عشر من السَّنوات مرَّتمملة.. كئيبة.. خانقة.. تلهث وراءها يومًا بعد يوم زارت خلالها عيادات الأطباء، ودورالعرَّافين، سخت لأجل النُّذور، وأكثرت من الصَّدقات، بكت نهارًا وسهرت ليلا تدعوالله قيامًا وقعودا دعاء المضطر، ولكنْ لم يأت المنتظر، لم يقرع باب حياتها بأناملالسعادة، لم يدغدغ كيانها بنداء أمي، أو ببسمة ثغرٍ، أو بصرخة ألم. هي كغيرها منالنِّساء اللواتي يتزوجن كرهاً أو طوعاً، لا تملك من أمرها شيئًا، ولكنها تحلم بطفلصغير يزيِّن حياتها بالفرح، ويملأ أجواءها بالتَّغريد على أفنان حبِّها للحياة ولمنتحب. كانت تحلم به جميلاً كالبدر، وديعاً مثلها وكأبيه، تضمه إليها بحنان، ترضعهمن صدرها حليباً طاهراً، تعلمه أحلى الأشياء، تربيه على الإيمان وحب الخير، تلبسهأحلى الثِّياب، وترقص ليلة عرسه حتَّى الفجر، لكنَّها حتى اليوم لم تجرب الوحامالذي تشكو منه النسوة حقيقة أو دلالا، لم تشكُ وجع الحليب، ولم تذق ألمالولادة. أحياناً عندما كانت تلتقي مصادفة في الطريق أو في بيت ما بإحدى رفيقاتالطُّفولة، وهي ترضع أو تحمل طفلاً، كانت تحسُّ بالغيرة تهاجم أنوثتها، وبالحرمانيفترسها، فتنظر إلى الطفل بلهفة تكاد عيناها بها تخرجان من وجهها لتلتهمهبشهية أنثى محرومة الأمومة، تتلظى حرقة ما تلبث بعدها أن تنتبه إلى نفسها، تواريحسرتها بابتسامة رقيقة تفضح سريرتها المعذَّبة، فتردّ عليها الرَّفيقة الخائفة منمقلتيها بابتسامة مجاملة باهتة، وتهرب بطفلها خشية الحسد، فتلوك سراب نارها بصمتمرير، وعيناها تفيضان بالدموع، والأم وطفلها يبتلعهما الطريق. زُوِّجتْ لعادل فيسنٍّ مُبَكِّرة جدا، تقاليد الجزيرة تقضي بتزويج الفتاة بعد البلوغ لأول طارق باب،أمَّا الشَّاب فحسب قدراته المادية. أحبت سراب (عادل) بإخلاص كما أحبَّه سكانالجزيرة، فهو شاب دمثَ الأخلاق، لطيف المعشر، محمود النسب تمنت الزواج منه الكثيراتمن الجميلات، ولكنه لم يتمنَّ غير حبيبة القلب منذ أن كانا يلعبان معًا على صخورالشاطئ في أيام الصيف الحارة.
ضيق ذات اليد لم يغيِّر من حبِّها له، بل زادهاتعلُّقاً به رغم حلمها بأن تكون غنيِّة كسعاد وعايدة وسميرة وغيرهن من صديقاتهاالأقل منها جمالا ونسبا، لكنها لم تشعر بالضيق من عسره المادي يومًا، بل راحت تبثفيه روح التَّفاؤل والأمل، فظلت في قلبه أميرةً، وسكن قلبها مليكاً. رغم صغرسنِّهما فقد كانا يؤمنان بانَّ العقل بواسطة الدين هو السَّبيل الوحيد لمتابعةالحياة بينهما بشكلٍ هادئ، فعاشا متفاهمين. حفظته في ماله وشرفه، فحفظها في قلبهووجدانه، وعندما كان يسافر على متن إحدى السُّفن التِّجارية تاركًا بلده وأمنه ودفءبيته، وحنان أمه وزوجته طلباً للرِّزق، لم تكن سراب تذهب أثناء غيابه إلى بيت أهلهافي زيارة طويلة قد تستغرق مدَّة غيابه كاملة كما تفعل الأخريات خاصة خلية الولدمنهنَّ، بل كانت تنتظره في بيتها، فتهتمّ بوالدته العجوز وتعتني بشؤونها، كان ذلكيسعدها كثيرًا لاعتقادها بأن ما تقدمه لحماتها يسعد حبيبها الغائب ويطمئن قلبه علىأن والدته بأيدٍ أمينة فيتفرغ نفسيًا للعمل بجد وراحة بال. وحينما كان يجوبالبحار، وموانئ البحر المتوسِّط، ويُعرَض له الجمال بأعلى مقاساته وفتنته فيحوريَّات الشَّواطئ، والمدن السَّاحلية، تلك الجميلات اللواتي يلعب حسنهنَّ برؤوسأشدِّ الرِّجال عقلاً، لم يكن يشاهد بناظريه أجمل ولا أروع من حوريتهسراب. تناغمٌ بديع ظلَّ يربطهما بمحبَّة صادقة لم يسمعا له نشازاً في عمرزواجهما أبدا.
