج إلى الصيد وقد ارتدى ثيابه الخاصة لذلك.. سألها عما جعلها تتأخر بالنوم حتى الآن فقد تعودت أن تستيقظ قبله.. استوقفته، واستأمنته على السِّرِّ وسألته رأيه به.
دهش من نبل السيدة شيماء، ووعد أمه بأن يأتيها بالفتوى التي تريحها بعد عودته من الصيد، فالصيادون ينتظرونه الآن للمِّ الشباك من البحر، وعليهم أن يصِلوا بالفلوكة إلى شباكهم والعودة بالأسماك قبل الشروق.. ودعها طالبا رضاها، ومضى إلى عمله بينما عادت هي إلى سريرها، كانت تحس بإرهاق شديد ورغبة في النوم.
ركب الصيادون الفلوكة وأبحرت بهم إلى مكان بعيد في البحر حيث توجد الأسماك هناك بكثرة وبأحجام كبيرة وأنواع مختلفة.
كان البحر هادئا.. لطيفا رحب بهم وهم يمخرون عبابه طلبا لرزق عيالهم الذين ينتظرونهم بأمنيات وأحلام براقة.. السعيد من الصيادين من يعود محملا بمال البحر السمكي فيمنع نفسه ذل السؤال.
كانت النجوم تبارك خروج الفلايك وهي تتراقص في السماء قبل أن يلمها الغيب بشروق الشمس. سعادة غامرة يحسها الصيادون في الصباح على متن فلايكهم وهم يشقون طريقم في بحرهم الحبيب.. الكريم بكل ماتعني الكلمة من معنى، القاسي أيضا بكل أعماق المعنى.. آه منك يابحر.. خطفت منهم الشباب.. ثكلت الأمهات ويتَّمت الأطفال، ولا يزالون يحبونك رغم كل شيء، ولا يستطيعون فراقك أو الحقد عليك.. حبهم لك غريب منذ أن امتزجت ملوحة مائك بدماء شرايينهم.. ولمَ لا؟ فقد جرحت الصخور أطراف أكثرهم منذ نعومة أظافرهم وهم يلعبون على شطك الصخري.. ولوحتهم الشمس بحزن القلب لفراق أحبتهم.
آه يابحر، قليل من حنانك يسعدهم كثيرا.
وصلت فلوكة عادل إلى مكان الشباك، فرأوا برميلهم الأخضر طافيا فوق سطح البحر وحوله فلين الشباك..
بدأوا بسحبها بقوة ونشاط، خمسة رجال بعزم عشرة.. شدوا .. وشدوا.. كانت الشباك ثقيلة جدا اليوم.. بداية مبشرة بالخير.. شدوا أكثر..وخرجت من البحر محملة بكنز ثمين استقبله جوف الفلوكة بترحاب يليق بملك.. أسماك كبيرة وصغيرة بشتى الأحجام والألوان.. بينها كانت المفاجأة الرائعة.. وحش بحري كبير كان صيد اليوم المفرح، ولسوف يكفيهم عناء الخروج في الليل من دفء بيوتهم لأيام كثيرة.
حضَّرت سراب القهوة لاحتسائها مع حماتها، لكن درة لم تخرج من غرفتها حتى الآن.. تعودت سراب ألا توقظها إلا لضرورة ملحة.. انتظرتها بعض وقت، فلم تخرج، اقترب موعد عودة عادل.. لم تخرج..
فوق سريرها كانت درة ممددة دون حراك.. عيناها مسمرتان في سقف الغرفة التي شهدت ليلة زفافها قبل أكثر من نصف قرن من الزمن، وهي شابة جميلة تميس حورية فاتنة في زهو ربيعها الذي أذبلته الأيام هما وغما وكفاحا..
بقلم
زاهية بنت البحر