ليلة عاصفة انتزعت النعاس من عيني سراب بينما لاذ عادل وأمه بدفء لحافهما وغطَّا في نوم عميق.. نهضت من سريرها.. مشت إلى فناء الدار.. كانت الأشجار تهتز فوق رأسها بجنون وأوراقها تتساقط على الأرض التي ملأتها الغبار..
اقتربت من النافذة المطلة على البحر.. فتحتها بهدوء.. نظرت إلى الأجواء خارج البيت.. كان الظلام يخيم على ما وصل إليه نظرها بينما ظهرت الصخور الضخمة- الرابضة حول أطراف الجزيرة منذ زمن عتيق لا يعلم مداه إلا الله- كأنها أشباح تختبئ خلف ملاءات الظلام.. اتسعت عيناها باتساع الفضول في البحث عن شيء قد يهدِّئ من استفحال أرقها.. عواء الريح جعلها تحس بارتعاشة يديها اللتين سكنتهما البرودة طلبا للدفء من حرارة جسم الحامل.
ارتدت إلى الوراء بضيق أحسته في صدرها.. أغلقت النافذة.. مشت إلى المطبخ.. حضَّرت كأسا من مغلي اليانسون الذي وصفته له درة للنوم رغبة باسترضاء النعاس الهارب منها بصوت العاصفة.
وهي ترتشف ماصنعته ساخنا، سمعت صوت حبات المطر تنهمر بهدوء بديع، ما لبثت أن ازدادت شدة انهمارها وهي تقطع الطريق إلى غرفتها، تفوح منها رائحة الشجر والأتربة التي أنعشت نفسها، فراحت تستنشقها بملء رئتيها.
أحست بشيء من الراحة، وكثير من النشاط ناسية كل ماكانت به قبل قليل من خوف وارتعاش، فوقفت بباب الغرفة تنعم النظر بخيوط هطول المطر وصوت انسيابه الساحر تقابله دقات قلبها بسعادة عارمة تملأ صدر طفلة بجسد امرأة، بينما كان القمرالذي لم يكتمل بعد مختبئا خلف ستار سميك من الغيوم الداكنة عن عيونها المتطلعة إليه برجاء الظهور ولو لبعض وقت.
سمعت صوتا من خلفها
– ماذا تفعلين هنا؟
التفتت إلى الوار مبسملة بخوف:
– ماالذي أيقظك أنت الآن؟
– افتقدتك في السرير فقمت أبحث عنك.
– أنظر ياعادل إنها تمطر.
– مابك، كأنك ترين المطر لأول مرة؟!!
– فعلا، هذا إحساسي الآن، قبل قليل كنت خائفة لكن انهمار المطر أطفأ جذوة خوفي.
– الحمد لله الذي أطفأها قبل أن تحرقنا جميعا.. عودي إلى سريرك فالبرد يؤذيك ويؤذي الجنين.
– عادل لماذا يختبئ القمر خلف الغيوم ؟
– سؤال غريب، أحقا لا تعرفين لماذا؟
– بل أعرف، ولكن ألا يحق له الظهور رغم الاحتجاب؟
– أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ماالذي أصابك ياسراب؟
– لم يصبني شيء، أسئلة تخطر ببالي .. هل السؤال حرام؟
– لا.. لم أقل ذلك
– أجبني إذا؟
– حسنا.. عودي إلى النوم، وغدا تسألين وأجيبك.
عادت إلى سريرها والأسئلة تلح عليها، هي تعرف الإجابة لكنها رفضتها، وراحت تبحث عن إجابات جديدة لم تعثر عليها، فاعتقلها النوم، وألقى بها فريسة بين فكيه حتى الصباح.
كان منظر حماتها وهي تنظف بهو الدار صباحا من أوراق الأشجار والأتربة التي سقطت معها بحبات المطر، يوحي لها بنشاطها وقوتها التي تحتفظ بها حتى الآن، فكبَّرت بسرِّها وحصنتها بالله.
سألتها درة دون أن تنظر إليها
– كيف كانت الليلة؟
– حاصرني الخوف فيها ثم حررني المطر.
– تنطقين جواهر..
– تعلمت منك.
– تعلمي أيضا ألا تخافي ، فإن خفتِ ولم تمطر قضى الخوف عليك.
– أخفتني ياامرأة عمي..
– لن يقضي خوفك عليك الآن، لأن كلامي مطر خير لن ينالك به سوء بإذن الله.
بقلم
زاهية بنت البحر