Mryam M.Y

Just another WordPress.com weblog

بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)52

2

 

لم تصدق درة ما رواه لهما عادل بداية- إثر عودته من الخارج وثيابه ملطخة بالدماء- عن العراك الذي جرى في أحد أزقة الجزيرة القديمة بين عوني السهام ومحروس النفيش بن فكيرة عجاير بسبب أخته واعدة زوجة عوني.

خُلع قلبها من جذوره الضاربة في أعماقها عندما دخل البيت.. كادت تسقط فوق الأرض.. اتسعت عيناها بوسع الخوف الذي احتل كيانها مشعلا فيه هيجان الخيال بوثبة فاقت قدرتها على التصبر إلى أن يفصح لها عما به، لحظات خاطفة تلك التي مرت بها، أحستها في سطوة الرعب على مشاعرها دهورا طويلة، مظلمة، ملؤها النعيق والزعيق، الألم والعذاب.

 نظرت إليه برجاء أن( تكلم مابك؟).

تكلم لكنها ربما لم تلم بما سمعت..

تطاول عوني على والد زوجته بالكلام بعد أن جاء برفقة والدته إلى باب بيتهم، وراحا يكيلا الشتائم لأخته ومن يقربها أمام الجيران والمارة.. خرج والده لتهدئتهما، فلم يسلم من قذفهما له ولابنته بكلمات نابية تأنف من سماعها الآذان الطاهرة.. لم يستطع ابنه محروس الشاب المهذب تحمل إهانة والده وأخته من قبل صهره، فهجم عليه، وأشبعه ضربا ولكما، فما كان من عوني إلا أن أسرع بشهر سكينٍ في وجهه كانت مخبأة داخل جيبه، وراح يضرب بها محروس أنى اتفق، فانتزعها منه بخفة ملفتة، وكال له بها الصاع صاعين، فأصابه  بجروح كثيرة أغرقت ثيابهما بالدماء. 

لم يستطع أولاد الحلال ومنهم عادل فك الاشتباك بينهما خشية الإصابة بطعنة طائشة حتى تدخل رجال الأمن بدعوة من إحدى السيدات التي شاهدت النزاع من نافذة بيتها المطلة على الزقاق، فاتصلت هاتفيا بالمخفر مستنجدة بهم، فحضروا خلال دقائق، وذهبوا بهما لتسجيل ضبط بالحادثة.

ظلت درة مطرقة برأسها أرضا، وارتعاشة مفاجئة تغزو أناملها المجعدة والعرق يتصبب من جبينها.. ناداها عادل.. لم يلقَ ردا..  

–        أمي.. أم عادل 

–         ….

–        أمي

–        … 

–        سراب أحضري كأسا من الماء.. أمي..

بحركة لاشعورية أسرعت سراب تقطع المسافة بين الغرفة والمطبخ وغمائم سوداء تغطي أفق ذاتها الواجفة بالحدث.. تسرع فتحس بتعثر قدميها في طريق غير معبدة في فلكها المضطرب..

تخترق عينا درة المنصبتان فوق الأرض جدارَ الزمان بشرود تام تبتعد فيه عما حولها قلبا وأذنا وشعورا..

تغرق حتى الأعماق فتراه غارقا بدمائه..  تمتد يداها نحوه.. تمسك برأسه.. تضمه إلى صدرها.. تبتل ثيابها بالدم.. تشده إليها أكثر.. لماذا ياهاشم.. أرجوك لاترحل.. لا ترحل.. لا ترحل..

يناديها عادل: أمي.. أمي 

–        

–        اشربي الماء.. رحمه الله.. رحمه الله..

–         لا ترحل.. لا ترحل.. هاشم

–        أمي.. هاشم رحل ولكن الله باقٍ.. انتقم له من القاتل بيد مجرمة..

–        

يمسح دموعها بأنامله، يضمها إلى صدره.. تمتزج دموعهما وشهقة حرى يطلقها صدر درة يحرق لهيبها وجه عادل.

كان صغيراها يبكيان.. وجيهة وعادل.. سمعت صوت نحيبهما.. وضعت رأسه في حضنها.. ضمتهما إليها.. ابتلت ثيابهما بدماء أبيهما..

ناداها:

–        أمي اهدئي.. اشربي الماء

أمسك بيديها.. صب فوقهما قليلا من الماء.. شهقت.. فتحت عينيها.. رأته رجلا بثياب خضراء، نظيفة.. ابتسمت، والدموع تلمع فوق جفنيها بوهج الشمس.. تندلق فوق خديها لؤلؤا.. تمسحهما بأصبعيها وعيناها معلقتان بثوب سراب فوق بطنها الذي يحمل هاشم.

بقلم

زاهية بنت البحر

2 thoughts on “بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)52

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

%d bloggers like this: