بدأت سراب مؤخرا تحس بآلام خفيفة في أسفل ظهرها وبطنها.. أخبرتها القابلة القانونية بأن هذه الأعراض تنتاب الحامل في الشهرالثامن والشهر التاسع، ولم يحن بعد وقت الولادة.
حمل ثقيل ألقت به “شيماء الرابح” فوق أكتاف “درة” وذهبت تاركة قلبها في خضم بحر هائج تضرب أمواجه العاتية فؤادها بكفوف توبيخ الضمير.
صدق معها اليوم المثل القائل” بعد الكبره جبة حمرا” وأي جبة حمراء تلك التي ستجعلها تستخف بنفسها إن هي اقترفت الكذب بعد أن ابيض شعرها، وتساقطت أسنانها، ولم تعد تريد من الحياة سوى رؤية الطفل هاشم وختامها برضا من الله.
لن تسأل شيخا خجلا من السؤال رغم علمها تماما بأنه لاحرج في الدين، ولكنها تخشى أن يظن أحد بها السوء، فقررت البحث في كتاب رياض الصالحين عن حديث يبيح الكذب في عمل الخير، وكانت قد سمعت بأن الضرورات تبيح المحظورات، ولكنها تريد أن تطمئن أكثر، فهي تمقت معرف الكذب فكيف باقترافه؟! وهناك أمر آخر زاد الطين بللا فقد تطلب منها أم أحمد أن تقسم بالله أن لابنها دينا على عادل، وهي لن تقسم بالله كذبا مهما كان الأمر.
وضعت كيس النقود فوق رف خزانتها.. بحثت عن الكتاب في المكتبة الصغيرة التي توجد في غرفة المعيشة.. لم تجده.. سألت سراب عنه.. أحضرته لها من غرفتها.. كانت تقرأ فيه قبل أيام ولم تعده إلى مكانه.
درة تجيد القراءة، فقد ختمت مع أترابها وهي صغيرة قراءة القرآن في الكتَّاب.. سألتها عما تريد منه، أجابتها:
– المؤانسة بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام.
أغلقت باب الغرفة خلفها بعد أن ذهب ابنها وزوجته للنوم.
وهي تفتح الكتاب كانت تردد في رأسها آية حفظتها من سورة غافر -: (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) [غافر: 28]وآية ثانية قال الله تعالى -: (لعنة الله على الكاذبين) [آل عمران: 61].
اقشعر بدنها وسرت فيه برودة ولدت رعشةً في يديها وهي تقرأ مارأته من رواية ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:-: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند اللَّه كذابًا». [البخاري 6094، ومسلم 2607]
ارتدت على أعقابها.. خرجت من الغرفة وهي تستعيذ بالله من الكذب.. مايدريها كيف يأتيها عقاب الله إن هي فعلت ذلك.. لا.. لن تكذب ولتجد شيماء طريقة أخرى توصل بها المال إلى أم أحمد.. أحست بصداع يمزق رأسها.. دخلت المطبخ.. حضَّرت فنجان قهوة بدون سُكَّر.. عادت به إلى غرفتها لاحتسائه على مهل.
مازال الكتاب أمامها.. تهيأ لها أنه يدعوها إليه لمزيدٍ من القراءة علها تجد فيه ما يريح نفسها.. لبت النداء.. قرأت.. قرأت.. إياكم والكذب.. تحذير مخيف يؤدي بالكاذب إلى النار.. الكذب خيانة كبيرة: عن النواس بن سمعان – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «كبرت خيانة أن تُحدث أخاك حديثًا هو لك مصدق وأنت له كاذب».
ياالله ماأفظع ذنب الكاذب.. في خضم قلقها واتساع همها بما حملتها شيماء من أمانة، كادت تغرق ببحر هم لا قرار له، وقعت عيناها على حديث أحست من خلالها بيد أمان تنتشلها من غرقها .
– روى الترمذي عن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يا أيها الناس ما يحملكم أن تتابعوا على الكذب كتتابع الفراش في النار، الكذب كله على ابن آدم حرام إلا في ثلاث خصال: رجل كذب على امرأته ليرضيها، ورجل كذب في الحرب فإن الحرب خدعة، ورجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما “.
بدأ خوفها ينسحب تدريجيا.. وكلما تقدمت بالقراءة خطوة تراجعت جحافل قلقها خطوات.. لكن ماجاء في الحديث لايشملها فهي لن تحارب، ولن ترضي زوجا بكذبة فقد مات هاشم ولم يعد بحاجة لرضاها، ولن تصلح الآن بين مسلمين نشب بينهما خلاف.. أين تجد مايخصها في الأحاديث الشريفة ؟ ظلت تقرأ حتى تعبت، وغطت في نوم عميق .
بقلم
زاهية بنت البحر
زاهية بنت البحر .. كم أنت مبدعة بحق لقد قرأت كثيراً ولكن لم تبصر عيناي كتابة كالتي تمتلكين. أنت موهبة فذة.
LikeLike
jeddai2008
شكرا لك
مازلت أحبو على بساط اللغة علني أجيد الكتابة يوما
دعواتك
LikeLike
رواية فيها من التشويق الكثير .. ساقرأ كل ماتكتبين علي أصبح مثلك يوماً ما
LikeLike
jeddai2008 اخي\ أختي المكرم\ة
تكمل سعادتي بحضورك بالنقد المثري.
أهلا بك ومرحبا
LikeLike
أشتاق للكتابة ولكنني لا أستطيع
LikeLike