ربما كان هناك من لا يحب أن يقرأ القصص الطويلة المجزءة حتى تتم وأنا واحدٌ منهم ولعلك تذكري رائعتك الإحتراق صبرت حتى إنتهيت منها ثم قرأتها بتأني وكانت من الروائع التي مرت علي ولا أقولها مجاملة يعلم الله , أرجوا أن تكون هذه القصة في مستواها .
إلى كل من يسألني عن الحلقة الأولى ويجدون صعوبة بالوصول إلي الرواية من بدايتها:
سأقوم بتخصيص متصفح بإذن الله لجميع الحلقات
أهلا بكم ومرحبا
أختكم
زاهية بنت البحر
زاهيتنا المشرقة
أحببتك شاعرة وقاصة .. وروائية
متابعة لسراب وعادل وحبهما الوثيق, وإن دق قلبي من كثرة أسفاره!
طبت وسلمت
أ. فاطمة بنت السراة
LikeLike
أهلا بك الحبيبة زاهية .. ومع أول فصول روايتك نتابع سراب وعادل .. ونترقب بشوق بافي الفصول .
أ. فايزة شرف الدين
LikeLike
هل هو السراب العادل .. أم عدل السراب ..
أم ماذا يا أديبتنا الرقيقة
بالتوفيق الدائم
أ. حسين راشد
LikeLike
المال والبنون زينة الحياة الدنيا
والباقيات الصالحات خير عند ربك مردا وخير املا ..
مايدريك فلعل الله لم يرزقها محبة فيها حتى لاتتوقف عن الدعاء والاستعانة والتقرب الى الله دائما
تلك هي الباقيات الصالحات ..
وكذلك فان الرضى والقبول لقدر الله وقضائه هو ارقى درجة الايمان وهل اجمل من ان يلقى العبد ربه وهو راض ِ عنه .
من يدري
فكثير من الابناء تمنت امهاتهن لو لم يأتون الى الحياة من فرط حقوقهم بامهاتهم .
لله مااعطى
ولله مااخذ
ولله ماابقى ..
اما الحب فهو العطاء الالهي الاجمل الذي ابقاه في قلوب عبااااااااده..
زااااااااااهية
وكم انت ِ زااااااااااااهية بلا حدووود
عندما يتحرك قلمك مابين اناملك ِ الرقيقة لتحبري حبرا كلمعة الالماس ..
LikeLiked by 1 person
ما شاء الله
التعبيرات جميلة و من السهل الممتنع …
خفة تقليدية لكنها ظريفة جدا
و ما أحلى التعبيرات عن الخلق و عن حب الزوج المثالى ( ……….) و عفته
حتى لو لم تكتمل فهى كافية و جميلة !
حقا الشباب بحاجة لتلك الكلمات الشيقة
بدلا من غثائيات غبير و المقعد و غيرهما
و تعقيب القلم الأنور طيب جدا و الحمد لله أنه توافق لديكم
جمعنا الله على أحب ما يرضيه من قول و عمل و نية
بورك فيكم
وقد تفوقت القصة على الشعر لديكم فى عينى
وفقكم الله لكل خير
د. إسلام المازني
LikeLiked by 1 person
الأخت الفاضلة والأديبة زاهية
ربما كان هناك من لا يحب أن يقرأ القصص الطويلة المجزءة حتى تتم وأنا واحدٌ منهم ولعلك تذكري رائعتك الإحتراق صبرت حتى إنتهيت منها ثم قرأتها بتأني وكانت من الروائع التي مرت علي ولا أقولها مجاملة يعلم الله , أرجوا أن تكون هذه القصة في مستواها .
بإنتظار الباقي ودمت بحفظ الله .
أ. الميمان النجدي
LikeLiked by 1 person
رائع رائع أختي بنت البحر ..
تابعتها منذ البداية .. كنت أحيانا أدخل فقط لأرى الجديد فيها ..
تسلسل جميل هاديء وأحداث تطرد الملل ..
ونهاية :حزينة .. ربما تكون متوقعة ولكنها جريئة ..
أسجل حضوري وإعجابي بدرتك هذه ولك التحية .
أ. يوسف البلوي
LikeLiked by 1 person
اصطفينا هذه القصة
ووضعناها في العرض الدعائي لأحسن القصص
مع بعض القصصص الأخرى المتميزة
وفقكم الله
وسدد على الحق خطاكم
أ. أبو العبادلة
LikeLiked by 1 person
إلى كل من يسألني عن الحلقة الأولى ويجدون صعوبة بالوصول إلي الرواية من بدايتها:
سأقوم بتخصيص متصفح بإذن الله لجميع الحلقات
أهلا بكم ومرحبا
أختكم
زاهية بنت البحر
LikeLike
زاهية بنت البحر
يا مبدعة النثر
ها انا قرات اجزء الأول
وساستمر يصمتي
الى ان اقرأ بقية الأجزاء
فاأنا مشدودة اليها
كمغنطيس
من بداية الجزء(1)
لرقي حرفك
باقة جوري
LikeLiked by 1 person
شكرا لقراء هذه الرواية الكرام
LikeLike
Pingback: بانتظار الأمل(رواية لزاهية بنت البحر)2 | Zahya12's Blog
قرأتها الآن فعادت بي الذكريات إلى الفوائد وأدبائها الكبار
جزاكم الله جميعا عني خير الجزاء.
مريم” زاهية
LikeLike